أحمد زكي.. طلتك علينا بالدنيا يا منتصر

أحمد زكى

هايدي جبران

بره النص

أعتز بانتمائي لكلية الإعلام درة جامعة القاهرة، أفخر بنسبي لقسم الصحافة.
كنا قد وصلنا للسنة النهائية وكان جزء من الحصول على درجة البكالوريوس هو تقديم مشروع تخرج نموذج لمجلة، برهانًا على ما تعلمناه طوال أربع سنوات مضت.
نسمات شهر مارس الربيعية منعشة تملأ الجو، تصحبك من باب الجامعة وحتى باب الكلية الزجاجي المفتوح دائمًا على مصراعيه، اجتمعنا في صالة تحرير قسم صحافة التي طالما أجتمع فيها محررو جريدة “صوت  الجامعة” والتي شهدت أولى تجارب أغلب صحافي مصر.
كنا مجموعة مشاكسة أحلامنا حد السماء، اتفقنا أن يكون اسم المجلة Vip تعبيرًا عن كل الموضوعات والشخصيات التي سوف تتعرض لها المجلة. وقتها كان أحمد زكي يصور فيلم “حليم ” ووقع اختيار الأستاذ المشرف على المشروع -وهو صائد للأفكار وذهنه مشدوه دومًا بالخارج عن النص وصانع صحافة بطعم ونكهة مختلفة- أن يكون ملف العدد عن أحمد زكي وكلفني بكتابته.

لي معه قصة خاصة فهو الفتى الخارج عن المألوف كاسرًا كل التابوهات، أحبه منذ وعيت على السينما، كان مسلسل “هو وهي” أول لقاء لي معه، طفلة في إجازة صيفية تملأ وقت فراغها بمشاهدة التلفاز، ثم مسلسل الأيام.

لا يشبه أحدًا سواه، له فلسفته الخاصة حتى في كل اختياراته التي لم تنلِ إعجاب مقعري السينما، هو ملهاة مأساوية، مطبخه الشعوري يعمل طوال اليوم نتيجة لمخزونه الداخلي الذي استقاه من تجربته الداخلية، كنت أدخر من مصروفي كمكافأة بمشاهدة أحد أفلامه في السينما أو بحد أدنى أن أقتني شريط فيديو.

كل شئ بمعاد
بدأت في كتابة الخطوط الرئيسية وطلبتُ من صديق يعمل  بالسينما أن يساعدني في حضور أحد أيام تصوير فيلم حليم، تأجل الموعد مرة ثم ثانية ولم يأتي، يأتيني صوته عبر التليفزيون وأمي تناديني أحمد زكي مع شافكي المنيري تعالي!!! أخرج مهرولة أسمعه متحدثًا عن مرض وعن استجابة فورية لرئاسة الجمهورية لنقله للعلاج لباريس، تسأله المذيعة أن يطمئن أحبائه، ليرد: “أنا معنديش حاجة شوية برد وخلاص عملوا ميه على الرئة.
أنا مش عاشق ضلمة ولا زعلت الضئ… مسير الضئ لوحده هيلمع…  مسير الضحك لوحده هيطلع”.
لم أنم ليلتها واستيقظت متجهة لمستشفى دار الفؤاد بحثًا عن أي معلومة، كان الدور الذي يقيم فيه بصحبة صديقه محمد وطني عليه ما يشبه حراسة مشددة، فكل محبيه يسابقون الزمن ليصلوا إليه، أسمع المخرج محمد خان يقول لأحد الأطباء عنه: ” سلك كهربا عريان أعصابه فوق جلده”.

كنت أؤجل موعد  تسليم مقالي انتظارًا لمعلومات جديدة، أن يطل علينا معلنًا تعاقده عن فيلم جديد، لكن لأقداره وأقداري أن أقوم بتغيير المقال وعنوانه.
هرب منتصر مرة أخيرة.

لم يعد هنا
“ومعدتش العين تشوفه تاني بس يفضل له في القلب مكان، طلتك عليا بالدنيا يا ولدي ، كنت تغيب مهما تغيب وأحلف يمين ، لما ترجع لعمل فيك وأسوي ، و أول ما تهل عليا أشوف طلته في عنيك، كل حاجة تروح لحالها، قلبي يصفالك زي ندا الفجر”.

لك وحدك
جاء وقت الحصاد، تم تكريمي كأفضل رئيس تحرير على مستوى مشروعات التخرج لعام 2005، كما تم اختيار موضوع “أحمد زكي…النهايات الحزينة” كأفضل موضوع فني، مدينة له بأول جائزة لي عن عمل صحفي.
كنوع من رد الجميل اعتدت أن أضع باقة ورد في ذكرى غيابه عنا بالجسد ولكن هذا العام فضلت أن  أنشر مقدمة مقال لم ينشر.
موعد مؤجل…النهايات الحزينة
لم يكذب ولم يتجمل، لم يلعب أبدًا بالبيضة والحجر ولم يخدعنا، بقيت موهبته لا تحتمل شك أو تأويل فعرف أن هناك ملايين “عبد الستار” يقضون لياليهم على فراش الرغبة والكبت ويظلون طيلة نهارهم يبحثون عن الحد  الأدنى، بالتأكيد هو رجل مهم في زمن فاسد نجح في كسب محبة وإحترام الجميع.

باشا التمثيل وإمبراطور التوحد؛ كان دومًا أقوى وأكبر من أي لقب نفوذه دومًا أكبر من معالي الوزير لذا لم يخرج أبدًا من أي تشكيل أو تغيير. روّض الشرسة… ولكن مثل غيره لديه لحظات ضعف.

“لم أرتبط بمكان، لم أرتبط بسرير أو كرسي أو حتى مسمار من فوق الحيط”، غيّر مفاهيم الفتى الأول ووقف ضد  الحكومة غريب ووحيد، لم يعرف أحد من هي حبيبته هل أمه أم السينما ولا الأيام.
هو شريك حلم السادات، ولكنه دائمًا كان منتصر يهرب من قدر لقدر أشد قسوة.
إزيّ حالك؟
مش لسّه برضو زي حالي
لسّه بتضّمك شوارع؟
ولسّه كارهاك البيوت؟
لسّه قادر ع السكوت؟
لسّه حيّ؟
“الله يعينك ع اللي جاى”…هيستريا ١٩٩٦

نرشح لك: صبري فواز: أحمد زكي عدل في فيلم السادات من أجلي

شاهد: يوم #مش_عادي في ضيافة الإعلامية سالي عبد السلام