أحمد عبد التواب: الإعلام المؤيد أكثر إيذاء!

قد يترتب على تصريحات بعض المسؤلين ردودُ أفعال سلبية، لأنهم يرفعون سقف الطموح ويوحون إلى الرأى العام أن الحال على خير ما يرام، وأن المشاكل ليست بهذا التعقيد، وأن كل شيئ قيد السيطرة، وأن الحلول قريبة بأكثر مما يظنون! وكثيراً ما تشارك وسائل الإعلام فى هذا الاستعراض الذى لم تتغير قواعده الأساسية منذ عصر مبارك، والحقيقة أن الداء من قبل مبارك، وكانت شعارات الثورة تدوى ضد رموز هذا الإعلام! وللأسف، فإن كل المشاركين فى هذه المسرحية لا يحسبون ما قد يؤدى إليه الإحباط العام فى حالة عدم تحقق الوعود التى تأخذ بالألباب.

تصلح مشكلة الكهرباء للإشارة إلى بعض أخطاء وأخطار هذه المدرسة الإعلامية على مهمة توصيل رسالة واضحة للرأى العام تتضمن المعلومات التى يوليها اهتماماً أصيلاً، خاصة بعد المعاناة التى عاشها المواطنون الصيف الماضى، لأنهم صاروا فى حيرة من أمرهم، بسبب ما تنشره الصحف ويبثه التليفزيون والإذاعة من تصريحات متضاربة تُنسَب لكبار المسؤولين، ثم لا يسعى الإعلاميون إلى تفسير التضارب، كما أنهم يميلون إلى الترويج لأكثر التصريحات تفاؤلاً وأكثر الوعود طموحاً حتى مما يَصعُب تصديقه بمجرد النظر!

وقد تجلّى ذلك على أوضح ما يكون، فى أعقاب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى، والذى لا خلاف بين المحايدين على أنه نجح نجاحاً كبيراً، وما كان هنالك داع للمزايدة والمبالغة فى آفاق النجاح، حتى بدا أحياناً وكأن قوة خارقة وراء هذه الخطوة وليس العمل الدءوب لمجموعة متخصصة مخلصة، وقيادة حريصة على إتمام هذا الإنجاز.

أعلن المؤتمر عن عقد اتفاقيات بمليارات الدولارات للاستثمار فى قطع الكهرباء، وكانت التعليقات الأولى تلتزم إلى حد كبير بالدقة، دون التورط فى الوعود البراقة التى تداعب أخيلة الجمهور الذى هو فى وضع يؤهله لتقبل المبالغة. قيل إن ثمار هذه الاتفاقيات سوف نقطفها بعد عامين، وقال آخرون ثلاثة أعوام! وبرغم أنه ما كان يليق أن يحدث خلاف فى مسائل قابلة للقياس الكمى ولحساب الزمن، إلا أنه لم يكن هناك خلاف على أن الثمار ليست فورية. ولكن يبدو أن البعض استحسنوا الحالة النفسية الجمعية للجمهور فراحوا يلقون تصريحات أخرى تعد بسرعة حل المشكلة، بل لقد تورط البعض فى كلام عن انتهاء المشكلة بالفعل، وأن الصيف القادم لن يشهد أى انقطاع للكهرباء، وهو ما تلقفه بعض الإعلاميين وراحوا يروجون للحلم الكاذب! مما جعل بعض الظرفاء والمستظرفين على الفيس بوك يتهكمون على هذا الكلام وهم يشيرون إلى أن انقطاع الكهرباء يحدث فى عزّ الشتاء حيث الاستهلاك أقل!

الوضع الآن أن هناك قطاعات كبيرة من المواطنين، وبسبب هذ الخطاب الإعلامى، لم يتعرضوا إلا لهذا الكلام الحالم، وأن الحالة النفسية لهؤلاء صار يصعب عليها أن تعيش تجربة العام الماضى مرة أخرى! ماذا ستكون عليه ردود أفعالهم؟

المشكلة أن هناك مدرسة من الإعلاميين يؤيدون بالقصور الذاتى الحكم، أى حكم، وقد يكون هناك من ينتمون إلى هذه المدرسة فى كل مكان وزمان، إلا أنها عندنا ظاهرة جرى تخليق الرعيل الأول منها فى حضن بداية التليفزيون الذى ولد فى مناخ إعلامى خاضع للدولة، ومع تأميم الصحافة، ثم كان هؤلاء قدوة لأجيال تالية، لم يعرفوا إلا أن يكونوا كورال فى مدرسة التاييد!

وهم لا يدارون تأييدهم للحاكم ما دام مستقراً على كرسيه، حتى يأتى حاكم آخر، فينقلون عطاءهم إلى الحاكم الجديد، ويسيرون على الكتالوج الخاص بهم، سابق التجهيز، ويعلنون تأييدهم لكل مشروع يطرحه بل لكل كلمة ينطق بها.

ولكن، المفترض فى الإعلام أنه ينقل الأخبار إلى الجمهور، بالتركيز على الجانب المعلوماتى، مع إتاحة خلفيات هذه الأخبار، ثم متابعة تطوراتها بفنون وأشكال مهنية مختلفة، والتعليق عليها بالرأى، مع مراعاة التوازن فى عرض الآراء المختلفة.

فأين الصوت العاقل الذى بدأ فى أول الأمر يتحدث عن التغلب على الأزمة على مراحل، ويناشد الجمهور بالصبر حتى نصل إلى الحل المأمول، والمحسوب أيضاَ؟

كما تبدد فى هذا الصخب من المؤيدين، صوت عاقل آخر كان يجيب على تساؤلات مشروعة عن أن مشكلة الكهرباء جديدة فى ظن البعض، حتى أن بعضهم توهم أن هناك مؤامرة كونية ضد مصر! ولكن الإعلام لم يُتح الفرصة الكافية لمن توقع الأزمة منذ بداية التسعينيات، أى قبل أن تهل بربع القرن؟

لاحظ أن كثيراً من هؤلاء الإعلاميين كانوا يتجاهلون هذا الكلام وقائله عندما كانوا يشيدون بعبقرية مبارك فى مشروعات البنية التحتية! ثم تبين بعد ذلك أنه كان هناك من توصل إلى أكذوبة البنية التحتية، ورأى الأزمة قادمة قبل حدوثها بربع القرن.

كما لم يعط هذا الإعلام الفرصة الكافية لمن لديهم علم، وخبرة وخطط، فى كيفية مشاركة عموم المواطنين فى انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام أسطح المنازل بعد إزالة الكراكيب، التى هى فولكلور مصرى ملوِّث للبيئة ومشوِّه للجمال! فيصبح بإمكان كل بيت انتاج احتياجاته الأساسية، أو بعضها، وكذلك أصحاب المشروعات الصغيرة والفلاحين محدودى الملكية، ناهيك عن أصحاب البيزنس الكبير فى الصناعة والزراعة.

والخلاصة، أنه مطلوب من الحكومة أن لا تتوسع فى وصف الأخبار بالسرية، وأن تعمل على توفير المعلومات الكافية، وعرضها فى نشرات أو مؤتمرات صحفية.

ولعل أهم الواجبات المنوط بالحكومة الاهتمام بها حرصاً على صورتها أمام الرأى العام، وتفادياً للتبعات السلبية، فهو متابعة اجتهادات هؤلاء الإعلاميين وتصويب الأخطاء، خاصة منها ما يُراد به مجاملة الحكومة!!

نقلًا عن موقع “التحرير”

اقرأ أيضًا:

عكاشة يفكر في الهجرة

8 فروق فاصلة بين الناس “زمان” والناس “الآن”

150 الف جنيه أجر الضيفة ريهام سعيد

مذيعة لبنانية تنهار من الضحك في نشرة الأخبار‬‎

 شريف مدكور: أنا خنفس

طوني خليفة: آراء ليلى علوي غير مفيدة

غزال.. أحدث راقصات برنامج تامر أمين‎

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا