"حدث في برلين".. كيف أعاد هشام الخشن قراءة التاريخ بشكل مغاير؟

إسلام وهبان

كثير من الجرائم الإنسانية ترتكب تحت ستار “الولاء” إما لحاكم أو عرق أو مذهب أو قضية ما، وكثير من الضحايا هم في الأصل مجرمون ينتظرون الفرصة، هكذا علمتنا الأيام “أن التاريخ يكتبه المنتصر وحده، وأن كل الضحايا بمرور الوقت يتحولون فقط لمجرد أرقام”، وهو ما حاول الروائي هشام الخشن، من خلال روايته “حدث في برلين”، الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، للتذكير بكل الضحايا الذين ذهبوا في طي النسيان، متسائلا “لماذا ترضى كثير من الشعوب أن يحكمها مجانين؟!”.

تدور أحداث الرواية في الفترة ما بين نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، وتتناول واحدة من الجرائم التي لم يسلط عليها الضوء بالقدر الكافي، وهي معاناة فلول النازيين بعد انهيار ألمانيا وهزيمة “هتلر”، وملاحقة اليهود لهم، وهروب النازيين إلى أماكن شتى حول العالم من بينها مصر، خوفا من اغتيال اليهود لهم أو محاكمتهم بشكل غير عادل، عقابا على جرائم “الفوهرر” بحقهم، المعروفة بالهولوكوست، فها هي “ليليان” النازية تهرب من بلد لآخر خوفا من معاقبة اليهود لها، بل وتفقد عائلتها بواسطة أطراف اجتمعوا على أن يلعبوا دورا وطنيا بطريقة خاطئة فتحولوا لمجرمين.

نرشح لك: صدور “حدث في برلين” للروائي هشام الخشن

التاريخ والجغرافيا بصورة غير تقليدية

حاول “الخشن” من خلال روايته الغوص في التاريخ لكن بأسلوب شيق، فاهتم بتفاصيل انهيار ألمانيا وانقسامها إلى شرقية وغربية، وتمكن من أن يقدم للقارئ الكثير من المعلومات التاريخية بشكل شيق، ليتغلب على عقدة قراءة التاريخ، سافر بالقارئ عبر عدة دول حول العالم، فسار به في شوارع برلين وجبال سويسرا ودلف معه أزقة إيطاليا ومباني الإسكندرية واستضافه بمطاعم المعادي القديمة برونقها وهدوء جاردن سيتي وجاذبيتها، وطار به إلى تشيلي حيث الهدوء والطبيعة الخلابة. كل هذا دون أن تتململ من كثرة الترحال أو تشعر بالضجر من المعلومات التاريخية التي تضمها الرواية.

القارئ العادي أولى أم النخبة؟

كثير من الكتاب يحاولون استعراض مهاراتهم اللغوية وبراعتهم الأدبية أمام القراء واضعين نصب أعينهم مقالات النقاد وآراء النخبة، في حين يرى البعض الآخر أن الوصول لأكبر شريحة ممكنة من القراء وتصدر قوائم البيست سيلرز هو شغلهم الشاعل، حتى ولو كان ذلك على حساب اللغة أو الأسلوب الأدبي، لكن في رواية “حدث في برلين” مزج “الخشن” بين الأسلوب الأدبي المتميز واللغة البسيطة، فلم يتباهى بتراكيب لغوية أو مفردات صعبة يلجأ القارئ للمعاجم لفك طلاسمها، ولم يفرط في البساطة حد الاستسهال أو الكتابة بأسلوب ضحل، بل مزج بشكل جيد بين الواقع والخيال، وجعل الأحداث والشخصيات هي الأبرز، وطرح فلسفته الخاصة من دون عبارات رنانة أو الحديث من برج عال.

الاهتمام بالتفاصيل

تأتي “حدث في برلين” فيما يزيد عن 230 صفحة، حاول فيها الكاتب -رغم تناوله للعديد من الأحداث التاريخية ووقوعها في فترات زمنية مختلفة- أن يهتم بأدق التفاصيل، عادات المجتمع وطباعه، التغيرات السياسية التي حدثت خلال السنوات التي دارت فيها أحداث الرواية، كذلك أسماء الشخصيات والألقاب التي اشتهرت في هذه الحقبة الزمنية، وأيضا التسلسل المنطقي للأحداث، فلم يدع للقارئ فريسة للحيرة أو التشتت أو التعجب أمام بعض التفاصيل، ذلك دون أن يخل بجانب التشويق وبث الكثير من الرسائل بين السطور.

“حدث في برلين” رواية ممتعة تفتح الباب لمن يملون من كتب التاريخ للتعرف عليه بشكل مغاير، وحاول فيها الكاتب من خلال أنين الكمان التاريخي أن يفضح كثير من الجرائم التي ارتكبها البشر بحق البشر، وأن يعبر عن صرخات وآلام كثير من الضحايا الذين غفل عنهم الزمن أو تعمد عن قصد أن ينساهم.، ويكشف الستار عن “ضحايا يتحينون الفرصة ليصبحوا جلادين”..