ثلاثية البرد والحضن ونشرة 9

محمد حسن الصيفي

قبل أسبوعين طرح “رامي جمال” أغنية “البرد” كلمات أحمد مرزوق وألحان محمد يحيى، الأغنية نجحت في تخطي مليون مشاهدة؛ وجاءت ما بين مؤيد ومتهكم على الكلمات التي بدأت ب “البرد محتاج حضن/والحضن محتاج حب/والحب محتاج قلب ” …

فأعادها المنتقدون لتيمة أغنية الطفولة “والنجار عايز بيضة، والبيضة عند الفرخة، والفرخة عايزة قمحة..”

بينما المحتفين كان منطقهم أنها تحمل مسحة شجن ورمانسية وكلماتها تتماشى مع أذواق جمهور الشباب الآن والأهم أنها أقرت بمبدأ هام من مباديء الفيسبوك في الشتاء “إن البرد محتاج حضن”

ربما نفهم أن البرد يحتاج “حُضن” لكن المعادلة في الواقع تختلف عن رومانسية رامي جمال، حيث تتوقف في الواقع عند الحضن ولا تكتمل، تفقد سلاسة أحمد مرزوق في الكلمات وتنفجر الأزمات.

مؤخرًا تواترت الأنباء عن فصل طالبة بالمنصورة على إثر فعل فاضح، مدعمة بمقطع مصور لشاب يجثو على ركبتيه أمام تلك الفتاة؛ ثم يهب واقفًا ليمنحها “حُضن مطارات” ويرفعها من على الأرض ويدور بها في الهواء، ويصفق الحضور….. وما أن لمست قدم الفتاة الرومانسيّة الحالمة أرض الواقع حتى فتحت جهنم أبوابها مجانا.

عُرفت هذه الواقعة بواقعة “فتاة الحضن” وقبلها عشرات المقاطع المماثلة؛ منها لطالب ذهب لفتاة في المرحلة الثانوية أمام مدرستها في الإسكندرية ولا نعرف كيف عرفت الشرطة ثم حضرت لتنهي الفيلم الرومانسي مبكرًا بنهاية دراماتيكية حزينة وتضع “الكلبشات” في يد كازنوفا.

القضية شائكة، والتطبيق الحرفي لرومانسيّة إم بي سي 2 هنا سينقلك من رومانسيّة التاسعة مساء على نفس القناة إلى فيلم الرعب في الثانية عشر منتصف الليل !

نرشح لك: رسميًا.. فصل طالبة “الحضن” من جامعة الأزهر

من باب التأصيل

تعاني هذه الأجيال من مشكلات عويصة “الضياع بين النظرية والتطبيق”، يُسحبون على وجوههم خلف الاقتباسات الرومانسيّة على فيسبوك؛ خلف المشاهد الدافئة في الأفلام الأمريكية والمسلسلات التركية، تتدغدغ مشاعرهم أمام البطل الهندي الرومانسي صاحب العضلات المفتولة الذي يرقص بخفة ورشاقة مع حبيبته الرائعة.

بينما الواقع “خل” والأهالي التي تربت في أحضان الخمسينات يكتفون بمصمصة الشفايف والبكاء على زمن الخجل، فلذلك الهوة سحيقة، فهذه الأجيال تتعرض لعمليّة بسترة مخيفة؛ فمواقع التواصل تصنع لهم عالمًا ورديًا والواقع خشن أكثر من المطلوب؛ قاسيًا حتى الموت، والشباب يحتاج بالفعل للحضن الذي غنى له رامي جمال، لكن ليس الذي ينتهي بصاحبيه مثل نهاية الشيخ حسني وهو يقود الموتوسيكل… إلى “حضن” الرصيف.

الأجيال الصاعدة تعاني من الجفاف، جفافًا عاطفيًا وفكريًا وأخلاقيًا، من يتحدث معه؟ من يناقشهم في جدوى الأفكار المستوردة أو المغلوطة؟

مواقع التواصل ترميهم بالأفكار الساخنة الملتهبة مثل كرات النار دون أي حواجز، البابليك فيجرز وصفحات الاقتباسات … على ذكاءهم يرزقون، ومحدش بينام من غير شير، وقبل أن تبرد نار البوست يجمع عشرات الالآف من الإعجابات والتعليقات من المرتجفين من البرد المشتاقين للخلاص من عذابات المجتمع الخشن المُعذب الغارق في الحديث عن الأوضاع الاقتصادية والتفجيرات وصفقة حسين الشحات.

تذهب الفتاة ليحضتنها الشاب أمام زميلاتها معبرًا عن حبه البريء “ربما” في الزمان والمكان الخطأ؛ فيقوم المجتمع ليرجم الفتاة المنحلة “وحدها” بتعليقات ساخنة على صفحات الأخبار على طريقة محمد سعد في فيلم بوحة “أوعى القطر يا عم الحج” وعلى نياتها أيضاً تُرزق هذه المواقع، ويعود بوحة أو المجتمع “لا فرق” ليغرق في “التعسيلة” قبل أن يعود مع قضية أخرى تصطاده بها تلك المواقع والصفحات بوجبة فاسدة مُشبّعة بالبهارات والشطة.

وتقوم الجامعة بالقضاء على ما تبقى من مستقبل هؤلاء الغرقى من الجيل الجديد برميهم بالطلاق البائن والفصل من الجامعة بعد الفعل الفاضح كمسكن سريع المفعول يسري تحت جلد الجمهور الثائر الغيور على دينه “شكلا”؛ فيهلل الجمهور ويكبر في صفقة ترضي جميع الأطراف، طلبة تعاني أفكارًا مشوهة فيتم الإجهاز على ما تبقى منهم، وجامعة لا تريد ولا تستطيع التقويم والتهذيب، والسادة أصحاب الفانلات الحمالات الرابضين خلف الشاشات؛ والأهالي الذين يشاهدون النشرة الجويّة على القناة الأولي قبل أن يخلدوا للنوم مبكرًا هانئين بالغطاء في تلك الأجواء الباردة !

بينما يجلس سادة الحرية ليلقنوا العبيد المناكيد دروسًا فيسبوكيّة لاذعة، تبدأ بأن الجميع “على الطرف الآخر من النظافة، وأنهم كذلك أولاد أشخاص لا يعرفوا شيئًا عن النظافة” وأن هذا المجتمع بالكامل غير نظيف، وتبدأ البوستات وتنتهي عبر حديث “المجاري” الموجه بفوقية شديدة للشعب المتناقض ويصفق الزبانية لبوستات هاي هتلر …

الحقيقة أن الكل مستفيد بحالة الفوضى، والخاسر الوحيد هو الجيل المتخبط، والحل الوحيد أن يحاول الأهالي السهر لما بعد نشرة 9 ليفهموا احتياجات أبناءهم، وتحاول هذه الأجيال الخروج من ساقية مواقع التواصل وفهم اللعبة واستيعاب أن على هذه الأرض ما يستحق الفهم “دينيًا وأخلاقيًا ومجتمعيًا” حتى يتسنى لهم الحياة !

نقدم لك| خالد وياسمين وزواج المؤامرة..