محمد مصطفى أبو شامة يكتب: الشذوذ الجنسي في الشرق الأوسط

اجتمَعَتْ بشكل مريب هذه القصص الثلاث (اجتماعًا وليس جماعًا) في غرفة الأخبار قبل أيام قليلة، لتوحي إلى عُشّاق نظرية المؤامرة باحتمالية وجود رابط سري بين مرضى «المثلية الجنسية» أو ما اصطلح على تسميته علميًّا بـ«البارافيليا» Paraphilia أو من نُطلِق عليهم الشواذّ جنسيًّا.

فلقد أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية في جبل لبنان قبل أيام حكمًا ببراءة تسعةِ أشخاصٍ مثليين، حيث طالب القاضي بـ«بإبطال التعقبات» بحقِّهم، نظرًا لأنَّ «الأفعال المُدَّعى بها تشكِّل ممارسةً لحقوقهم الأساسية دون تجاوز».

بينما تمكَّنَتْ مباحث الآداب بمديرية أمن البحر الأحمر في مصر، من إلقاء القبض على شابَّيْن في العقد الثالث من العمر شهرتهما «برديس» و«سندريلا»، لقيامهما بتحريض الشباب على الفجور وعَرْض نفسيهما لممارسةِ الشذوذ الجنسيِّ معهما في الغردقة، بمقابلٍ ماديٍّ (150 جنيه).

أما في إسرائيل، فلقد نظم ناشطون بارزون في المجتمع المثلي الإسرائيلي مسيرةِ غضبٍ في تل أبيب، وأعلنوا اعتزامهم تنظيم إضراب شامل في أعقاب رفض الكنيست شملهم في حق تأجير الرحم لإنجاب الأطفال.

وعن التناقض بين أحوال «برديس» و«سندريلا» وأقرانهما في دول شرق أوسطية مجاورة توقفت كثيرًا متأملًا فوارقَ جوهريةً ليسَتْ فقط على مستوى الحقوق والحريات الشخصية، لكن أيضًا على مستوى الرقي والتدني في التعامل مع قضية «حَسَّاسة» وعلى قدر كبير من التعقيد في مجتمعات (شِئْنا أم أبينا) ذات جذور دينية متشعبة وممتدة عبر تاريخها، ومشتبكة بشكل مستمر ومتواصل مع العقلية الثقافية المستنيرة لشعوب هذه البلدان.

وإذا كان الحكم القضائي اللبناني قد رَسَّخَ قاعدة قانونية تؤكِّد على أن «المثلية ليست جرمًا»، في بلدٍ يُعْتَبَر أكثر تساهلًا مع المثليين مقارنةً بدول عربية أخرى، كما وصفها تقرير بثته وكالة الصحافة الفرنسية، فإنَّ الوضع المصري يبدو «رخيصًا» في سعره وفي تعامُلِه مع هذا الفكر الشاذ الذي تجاوز مرحلة «الرينبو» الفكري إلى منطقة «البزنس» و«السبوبة».

ورغْمَ أوجُهِ الاختلاف الكثيرة والكبيرة بين البلدين (مصر ولبنان) فإن مصير برديس وسندريلا المصريين، لن يختلف جنائيًّا إذا تاجرا بشذوذهما في لبنان وتربَّحا منه، حيث أن المشرِّع اللبناني في حكمه القضائي، ورغم مطالبته بتفسير المادة الخاصة بالعلاقات الجنسية من قانون العقوبات بما «يتلاءم مع التطور الاجتماعي»، أشار إلى أن القانون «لا يستهدف معاقبةَ الشذوذ إنما التعرُّض للآدابِ العامة»، موضحًا أن ما يشكل تعرضًا للآداب العامة هو العلاقة «متى حصلت على مرأى من الغير أو مَسْمَعِه أو في مكان عام أو متى تناوَلَتْ قاصرًا»، وهو ما ينطبق مع الشابين المصريين اللذين يعملان في السياحة؛ أحدهما من المنصورة والآخر «منوفي»، وذلك بحسب وسائل الإعلام المصرية.

أما في حالِ وجود «برديس» و«سندريلا» في إسرائيل، فأظن أنهما قد لا يُضطران إلى التربح من شذوذهما، لأنهما سينشغلانِ بالمشاركةِ في مُعَارَضَة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل والتظاهر ضدَّه أيضًا، لحنثه بوعده في دعم المجتمع «المثلي» ليحصل على حقه في تأجير الأرحام، وفق التعديل الذي أعده نائب الكنيست (المثلي) عن حزب الليكود، والذي استهدف تشجيع المثليين على تكوين أسرة سعيدة.

ورغم إشارات لا يمكن تأكيدها عن تاريخ «المثلية الجنسية» في الشرق الأوسط، وظهورها في رسومات على جدران المعابد المصرية القديمة، فإن حقوق المثليين في المِنطقة تبقى قضيةً شائكةً وحقلَ ألغامٍ لمن يُحاوِل مناقشتَها بشكلٍ علميٍّ جادّ، أو حتى السخرية منها، فما بالنا وقد تورطتُ في الكتابة عنها؟!

حفظنا الله وإياكم من «التنمر» و«المتنمرين».

نرشح لك: محمد مصطفى أبو شامة يكتب: القضاء المصري يحظر الـ”رينبو” الفكري