محمد الريس يكتب: مراسل بدرجة سائح.. زيارة للأقصر

على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في محافظات الصعيد، إلا أن لكل منها طابع مميز يترك في نفسك أثرًا لا ينسى بعد كل زيارة. من هذه المحافظات محافظة الأقصر أحدث محافظات الصعيد من ناحية التقسيم الإداري، وأغناهم تراثًا وحضارة وأثارًا.

نرشح لك.. محمد الريس يكتب: مراسل بدرجة سائح.. مدينة شلاتين الحدودية

زرت محافظة الأقصر كثيرا منذ الصغر بحكم قربها من مدينتي الأم، لكن الأهم في هذه الزيارات بالنسبة لي هي التي قمت بها أثناء العمل. العمل يجبرك على أن تنظم وقتك بشدة تحدد مواعيد يقظتك، وراحتك، وتكثف تحركاتك في ساعات قليلة تحظى بها بعد انهاء عملك موجدا ضيق الوقت عندك الدافع لتسجل بين ذكرياتك كل مايمكنك حفظه في هذه الساعات هذا بالاضافة لما يتيحه العمل كمراسل من زيارة لأماكن كشوفات أثرية جديدة أو مؤتمرات معينة أو حتى فعاليات متعلقة بكشف أثري أو غيره.

في مدينة الأقصر دائما مايعجبني نقاء هواء الصباح الباكر شتاءا، وصيفا فهناك تستنشق هواءا نقيا يختلط برائحة النيل النظيف، والخضرة المحيطة بالمدينة وآثارها ، حتى حركة المواطنين هناك هادئة منضبطة، وكأن فيها تناغم ما يحافظ على جمال المدينة وشكلها السياحي.

النيل في المدينة يصطبغ دائما باللون الأزرق الجذاب المتشابه مع لون النيل في شقيقتها أسوان، ويشير بكل تأكيد إلى قلة التلوث في هذه المياه مقارنة باللون الرمادي الكالح لنفس النهر في القاهره والجيزة.

في الأقصر تصطف البواخر السياحية أو الفنادق العائمة على كورنيش النيل والتي كانت تقل الزوار من دول أجنبية في رحلات بين محافظتي الأقصر، وأسوان في السنوات الماضية للاستمتاع بجمال النيل والتوقف في محطات متنوعة بطول الطريق بين المدينتين لزيارة بعض المناطق الأثرية، لكن حالها تدهور حاليا بسبب قلة السياحة الخارجية الوافدة، وقلت أعداد العاملين فيها، وهم يتمنون أن يعودوا للعصر الذهبي لزيارات السياحة الأجنبية لمدينتهم التي كانت تزيدها حياة، وزخما وتعمر فيها جيوب كل العاملين في هذا المجال.

نرشح لك.. محمد الريس يكتب: التطبيع بالأقمار الصناعية

المدينة بها العديد من المزارات السياحية الأثرية، وهي تضم ثلث آثار العالم، لكن المميز في كل الأماكن هناك عظمة وجمال الآثار الموجودة، فمثلا معبد الكرنك ترى به بعض الألوان التي لونها قدماء المصريين في أعلي بعض الأعمدة وهي مازالت موجودة حتي الآن، وكأن شخصا ما قام بطلائها مؤخرا. كذلك ستبهرك تماثيل الكباش التي تحيط بممر دخول الكرنك يمينا ويسارا في شموخ، فيسير الزوار بينها ويتوقفون لتصويرها، ثم التماثيل العملاقة، والأعمدة الأثرية الموجودة في المعبد بالإضافة للبحيرة المقدسة الموجودة في قلب المعبد.

الكرنك هو الأشهر بين مزارات الأقصر لكن لا يقل عنه جمالا أي من معبد الأقصر الذي ارتبط به قديما بطريق الكباش، ويمكنك أن تراه عند مرورك على كورنيش النيل، وكذلك معبد هابو، و معبد حتشبسوت المعروف باسم الدير البحري الموجودين غرب نيل الأقصر.

لفت انتباهي غرب النيل تمثالي ممنون وهي تماثيل تبدو متهالكة متهدمة آيلة للسقوط موجودة بالعراء بالقرب من الجبال الغربية للأقصر، ولا تحيط بها أسوار معبد ولا أي شيء، تاثرت بفعل الزلازل قديما وتصدعت.

حكى الأهالي أن هناك أسطورة تدور حول هذين التمثالين، وهي أنهما بسبب الشقوق والتصدعات كانت تصدرأصواتا منهما نتاجا لمرور الهواء بين هذه الشقوق فظن بعض القدماء أنها أصوات بكاء تصدر عن هذه التماثيل، فارتبطت هذه الأسطورة بالتمثالين لكن مع ترميمهما المستمر على مدار الفترات التاريخية المختلفة التي مرت بها المدينة لم يعد يصدر عن أي منهما صوتًا.

في مدينة الأقصر متحف ثري جدا تجد فيه الهدوء، والفرصة لمطالعة المعلومات المكتوبة إلى جوار كل قطعةأاثرية دون تسرع أو وجود صفوف من منتظري القراءة من المحيطين بكل أثر ويمكنك التمتع بالنظر إلى اتقان نحت كل قطعة وحفر جمالها في عقلك بوجود اضاءة هادئة تزيد القطع الأثرية زينة وتبرز جمالها التاريخي.

يمكنك أن تطوف في جولة بمدينة الأقصر ليلا في واحدة من العربات التي تجرها الخيل (الكارتة) بداية من السوق القديم للمدينة مرورا بمعبد الأقصر ثم كورنيش النيل، ومشاهدة طريق الكباش الكبير، وأضواء معبد الكرنك والتوقف لزيارة بعض المتاجر السياحية لشراء التذكارات ثم العودة مرة أخرى بمجاورة طريق الكباش وصولا للسوق القديم.

السوق القديم واحد من الوجهات الأساسية لكل زائر للمدينة فهناك ينادي عليك تجار التذكارات واحدا تلو الآخر لعرض بعض من الحلى أو المنحوتات المشابهة للتماثيل الفرعونية، والزينة القديمة أو حتي بعض الملابس ذات الطباعة الفرعونية بالإضافة للتوابل، والبهارات، ومواد العطارة المختلفة.

منذ سنوات كان السوق راكدا لا حركة فيه لكن بدأت الأحوال في التبدل مؤخرا. في إجازة منتصف العام قبل الماضي اسعدتني حالة الحركة التي تولدها زيارات السياحة الداخلية وبعض أعداد السياحة الأجنبية القليلة في السوق، والتي ترد للتجار الروح على حد وصفهم، وتشجعهم علي الاستمرار في العمل بدلا من هجر مهناتهم ومهنات آبائهم.

أهل مدينة الأقصر يميزهم الود، والترحيب بالضيف الغريب عن مدينتهم، حالهم كحال أهل جنوب الصعيد عموما فحالما يعرف أحدهم أنك من خارج المحافظة، وتبحث عن شيء يبادر بمد يد العون والمساعدة لك وقد يتكرر هذا الأمر أكثر من مرة كلما سألت شخصا ما عن شيء.

ينقص المدينة الاهتمام بتنويع أماكن الطعام، وزيادتها، وتحسين جودته كذلك يتوجب تغيير أسماء بعض المطاعم هناك منعا للحيرة التي يقع فيها الزوار. فمن المضحك انك كلما تسأل عن مكان لتناول وجبة سريعة يرشدك الأهالي لأسم مطعم ما ويؤكدون عليك أن تذهب للأكل في المكان الأصلي صاحب الأسم الأقدم لا المقلد له، وعندما تصل للمنطقة الموصوفة تتفاجأ أن هناك ٣ مطاعم بنفس الأسم ينادي العاملون فيها عليك لتناول وجبتك عندهم فتقع في حيرة من أمرك لانك لن تتمكن من معرفة المطعم الأصلي إلا بالسؤال أكثر من مرة أو بالتجربة، والتقييم أيهم أكثر ارضاءا لك.
من المزروعات الأساسية في محافظة الأقصر، قصب السكر، وفي حال زيارتك للمدينة في موسم نضوجه ستجد الأطفال يقفون لبيعه في أماكن متعددة متخذين منه وسيلة لكسب المال من خلال بيعه لزوار المدينة بالأخص المتجهين منهم للبر الغربي وفي الحقيقة لقصب السكر في الجنوب حلاوة تميزه عن مايزرع من قصب في أي مكان آخر لا يدركها إلا كل من تذوق وميز الفرق في أي من شوارع الأقصر أو غيرها من مدن الجنوب.

الأقصر مدينة مميزة، وثرية تاريخيا وحضاريا لن تشبعك منها زيارة واحدة، ولن تمل من زيارتها مرة تلو الأخرى، وفي كل مرة سوف تخرج من المدينة بذكريات جديدة سواء كانت الزيارة في عمل أو سياحة .