تسويق الأفلام وصناعة السينما المتكاملة.. "122" نموذجًا


إيمان مندور

أن تبذل أقصى ما في وسعك لكي تقدم عملاً أو منتجًا جيدًا، ثم تشكو بعد ذلك من عدم نجاحه بالقدر الذي توقعته، فتنسب الخطأ للمتلقي ولتغير أذواق الجمهور، فأنت في هذه الحالة أمام تفسيرين لا ثالث لهما؛ إما أن عملك ليس جيدًا بالقدر الذي يُخيل إليك، أو أنك لم تسوِّق له بطريقة مناسبة تجذب المتلقي ولا تنفره. فتسويق العمل يحتاج إلى مهارة واحترافية لا تقل عن المجهود الذي بُذل في تنفيذ العمل ذاته. وإلا ستصبح كمن صنع اختراعًا عظيمًا يستخدمه الأطباء مثلا، ثم راح يروِّج له في أسواق الخضروات، أو حتى لدى أطباء لا يستطيعون شراءه. وهو هنا في كلا الحالتين خاسر.

وانطلاقًا من المبدأ السابق ذكره، نتطرق إلى تسويق الأفلام السينمائية المصرية، وكيف أن السينما ليست إبداعًا وفنًا فقط، ولكنها تسويق وصناعة وتجارة، ينجح فيها “الشاطر” أكثر من المبدع أحيانًا. إذن ما أصل المشكلة لدينا؟ وما الخطوات الأساسية لتسويق الأفلام؟ وبأيها نبدأ؟ ومتى نبدأ في الترويج للعمل أصلًا؟

أصل المشكلة

الأزمة أن لدينا فنًا لا يزال بعيدًا _إلا ما ندر منه_ عن المعايير الفنية التي تصلح للمنافسة عالميًا، يليه ضعف في الآلة التسويقية والدعائية السينمائية أصلًا، فليس الخلل في المُنتَج فقط ولكن في الترويج له. وخطأ التسويق لا يعني بالضرورة أنك لم تعط الفيلم حقه، بل قد تقدمه بطريقة مبالغ فيها فيكون المردود عكسيًا من المتلقي عند اكتشاف ذلك، أو يكون السوق مُحتَكَرًا لنوعية أفلام تؤثر على الذوق العام، وتتسبب في تهميش أفلام أخرى ربما تكون هي الأفضل فنًا وإتقانًا.

السينما صناعة متكاملة تحتاج إلى تخطيط احترافي وإبداعي ورؤية للتوزيع قبل الشروع في الإنتاج أصلا، وليست على الإطلاق “مجرد واحد معاه فلوس وناس واقفين قدام الكاميرا وشكرًا”، وحتى هذا الأمر لا يُطلق عليه “تجارة” كما ينتقده البعض، فالتاجر “الشاطر” لا يضع أمواله في مُنتَجٍ لا يضمن نجاحه ولا يجيد تسويقه. أما حديث بعض العاملين في الوسط بأنه يبحث عن الفن وليس الماديات فهذا كلام مرسل يؤخر الصناعة بنفس القيمة السلبية التي يضيفها من يهتم بالإيرادات وحدها فقط، فالتكلُّف في تصنٌّع الزهد المادي داخل الفن يؤخر الصناعة المتكاملة خطوات كثيرة للوراء.

باختصار.. (الصناعة السينمائية = ربح فني ومادي) ونحن لدينا كل الإمكانيات المطلوبة، ولكن الخلل في الرؤية والإدارة والتوزيع.

خطوات صناعة الأفلام

1- من المسؤول؟

قبل كل شيء، وأيا كان نوع المُنتَج الذي تريد تقديمه سواء كان فليمًا أو مسلسلاً أو أغنية أو حتى عربية فول، فأساس نجاح أي عمل هو “الإدارة الناجحة وحسن اختيار المسؤولين”، لأن أي خلل في إدارة جزء ما داخل المنظومة سيؤثر سلبيًا على العمل ككل بلا شك. لذلك نظام “الشللية والمجاملات” المنتشر حاليًا يفسد الصناعة السينمائية أكثر من أي شيء آخر. فالسيناريو الجيد قد يفسده الأداء الخاطئ من الممثل، أو المخرج، أو المصوِّر أو الماكيير.. وهكذا. ومشكلة السينما حاليًا أن الإنتاج أصبح متحكمًا في كل شيء، بدءًا من اختيار السيناريو والممثلين والمخرج والفنيين، الأمر الذي يجعل بعض الأعمال يمكن تحديد نجاحها أو فشلها حتى قبل إنتاجها، بمجرد معرفة فريق العمل والمسؤولين عنه.

أذكر أن فنانة قالت إنها ندمت على المشاركة في فيلم ما لأنها شاركت فيه مع بعض الممثلين دون أن يقرأوا السيناريو، وأثناء التصوير اكتشفت أنه من أسوأ ما يكون ولكن اضطرت للاستمرار فيه نظرًا للتعاقد بينها وبين صنّاع العمل. فنانة أخرى تقول عن أحد مشاهد الإغراء التي قدمتها إنها صدمت عندما رأته أثناء العرض للخاص للفيلم في أحد المهرجانات، ولم تكن تتوقع أنها قدّمته بهذا الشكل المبالغ فيه. إذن الخطوة الأولى تعتمد على حسن اختيار فريق العمل ككل بما يتوائم مع العمل ومع الهدف المراد تحقيقه (وكلمة “كل” هنا بمعناها الحرفي).

أيضًا كلمة الهدف لا تعني الرسالة الفنية فقط كما يتوهم البعض، ولكن الأرباح ككل سواء على الصعيد الفني أو المادي، فينبغي أن تكون الأمور مدروسة منذ البداية؛ من أين نبدأ وإلى أين نصل في الفيلم، وما قيمته فنيًا وتسويقيًا وهل الغرض منه المهرجانات أم السوق، أم كليهما؟! ومن الجمهور المستهدف؟ لأن كل هذه الأشياء سيتقرر على أساسها أمور كثيرة بدءًا من اسم الفيلم مرورًا باختيار الأبطال وانتهاءً بتوقيت العرض نفسه.

2-جودة المحتوى

بالطبع كل الكلام السابق واللاحق في هذا الشأن سيصبح بلا قيمة إن لم يكن المحتوى الذي تنوي تقديمه يحمل قيمة مطلوبة فنيًا وجماهيريًا، وإلا ستصبح كمن يسوّق لـ”فنكوش” لا وجود له. وحتى القيمة المضافة لا تكفي وحدها، بل لا بد أن تكون متاحة لكل المشاهدين، حتى لا تصير مجهودًا بلا فائدة ودعاية مبالغ فيها. مثل ما حدث في فيلم “122” الذي تم تسويقه بأنه الفيلم الأول عربيًا بتكنولوجيا 4DX. هذه قيمة مضافة جيدة بالفعل، ولكن هل هي متاحة للجميع أم لا؟ للأسف هنا لم تكن متاحة، بل كانت التقنية متوفرة في 3 سينمات فقط داخل العاصمة، من بين أكثر من 60 دار عرض في مختلف أنحاء الجمهورية.

3- درجة المنافسة

أحد أهم العناصر التي ينبغي الالتفات لها عند تسويق الأفلام بل والشروع في تنفيذها منذ البداية، ما مدى المنافسة داخل السوق بالنسبة للعمل الخاص بك، وما التوقيت المناسب للعرض، وهل هناك من يقدم هذه النوعية التي تنفذها في الوقت الحالي، ما أفضل مستوى وصلنا إليه في هذه الفكرة أو هذا النوع لكي نبني على النجاح السابق للأخرين فنقدم ما هو أفضل.

مثال: عرض فيلم “122” بتقنية 4DX، وجودة المؤثرات البصرية والموسيقى التصويرية، يمثلون عناصر تميز للفيلم، لا يوجد لها منافس حاليًا في السوق، ومن يقدمها من بعدهم ينبغي أن يكون أفضل منهم، فيتم تطوير المؤثرات بشكل أفضل وإتاحة التقنية في أغلب دور العرض.. وهكذا يتم استغلال المنافسة والبدء من حيث انتهى نجاح الأخرين.. وإلا ستظل الأفضلية محسومة للتجربة الأولى.

فيلم 122 .. في يناير القادم

واخيرا فيلم 122 .. في ٢ يناير القادم في جميع دور العرض استعدوا لأقوى تجربة سينمائية عربيةومينشن صديقك الذي ستشاهد معه الفيلم!

Posted by 122 Movie on Saturday, November 17, 2018

4- التسويق

أهم شروط الإنتاج والتسويق الناجح أن تبدأ بالتفاعل مع الجمهور في وقت مبكر للغاية، بحيث تكون الخطط مجهزة منذ البداية لكيفية تسويق العمل وجذب الانتباه إليه، لأن حث الجمهور على التوجه إلى صالات العرض يحتاج إلى عملية تخطيط جيدة يضعها منتجون محترفون لتوزيع أفلامهم قبل إنتاجها، رغم أننا نجد الآن بعض المنتجين لا يخصصون ميزانيات لتوزيع أفلامهم أصلا.

أما الاعتماد على المهرجانات المصرية فلا يحقق الهدف الجماهيري المطلوب للأسف، لأن جمهور المهرجانات من المثقفين والمهتمين بالشأن السينمائي فقط، على عكس مهرجان “كان” الذي يؤثر في الترويج للأفلام بفضل التغطية الإعلامية العالمية التي يحظى بها.

5-مواقع التواصل الاجتماعي

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم أسباب انتشار أعمال فنية بعينها، وأضحى بعض صنّاع الأفلام يعتمدون عليها بشكل كبير في الدعاية، ومؤخرًا كان النصيب الأكبر لفيلم “122” الذي استخدم الدعاية عبر السوشيال ميديا بشكل كبير وجديد، له إيجابياته وسلبياته بالطبع، فخلال الأيام الأولى من عرض الفيلم شاهد أغلب المستخدمين الإعلانات الدعائية للفيلم عبر معظم الصفحات المشهورة، سواء الاجتماعية أو الفنية أو الكوميدية.

لكن التوازن هنا لم يكن في محله، حيث تم الترويج للفيلم بشكل مبالغ فيه، إذ رفع سقف توقعات المستخدم لما هو أكثر بكثير من ما هو في الفيلم أصلا، فبالتالي شعر المتلقي بالخداع عندما شاهد العمل على حقيقته، وحدثت صدمة تحولت لرد فعل عكسي تجاهه، لأنه بدلا من أن تجذب الجمهور لما هو جديد ومميز في عملك كالمؤثرات البصرية الجديدة مثلا، جعلتهم يركزون على خداع الدعاية ويحذرون من أنها أكبر بكثير من جودة العمل، لا سيما أن الفيلم به بعض الأخطاء بالفعل.. إذن ذكاء التسويق عبر السوشيال ميديا هنا أتى بنتائج عكسية لدى المشاهد، نتيجة لافتقاده عنصري التوازن والحيادية.

في النهاية، وحتى لا يحدث لبس أو مزايدات.. نحن نتحدث عن الأفلام الناجحة وليس أفلام الفئة الثانية أو ما يعرف بـ” B-movies”، والتي هي موجودة في كل الدول وليست مصرًا فحسب، فالظاهرة قديمة قدم السينما منذ نشأتها، بل وتفرع من تلك التقسيمة أفلام تصنف كـ” “C-Movies و” Z-Movies”. لذلك ليس من المنتظر أن تكون كل الأفلام من المستوى الأول، فهذا الأمر غير موجود في أي مكان، ولكن نتحدث عن أفلام الفئة الأولى التي نريدها أن تتصدر الساحة، لكي نتمكن من دخول مجال المنافسة على الأقل.

نرشح لك: فيلم 122.. ثلاثية التشويق والأخطاء واللامنطق

شاهد| مختلفة – طريفة – صادمة.. آراء المشاهير المثيرة للجدل