عمرو قورة يكتب: في زمن الهوة الرقمية.. من سيتحكم في صناعة الإعلام؟

الهوة الرقمية وصناعة الترفيه
 
“الهوة الرقمية” تعبير معروف عالميًا، وبالإنجليزية يُسمى The Digital Divide، والمقصود به الهوة الساحقة التي تفصل بين من لهم القدرة على امتلاك أجهزة رقمية ولديهم القدرة على الدخول واستخدام الإنترنت، وبين من لا يملكون القدرة على التواصل الرقمي وليس لديهم خدمة إنترنت أو ممنوعين من استخدامها.
 
لكنني استخدمت العنوان أعلاه قاصدًا هوة مختلفة، وهي الهوة التي تفصل (غالبية) الشباب تحت ٣٥ سنة، ويمثلون ٧٠٪ من تعداد العالم، ومهارتهم في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وما بين الجيل الذي قضى طفولته وشبابه بدون وجود للإنترنت ولا حتى للتليفون المحمول، وبالتالي يجدون صعوبة في التعامل مع هذا العالم، ولو استخدموه فيكون استخدامًا محدودًا، بل ساذجًا، أقصاه بوست عميق على الفيسبوك أو صورة على الإنستجرام تظهر مدى سعادة صاحبة الصورة في تلك اللحظة التاريخية من حياتها في ذلك اليوم أو في تلك المناسبة.
 
الفكرة تبلورت في رأسي عن هذه الهوة السحيقة، بعد حوار مع ابني، الذي استثمرت في تعليمه ليكون مواطنًا عالميًا، مثقفًا مطلعًا، متمتعًا بمهارات التواصل والعمل في أي مكان في العالم، وقد نبهني إلى أنني بالرغم من تفوقي على معظم أهل أصدقاؤه في مجال التكنولوجيا، وإدراكي “المتوسط” لما يجري في العالم، ومع ذلك فهو يعتقد أنني استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة خاطئة، بل ساذجة، وأنني بمهاراتي كان يمكنني أن أتطور جدًا في استخدام وسائل التواصل لخدمة حياتي العملية والشخصية.
 
مما يقودني بطريقة ما إلى نفس المعنى في مجال المحتوى والترفيه والبث والفن والإعلام. فلا شك أن العالم يشهد تغيرات متسارعة في اتجاه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاتصالات، وبدأت شركات الميديا في مواكبة تلك التطورات وظهرت نتفليكس وآبل وأمازون وغيرهم من المنصات التي بدأت تؤثر على صناعة الميديا في العالم تأثيرًا كبيرًا، والمشكلة التي يواجهها المستقبليين Futurists، وهم مجموعة من الناس شغلهم الشاغل هو توقع حالة الاقتصاد والجيوبوليتيكا في العالم خلال الأعوام القادمة (وبيقبضوا فلوس كتير جدًا). المشكلة التي يواجهونها هي أن التطور التكنولوجي أسرع من قدرتهم على التوقع، فقد يظهر شيء جديد يقلب كل الموازين خلال كام شهر.. يعني العالم كله بيحاول يواكب التكنولوجيا وبينجحوا ويفشلوا بس لا يتوقفون عن التجربة.
 
وفي الجانب الآخر، هناك صناعة الفن والإعلام والترفيه التي عاشت قرنًا من الزمان تشهد تغييرات طفيفة، والعاملون والخبراء بها تشعر وأنهم في مجال الارتياح Comfort Zone لديهم، وتكاسلوا عن حتى متابعة ما يجري في العالم وكيف يتغير، ناهيك عن أي فعل إيجابي لمحاولة اللحاق بذلك القطار المنطلق بسرعة الصاروخ حول العالم، وواضح لأي شخص يعرف ما يجري في مجال صناعة وتوزيع المحتوى أن المستقبل على أقرب ناصية، والأسلوب القديم والطرق التقليدية لا مجال لاستمرارهم طويلا، ويجب تغيير طريقة الإدارة والتفكير والتخطيط والتسويق والاقتصاديات، بل لو فكرنا أبعد من هذا؛ تغيير تقديراتنا القديمة وخلق أسواق جديدة وخلق أنماط تناسب المواطن العالمي وليس المصري والعربي فقط.
 
وهنا نجد “العقدة اللي في المنشار”، فالقدرة على فهم وتشغيل والتعامل مع التكنولوجيا يتمتع بها جيل بأكمله، وحدثت محاولات عديدة في العالم والشرق الأوسط لخلق نوعية جديدة من الشركات، والتي تعمل على إنتاج وخلق المحتوى الرقمي من قبل شباب نابه، وجمعوا أموالا طائلة من المستثمرين ليكونوا روادًا في هذا المجال قبل غيرهم، ومع هذا لم نسمع عن أي نجاحات فائقة في هذا المجال ومن أي من هذه الشركات وأعتقد أنهم يُعيدون النظر في الموضوع بأكمله بعد خسائر كبيرة؛ والسبب الأساسي في ذلك الفشل في رأيي هو انعدام تام للخبرة في مجال إنتاج المحتوى نفسه، عايزين يسموه رقمي، عايزين يسموه ديجيتال كونتينت، هو في الآخر محتوى، وجيل التكنولوجيا للأسف لا يفهم صنعة خلق محتوى جيد.. إلا قليل.
 
وفي الجانب الآخر، الحرفيين والصنايعية الخبراء، والذين يملكون صفر من القدرة المماثلة لدى الشباب للتعامل مع التطور التكنولوجي المتسارع، ولكنهم خبراء في اختيار المواضيع وإنتاج وتسويق وتحقيق أرباح واضحة في مجالهم، ولكنهم فجأة وجدوا أنفسهم يتعاملون مع واقع جديد وسوق جديدة لا قواعد لها ولا أسلوب واضح للمحاسبة والتعامل المالي، وشباب شكلهم غريب وبيتكلموا بسرعة بكلام غير مفهوم، فلا يستطيعون التطبع والتغير بعد سنوات من العمل بالطريقة المعتادة، ومع الأستاذ فلان الفلاني في قناة كذا.
 
وبالتالي نحن في معضلة تمنعنا من المضي بخطوات أسرع نحو العالمية، وأعتقد أن الشخص أو الشركة اللي هيقدر يجمع ما بين خبرة شيوخ الصناعة، وابتكار وفطنة شباب الديجيتال، سيتحكم في سوق الفن والإعلام والترفيه والإعلان كمان.