جمال جبران يكتب: يوميات مواطن مصري في بيروت

(1)

كنت في طريقي لشارع الحمرا لمقابلة أصدقاء من مصر. أوقفت تاكسي، مع أن المسافة يمكن أن يروحها الواحد مشيًا على الأقدام، لكن خشيت من تأخري عليهم.

وفي التاكسي مشي الكلام بين السائق وبيني. تكّلمنا عن أحوال البلد والإضراب الخاص بعمّال النقل العام.. تحدّثت معه كأي مواطن لبناني يعرف مشاكل البلد وأهلها؛ عن تأخر التشكيل الحكومي، وعن حفلة جوليا بطرس في مدينة صور والأضرار الرهيبة التي لحقت بالمكان الأثري الذي صارت الحفلة فيه.

لكن في لحظة التفت السائق ناحيتي بعد أن أطفأ سيجارته وقال: “إنت مش لبناني على فكرة، إنت مصري!”

(2)

أجمل حاجة تقابلني لمّا واحد -في مطعم أو حانة أو في تاكسي- لمّا يسمع نبرة صوتي يقولي: الأخ مصري!  -بيقولها بنبرة مصرية– وده شيء بيبهج قلبي إلى درجة مش معقولة. أرد عليه بلطف: أنا من اليمن الشقيق، بس كنت أتمنى أكون مصريًا. وأضيف لهم: الجنسية على فكرة مش بجواز السفر، الجنسية بزمرة الدم، وأنا فصيلة دمي مصرية.. يضحك الشخص الذي يحكي معي ويقول: مصر حلوة بجد.. يقولها أيضًا بتلك النبرة المصرية الحقيقية ذاتها.

اقتنص – مازحًا – الفرصة وأسأله : إنت مصري!  يقولي: لا.. ويضحك، ونضحك سويًا، على الرغم من كونه من جنسية أُخرى.. هي هذه مِصر، التي تجمع الناس في أي مكان.

وتسير العربة بهدوء إلى شارع الحمرا.

نرشح لك : محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. “بلد الدم والنار” وحكاية “زعيم الفلول”!!

(3)

ووصلت الموعد في وقته، لقيت قدّامي ثلاثة من مصر حتّة واحدة.. واحد من المنصورة وواحد من أسوان والثالث من القاهرة، هو ليس منها لكنه من مواليدها.

لكن صاحب المنصورة  طلع أهلاوي.. بعد كلام طويل وحلو في كل شيء عن مصر ، طلع أهلاوي. قلت له: “مش معقول بعد كل هذا اليوم الجميل والحلو يطلع لي واحد أهلاوي!” قلتها مازحًا وأنا الزملكاوي العتيد، وضحكنا حتى سمع روّاد المقهى ضحكتنا.

وبعد ساعة طلبت الإذن منهم من أجل ذهابي لمكتبة شهيرة في وسط الحمرا تأتي بأغلب الجرائد والمجلات المصرية.. كنت عايز آخذ جريدة “أخبار الأدب” التي يحجزها لي كل أسبوع.. وأخذتها ورجعت إليهم.

أحد الثلاثة قال لي حين رأى الجريدة: “لأه، ده إنت مصري بجد”. وضحكنا مجددًا.. كنت أحتاج لدقائق حتى تعود الجريدة إليّ ، وهي تتناقل بين الأيدي. كنت أحتاج لتلك الدقائق كي أرى أن اسمي مكتوب على غلاف الجريدة.. “جمال جبران يكتب عن “خريف المجلات الثقافية في بيروت”. أعدتها إليهم وقلت: “أنا مصري أكثر منكم “. وصارت ضحكات أكثر من السابقة.

(4)

كان يومًا مصريًا جميلًا في بيروت، وفي الطريق إلى البيت تذكّرت صلاح عبد الصبور ومش عارف ليه، طلعت قصيدته في رأسي وأنا أحفظها في كل قلبي من أيام الجامعة.. ” يا صاحبي، إني حزين/ طلع الصباح، فما ابتسمت، ولم ينر وجهي الصباح/ وخرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح/ وغمست في ماء القناعة خبز ايامي الكفاف/ ورجعت بعد الظهر في جيبي قروش/ فشربت شايًا في الطريق/ورتقت نعلي/ ولعبت بالنرد الموزع بين كفي والصديق/ قل ساعة أو ساعتين/ قل عشرة أو عشرتين/ وضحكت من أسطورة حمقاء رددها الصديق/وأتى المساء/في غرفتي دلف المساء/والحزن يولد في المساء لأنه حزن ضرير”.

(5)

لا بد من مِصر ولو طال السفر.