مينا فريد يكتب: بين السما والأرض (4).. حكاية الإعلانات في مصر

في المقالات اللي فاتت بدأنا الحكايات عن الطبقة المتوسطة الاستهلاكية، وما ينفعش نتكلم عن ده من غير ما نحكي عن القوة الإعلانية اللي هي بدون شك بنزين الاستهلاك.

الإعلانات في مصر قديمة قدم الصورة نفسها، يعني لو مثلا بصيت في الماضي هتلاقي إن أم كلثوم عملت إعلان لعطر، وفاتن حمامة عملت إعلان صابون وكمان إعلان سجاير، وهند رستم عملت إعلان كوكاكولا، إسماعيل يس، هدى سلطان، صباح، شادية… كتير جدا الحقيقة، ده غير الفويس أوفر لفنان وقور زي حسين صدقي.

نرشح لك: مينا فريد يكتب: بين السما والأرض (1)

الإعلانات كانت بسيطة في لغتها وصيغتها وشكلها و هدفها ما بتحاولش ترسّخ لطبقية ولا تمييز بشكل فج زي دلوقتي بس برضه بتشجع على الاستهلاك، كانت شبه المرحلة الناصرية، ولما حصل الانفتاح بدأ الإعلان يتغيّر بما يتناسب مع الوضع الجديد..

الإعلانات كمان كان ليها دور وطني واجتماعي.. و ده لسّه مكمل، محدش ينسى إعلانات الوقاية من البلهارسيا، ومحلول الجفاف، وتنظيم الأسرة… بس ده مش موضوعنا.

الحقيقة إن الإعلانات في مصر ماكنتش واخده الطابع الأمريكاني الحرّاق لحد ما جه الراجل اللي قلب الدنيا، واللي ممكن نطلق عليه وزير الدعاية، وهحكيلكم دلوقتي قصته..

في أوائل السبعينات سافر شاب طموح لأمريكا يدرس تصوير، رجع مصر اشتغل في وكالة الأهرام للإعلان وتقريبا مع نهاية السبعينات بدأ يشتغل لوحده، ومع الانفتاح بقى عنده أول وكالة إعلانية خاصة في مصر، كان اسمها “أمريكانا” –واضح التأثر الكبير- قبل ما تبقى فيه وكالة جديدة على اسمه.

بدأت بإعلانات بعدين برامج (منها اللي أثار جدل كبير)، بعدين حملات دعائية سياسية حتى وصلنا لقناة تليفزيونية.. طبعا بنتكلم عن طارق نور.

ليه صوت مميز في الإعلانات مثلا لو سمعت “تعاطفك لوحده مش كفاية”.. “اتبرع ولو بجنيه”.. “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة” هتسمعها بدون ما تشعر بصوته.

منتجات كتيرة كانت حملاته الإعلانية سبب أساسي لنجاحها زي فيبكس، والأورمان ، وأمريكانا (عربية 100 %)، وجهينة، والبنك الأهلي، وجيرسي، وكونو، وقبنوري، وتاتس، ودريم لاند، واميجو ، وموبينيل… و غيرها كتير.
.. المهم إن طارق نور بشهادة الكل هو المدرسة وهو عامل رئيسي بشكل أو بآخر في تحول المجتمع لما هو عليه الآن

نرشح لك: ميزانية 3 إعلانات في رمضان 2018.. أبرزها اتصالات

إزاي بيسوّق صانع الإعلان للمنتج؟

ما ينفعش تتحصر في مقال دي يتكتبت فيها كتب ورسايل دكتوراه. بس الحقيقة إن فيه طريقة بسيطة وسهلة وشهيرة مفيش وكالة معملتهاش، البنات الحلوة (اللي بتشد العين) , مع غنوة بإيقاع مميز (بتشد السمع) , وبترقص (مشيها برضه بتشد العين)، مع التكرار بتلاقيك لا إراديا منجذب للمنتج ده، من أيام (بستك بستك بستك ناو ) لحد (هالله هالله ع الفانلة).

وطريقة تانية بسيطة برضه هي الإنسان المثالي .. لو حطيت مزيل العرق ده .. البنت هتلزق فيك ف المترو .. لو حطيت الجيل ده .. هتثبّت أي حد … لو حطيتي الكريم ده .. هتتحبي .. لو جبت الكوتشي اللي بينور .. هتبقى مميز … الموضوع بسيط و سهل و ساذج بس مع التكرار و مع الفويس أوفر ( صوت التعليق) المميز بتلاقيك فعلا في السوبر ماركت إتأثرت .. و إشتريت المنتج ده من غير ماتحس بسبب إن عقلك الباطن بقت متطبعة فيه الحملة الدعائية…

وعكس الطريقة اللي فاتت بقى فيه الطريقة التحذيرية (لو ما تستخدمتش المنتج الفلاني.. هتبقى منبوذ)، و هكذا…

أنت مميّز عشان بتستهلك منتج ما بيقولوا عنه دايما وبشكل مكثف إنه بيخليك مميز، المنتج ده ممكن يبقى أكل، شرب، لبس، سكن، خدمة إلكترونية… مش مهم.

لما بتشوف صاحبك فلان أو فلانه بتستخدم المنتج الفلاني اللي بيعلن عنه بياخد عينك، بتتغيّر رؤيتك للأشخاص ولنفسك حسب القدرة الاستهلاكية، المبيعات بتزيد، والدعاية كمان بتزيد عشان المبيعات تزيد أكتر. وأسعار المنتجات اللي ليها اسم منتشر تعلى…

كل ثانية زيادة في الإعلان، كل صورة بتيجي عليها عينك في جرنال أو شارع، كل ممثل بتحبه بتشوفه مبتسم ماسك المنتج، أنت اللي بتدفع تمنها مع كل حاجة بتشتريها.

تصرف فلوس أكتر، هتلاقي نفسك محتاج أكتر.. بتجيب حاجات اللي حواليك بيجيبوها وانت حاسس نفسك أقل من غير ما تجيبها.. أنت لازم ترفع مستوى معيشتك.. هتشتغل أكتر وبرضه هتصرف أكتر.. إمكانياتك مش متوافقة مع تطلعاتك.. فيه حل بسيط اسمه كريديت كارد أو تقسيط مريح.. تتوسع أكتر وأكتر وتتضغط أكتر وأكتر.. الضغط بيزيد، ومسجات الموبايل اللي بتنبهك للأقساط بتزيد، والإعلانات بتبقى أذكى وأحسن يوم بعد يوم، وأنت بتدور في الساقية…

مبروك.. بقيت زميل في نادي القتال/ الكريديت/ الأقساط…

افتكرت مثل كانت دايما بتقوله جدتي: “على قد لحافك.. غطي هالله هالله ع الفانلة”..

للتواصل مع الكاتب