منى سلمان تكتب: ابن روزا

«صنعتني بيديها، كما صنعت مجدها بيديها».. يعترف إحسان عبد القدوس وهو يكتب عن والدته العظيمة، ورغم ذلك فإن وصفه بـ”ابن روزا” كاد يكون سببا في اعتزاله الصحافة، وهو ما زال يحبو على بلاطها! يمكنك بالطبع أن تتخيل الأمر في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كانت مناداة الشاب بوالدته تقليلا من شأنه وإهانة يمكنها أن تكون بداية لمعركة، ربما لم يختلف الأمر كثيرا بعد نحو قرن من الزمان. لذلك كانت سلاحا سهلا يلجأ إليه خصوم الصحيفة والصحفية العنيدة والصحفي الشاب الذي تعلًّم أن يسمع ذلك كثيرا.. “ابن روزا”.

لكن إحسان عبد القدوس كان أيضا ابن الشيخ رضوان وابن قاهرة العشرينيات والثلاثينيات التي هزتها ثورة 19 سياسيا وفكريا واجتماعيا، لكن ليس بالدرجة التي تكفي أن يقبل الشيخ رضوان لابنه محمد أن يظل زوجا للفنانة التي تهز المسارح والتي تزوجها متحديا العائلة، رغم أن الابن نفسه احترف التمثيل، لكن ذلك أمر آخر!

نرشح لك: محمد سلطان محمود يكتب: لقد كان عامًا مليئًا بالزيطة

لا أحد يعرف إن كان قرار تطليقه للست روزا كان نزولا على رغبة العائلة أم أن الأمر أنه كرجل شرقي تربى على أنه السيد كان يصعب عليه أن يكمل حياته مع امرأة بهذه الشخصية الصلبة التي مكنتها من تحدي مجتمع الصحافة والسياسة لتصبح صاحبة المشروع الصحفي الأبرز والأكثر تمردًا في وقت “لم يكن المجتمع يعترف فيه بالمرأة إلا جارية تضع على وجهها الحجاب” ليعيش إحسان في بيت جده المحافظ الذي لا يسمح لنساء عائلته بالخروج إلى الشرفة دون حجاب، أو لقاء الأغراب، وينتقل بين بيته وبيت أمه التي تتركه وتذهب للعمل فيتذمر فتهدئه: “بكرة لما تكبر ابقى اشتغل إنت وأنا أقعد في البيت” ليكون أول ما يفعله بعد حصوله على شهادته أن يذهب مبكرا إلى المجلة
ويجلس في مكتبها، لكنه لا يستطيع أن يتجاوز ظل روزا فيخرج إلى أخبار اليوم قبل أن يعود لأنه عرف أنه لن يخرج عن هذا الظل.

في حوار مع السيدة نيرمين القويسني ربيبة زوجته ومديرة مكتبه تحكي لي أنه في الوقت الذي كانت العائلات المحافظة فيه تمنع بناتها من قراءة روايات إحسان لأنها جريئة من وجهة نظرهم، كان إحسان يمنع نساء عائلته من ارتداء البنطلون أو الملابس عارية الأكتاف! وكانت “لولا” زوجته تختار له ملابسه ولو لم تخرجها كان يبقى في البيت.

ورغم أن رواياته كانت تدور في معظمها عن نساء قويات تمردن على المجتمع يمكنك أن تلاحظ ببساطة أنه عاقبهن بشكل ما في رواياته، سواء بنبذ المجتمع أو بالوحدة وفقدان الحبيب أو الضياع.

أقول: رغم الإعجاب الذي يكتب به إحسان عن والدته العظيمة التي لم يلتق بها أبدا “إلا وفي رأسها مشروع وبين يديها عمل” فإنه اختار الزوجة التي أخلص في حبها: (لولا) كما يناديها أو السيدة لواحظ زوجته كما لو كانت الأم التي كان يحلم بها طفلا، المرأة التي تجعل عملها الوحيد هو القيام على راحته وتربية أولاده.

كانت روزا ابنة ثورة 19 التي جعلت المرأة لأول مرة شريكة في العمل الوطني والمجال العام، اختبرت اليتم وعرفت أن تكون موضوعا للإعجاب كفنانة ثم صحفية ومناضلة واكتسبت صلابة تحدي المجتمع ومناطحة الساسة والكتَّاب.

أما إحسان فكان بشكل ما ابنًا لثورة أخرى شجعته على التمرد وألهبت صورة المرأة المتمردة خياله لكن شبح جده الشيخ رضوان كان دائما متربصا لها.

على كل حال أعتقد أن السيدة روزاليوسف تشاركنا الاحتفال من عليائها بمئوية “سونة” كما كانت تناديه وهي فخورة به وأنها تتبسم راضية كلما افتخر صحفي كبير وصاحب قلم حتى يومنا هذا بأنه “ابن روزا”.

شاهد: رقص فيفي عبده ليلة رأس السنة