إيمان مندور تكتب: عن "القديم" محمود سعد

كنت قد تجاوزت العاشرة من عمري بأشهر قليلة حينما بدأت أتابع الإعلامي محمود سعد لأول مرة في حياتي من خلال برنامج “البيت بيتك“. في الحقيقة لم أكن أفهم أي مما يدور في حواراته؛ فقد كنت ألهو أو أذاكر أو أفعل أي شيء ولا أنتبه لما يدور في الحلقات، ولو كنت انتبهت لما فهمت شيئًا، لكن عندما أتلفَّت للشاشة أجده كالعادة مبتسمًا، ولا أذكر من البرنامج في هذه الفترة سوى ابتسامته.

في المرحلة الإعدادية تابعته بانتظام وصارت حلقاته في البرنامج يومي السبت والأربعاء أشبه بعمل مقدس في حياتي، أنتهي من مذاكرتي ومن أي شيء أفعله مبكرًا حتى أتفرغ لمشاهدة محمود سعد. وللأمانة لم أكن أتابع من البرنامج في باقي أيام الأسبوع سوى المقدمة الإخبارية، وإذا كان تامر أمين يقدمها منفردًا أتجاهله أو أشاهده على مضض من أجل متابعة الأحداث فقط، فلم أتقبّل وجوده على الشاشة قط، وكذلك أمي، كانت تقول لي: “تامر ده شايف نفسه، إنما محمود تحسيه طيب وغلبان كده مش متكبر”.

نرشح لك : كيف تحولت ظاهرة رضا عبد العال إلى أسلوب حياة؟

كان يدهشني -كطفلة ثم فتاة مراهقة وقتها- أن أغلب الحوارات الأولى التي أشاهدها للمشاهير من كبار رجال السياسة والفن والدين والرياضة…إلخ، من لقاءاتهم معه، فكان مرتبطًا بالانطباعات الأولى لدّي عن كل هؤلاء، والتي كان يُجيد خلالها استخراج أفضل ما في ضيوفه، فمثلا لقاؤه الأسبوعي مع الشيخ خالد الجندي في الفقرة الأخيرة من حلقة الأربعاء، لا يزال مؤثرًا في موقفي من “الجندي” حتى الآن، رغم أني توقفت عن متابعته لأسباب كثيرة، لكن لا أستطيع أن أنكر دور هذا اللقاء الأسبوعي في ارتباطي بالدين وانتظامي في الصلاة منذ سن صغيرة، لدرجة أني كنت أؤخر صلاة العشاء أحيانًا لما بعد انتهاء الحلقة، حتى أجبر نفسي على انتظار الفقرة ثم متابعتها حتى النهاية، رغم رغبتي الشديدة في النوم حتى أستيقط مبكرًا للدراسة.

ومن “البيت بيتك” لـ”مصر النهاردة” لم يتغير محمود، لكن وقعت ثورة يناير وانبهر الجميع بالثوار وبالأحداث السياسية، وأنا أولهم، فتغيّرت مواقفي تمامًا من الجميع، إلا مع محمود سعد؛ مجرد انخفاض في درجة انبهاري به. ومع توالي الأحداث واختلاف آرائي معه أحيانًا كثيرة واتفاقها في أحيان أخرى، ومع الوصول للمرحلة التي وصل إليها الشعب بأكمله خلال فترة ما بأنه “كفاية سياسة.. زهقنا منها”، توقفت عن متابعته وعن متابعة برامج التوك شو عمومًا، إلى أن عدت لمشاهدتها مرة أخرى عندما التحقت بالعمل الصحفي من أجل دعوة أمي “بإنها تشوفني زي محمود سعد”، لكنه كان قد اعتزل العمل الإعلامي، ولم يتسن لي مشاهدته من جديد.

وعلى مدار العامين الماضيين كنت كلما بحثت عن شخصية من المشاهير لكي أكتب عنها أجد لأغلبهم حوارات معه، من كبار الشخصيات للوجوه الجديدة في الغناء والتمثيل للمواطنين العاديين، وكأنه لم يترك أحدًا كي لا يختفي من الأرشيف الإعلامي، إلى أن عاد مرة أخرى بـ”باب الخلق“.

اللطيف أن لديه قدرة فائقة على تحويل كل الحوارات واللقاءات إلى “دردشة” حتى لو كانت مع شخصيات سياسية، فضلًا عن استرجاع ذكريات الزمن الجميل.

وفي الحقيقة محمود نفسه قديم، والصفة هنا ليست عيبًا أو ترميز لسِنه بل مدحٌ فيه؛ ولتوضيح المعنى أكثر فهو أشبه بـ”جَدّي” الذي لا تخل أحاديثه من الذكريات أيا كان الموضوع الذي نتحدث فيه وأيا كان سن المُتحَدَّث معه.

ولأن كثير من المشاهير يختلفون تمامًا في الكواليس عن ما يظهرونه على الشاشات، ولأني صدمت بما علمته عن العديد منهم، فتحولوا بالنسبة لي من نجوم إلى لا شيء، لم أسأل عن شخصية محمود سعد الحقيقية، ولم أسع لمقابلته في الواقع، حتى لا يُخالف ظنوني ويذهب تقديري له، وقد يكون أفضل من ذلك، لأني سمعت إشادات كبيرة عنه مصادفة ممن تعاملوا معه، لكن الحَذَرَ أولى.

مع مرور الوقت لم أعد منبهرة بمحمود سعد ولا بغيره، بل أحترمه، وأجده أكثر شخص يمكنني الاختلاف معه دون أن أكرهه، ويسعدني تواجده على الساحة الإعلامية الآن، حتى لو لم يكن بكامل حريته كما عهدته سابقًا.

ورغم فارق العمر الكبير بيننا والذي يتجاوز الأربعين عامًا؛ سيظل جزء مهم من طفولتي وصباي مرتبطا به وببرامجه وحواراته لسببين؛ الأول تأثيره غير المباشر في حبي لمجال الصحافة والإعلام، والثاني دعوة أمي التي أتمنى أن تكون قد صادفت ساعة إجابة و”تشوفني زيه”.