فاطمة خير: 9 إبريل والجزيرة وبغداد

كان يوم التاسع من إبريل، العام 2003، أجلس فى مكتبى بجريدة الأهالى، متحمسة للتحضير لعدد جديد مع زملائى، فى الوقت الذى تتصاعد فيه الأحداث فى العراق، دخل زميلى عبد الستار حتيتة المكتب صارخاً بأن القوات الأمريكية دخلت بغداد، نزلت من مكتبى مذعورة لأجد أستاذتى أمينة النقاش فى مكتبها وعينيها تدمع وهى تستمع إلى BBC ، سألتها بصعوبة : إذن الخبر صحيح؟ أشارت برأسها أن نعم.

جمعت متعلقاتى وعدت فوراً إلى بيتى، لا أذكر من معالم الطريق شيئاً، لا أذكر أصلاً إن كنت قد غادرت مبكراً،وصلت منزلى بالكاد، كنت وقتها أحمل ابنتى لارا فى أحشائى، فى الشهر السابع بالتحديد، وبدأت متاعب الشهور الأخيرة للحمل، التى لم أكن أشعر بها خلال الفترة السابقة لحماسي فى تغطية ملف الحرب ،كغيرى من زملائى ، وكنت لا أزال حديثة العهد بوجود “الدش” فى بيتى، اشتريته قبلها بشهر ،قبل اندلاع الأحداث بأيام ،ولم تكن ثمة قنوات كثيرة وقتها، وبالنسبة للأخبار كانت “الجزيرة” هى قمة الهرم الإعلامى.

أذكر جيداً تفاصيل دخولى المنزلى، كنت أضع جهاز التليفزيون فى غرفة نومى، فتحت التليفزيون بلهفة أتمنى أن تكذب الشاشة ما سمعت، الريموت على تردد الجزيرة ، المشهد الذى ظل عالقاً فى ذهنى منذ حينها : الدبابات الأمريكية تدهس شوارع بغداد.

لم أكن أعرف أن الشعور الذى داهمنى وقتها، كان “الضغط العالى” ،لأنى لم أكن خبيرة فيه، لكننى أذكر أننى خمنت ذلك، ويبدو أننى أجريت اتصالاً بشخص وسألته عن الأعراض، ولأننى لم يكن مسموحاً لى بتناول الأدوية، فقد صنعت “شفشق” كبير من “الكركديه” البارد، ووضعته بجانبى وشربت قدر استطاعتى فى محاولة للسيطرة على ارتفاع الضغط ، ولأننى دخلت فى نوبة بكاء استمرت بعدها لساعات، فقد سقطت فى نعاس لم يكن عميقاً بما فيه الكفاية،لينسينى ما حدث، كنت أصحو وأقنع نفسى بأن ما مر كان كابوساً، لكن التليفزيون يكذبنى ، فأشرب مزيداً من الكركديه، وأعود للنعاس، ثم أصحو ،وأشاهد إسقاط تمثال صدام حسين على الهواء فى تأكيد على حسم المعركة،وأنعس لأصحو مجدداً وأتأكد بأن الدبابات الأمريكية تنتهك بغداد.

على الهواء مباشرة،كنت كغيرى أتابع حرباً، واحتلالاً، لحظات دفعت ثمنها غالياً من صحتى، حيث أدى ارتفاع الضغط يومها لأن أنجب ابنتى بعملية قيصرية بسبب تسمم الحمل، ابنتى نفسها التى شاهدت هذه اللقطات بعدها بسنوات ،فاعتبرتها مدعاة للضحك،وأخذت فى تقليد لعبة “التمثال اللى بيقع”.

9 إبريل لا يزال حتى اليوم ، يشعرنى بغصة فى قلبى، فأنا لم أتخلص من إحساس الدبابات التى انتهكت بغداد وداست على روحى ، والمشهد الذى أمرضنى يومها، هو نفسه الذى أضحك ابنتى بعدها بسنوات، ثم أصبح ذكرى ،تم حصرها فى أرشيف القناة.

لكن المؤكد أن شاشةً،ظلت ترتبط فى ذاكرتى بتلك اللحظة، التى تغيرت بعدها خريطة الإعلام الفضائى فى منطقتنا؛ فأصبح لاعباً رئيساً فى كل “المعارك” ،حتى يكاد يصبح سلطةً مستقلة، سلطة لا تتحكم فى ذاكرتنا وحسب ؛بل بالضرورة فى مستقبلنا.

اقرأ أيضًا:

إغلاق صامت لقناة الشرق الإخوانية

“السناوي” للتحرير: السيسي “خايف” من مستنقع اليمن

الغاء حفل محمد منير لدواعي أمنية

10 صور تستحق الانتباه بتوقيع محمد مخيمر

4 أزمات كبرى لـ”القاهرة والناس” في أقل من عام

إبراهيم عيسى: “المعفنين” بيقولوا إني شيعي

مصادر: cbc تجتمع بالعاملين المفصولين

رولا خرسا تلتقط “سيلفي” مع أسد

ابنة ضحية المستريح: والدي توفى بعد حلقة “الإبراشي”

تامر أمين: صافيناز هتقلب راجل عشان تاخذ الإقامة

إبراهيم عيسى: النظام لم يسقط بعد ثورة يناير

7 صور من احتفال فزاع بعرض “فزاع”

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا