هل عادت "قناة مصر الأولى" للمشهد الإعلامي؟

رباب طلعت

أسبوعٌ واحدٌ مر على الإطلالة الجديدة لـ”قناة مصر الأولى”؛ اللبنة الأولى لخطة تطوير ماسبيرو، التي تهدف لعودة التلفزيون المصري لصدارة المشهد، أو ربما مكانته السابقة كأبٍ لكافة القنوات الفضائية الخاصة، التي وإن حققت نجاحات كبيرة، وتطويرات متتالية، ووصل بعضها لمستويات اقتربت من المنافسة على أقل تقدير عربيًا، فإنها شَبَّت على يد كوادر ماسبيرو ونجومه، ولكن هل نجحت القناة الأولى بثوبها واسمها الجديد في عودة تلفزيون الدولة؟

في الحقيقة إن الأيام القليلة الماضية، ليست كافية تمامًا لإصدار حكمٍ نهائي يجيب على ذلك السؤال، لكن هناك العديد من الأسئلة الأخرى التي يرصدها “إعلام دوت أورج” فيما يلي، لمحاولة الوصول لإجابة شاملة قريبة له:

نرشح لك: “صباح الخير يا مصر”.. ما بين النسخة القديمة والحديثة

ما الذي تعلق به الجمهور على شاشة ماسبيرو؟

بسؤال عينة عشوائية ومتباعدة وذات خلفيات لا تشابه بينها إلا أنهم من مواليد الثمانينات وأوائل التسعينات وما قبلها، حاولنا الوصول لما تبقى من ذكريات في أذهان الناس، مما كانت تقدمه قنوات ماسبيرو، خاصة القناة الأولى أول عينات التطوير، وقد اتفقوا جميعًا على ملامح أساسية، يتذكرونها من شبابهم أو طفولتهم، كان أبرزها المسلسلات، خاصة مسلسل الساعة الثامنة مساءً والذي كانت تجتمع الأسرة لمشاهدته، و”صباح الخير يا مصر”، البرنامج الصباحي الأول في مصر، والبرامج ذات الطابع التثقيفي مثل “العلم والإيمان”، و”عالم الحيوان”، بالإضافة إلى برامج الأطفال مثل “صباح الخير” مع ماما نجوى وبقلظ، و”عروستي” و”من كل بستان زهرة”، و”سينما الأطفال”، وكذلك الفقرات المُذاعة بين البرامج، منها “حديث الروح”، قبل نشرة التاسعة، والبرامج المتخصصة مثل “نادي السينما”.

https://youtu.be/FTHu6PpXifI

أما عن روح القناة، فما افتقدوه فيها كان الشعار المميز لاتحاد الإذاعة والتلفزيون واللحن الخاص به، وآيات القرآن الكريم كافتتاح للمحطة صباحًا قبل أي شيء، وتخصيص يومي الخميس والجمعة ببرامج مختلفة عن باقي أيام الأسبوع، ما يجعل “الويك إند” مناسبة لتجمع الأسرة أمام القناة، وبالطبع العديد من وجوه القناة الإعلامية التي ارتبطت بهم ذكرياتهم القديمة أو كما أسماها أحدهم “إعلامي الزمن الجميل لماسبيرو”.

لماذا ماسبيرو؟

ولكن “لماذا ماسبيرو؟”، بالطبع لأن التلفزيون المصري، كان هو التلفزيون الوحيد قبل ولادة عالم الفضائيات، فلم يكن هناك بديل أو منافس، ولكنه قد نافس بعد خروجها بالفعل، حيث تذكر البعض أنه كان -وبالرغم من انتشار مفهوم “القنوات االخاصة- كانوا يشاهدون القناة الأولى تحديدًا، لما تقدمه من مسلسلات مختلفة بها الحس الأسري، أو برنامجي “البيت بيتك” و”مصر النهاردة” بمقدميهم محمود سعد، وبجواره تامر أمين وخيري رمضان.

https://youtu.be/XJ-KC0d7SUs

هل عادت القناة الأولى بالفعل؟

“صباح الخير يا مصر”، و”مصر النهاردة”، ملمحان أساسيان ذٌكرت بالفعل كأحد أهم العوامل التي نجحت فيها القناة الأولى أو “قناة مصر الأولى” كما سُميت حديثًا، وتعلق بها الجمهور، لكنها العودة المُحبطة، ليس لكثرة الأخطاء الإخراجية والتقنية والتقديمية، والبديهية في البدايات، نظرًا لحالة التحول الكامل للقناة فقط، ولكن أيضًا لـ”المقارنة”، فمثلًا في حالة “صباح الخير يا مصر”، كانت هناك مقارنة بين مقدمي البرنامج الحاليين بالسابقين، وكذلك الفقرات، ولكن ذلك أهون الأمرين فالأمَرُ هو مقارنته ببرامج القنوات الأخرى، حتى إن بعض التقارير الصحفية التي نشرت قد أشارت إلى فتح تحقيقٍ بسبب “نسخ الفقرات” من برامجٍ أخرى، وهو ما يضع البرنامج ومقدميه في تحدٍ صريح، وصعب للخروج من تلك “الكماشة”، وتقديم محتوى جديد لم يعرض من قبل، أو تطوير فقرات جديدة ومناسبة لروح التلفزيون المصري، وليس القنوات الأخرى.

https://youtu.be/DBRo51FbbUs

في حالة “مصر النهاردة”، فالبرنامج هو التحدي الأكبر للقناة، وعليه أن يواجه العديد من المقارنات والتحديات، ومن الممكن بعض التصيد للأخطاء، ليس لأنه فقط “التوك شو” الرئيسي بل لعودة برنامج قد مر عليه العديد من الوجوه الإعلامية البارزة، بعد توقف 7 سنوات، وقد كان اختيار القناة لإسناد مهمة الانطلاقة الجديدة لخيري رمضان ورشا نبيل -أبناء ماسبيرو- ناجحًا وذكيًا؛ فالأول هو نجم البرنامج في الأساس وله باع طويل فيه، والثانية قد حققت شعبية ونجاحًا هادئًا ورزينًا خلال سنوات ظهورها على تلفزيون “دريم”، وتعرض البرنامج بالفعل لأزمة مفاجئة كانت من الممكن أن تؤثر عليه سلبًا، وكانت فرصة للنيل منه قبل البدء، لكن القائمين عليه قد نجحوا في تخطيها باحترافية مهنية يجب أن تُذكر لهم، فالمحتوى الجيد والمختلف الذي قررت أن تقدمه “نبيل”، بفقرة عن ناظرة مدرسة 3 وزراء في الحكومة الحالية، قد اختفى من على أجهزة القناة، وقد فُتح تحقيقًا، وانتظر الجميع الحلقة بترقب “كيف ستتصرف الإعلامية؟ وماذا ستقدم بديلًا لما ضاع؟” وكانت المفاجأة بعرض الفقرة على الهواء، وتواجد الوزراء وناظرتهم، ولكن هذا ليس كافيًا للتأكيد على نجاح البرنامج من عدمه، فما زالت هناك أزمة “مقارنة” ستترصد به، خاصة لخيري رمضان، الذي يجب أن يقدم محتوى مختلف عن سابق عصره في البرنامج، وأيضًا عما سبق في قنوات أخرى، على سبيل المثال التخلي عن الاستضافة المتكررة لصديقه الشيخ الحبيب علي الجفري!

https://youtu.be/jx36cow-wTo

https://youtu.be/GffI2dCC_4Y

عنصرٌ آخر مهم يحدد إجابة “هل عادت القناة الأولى بالفعل أم لا؟” هو الدراما التلفزيونية؛ تلك العلامة البارزة التي لم تترك أحدًا إلا ووضعت أثرها فيه في أوج شهرة “القناة الأولى”، فمسلسل الساعة الثامنة الجديد الذي يعرض على القناة هو “البيت الكبير”، ويجب الإشارة إلى أن اختيار الدراما الصعيدية، هو ملمح من ملامح القناة القديمة التي عرضت الكثير من حكايات الصعيد، ولعل لتلك النوعية من المسلسلات جمهورها بالفعل، ولكن هل سيستطيع المسلسل جذب الجمهور إلى الأولى؟ خاصة مع تزامن عرضه في نفس الوقت على قناة “النهار”؟ وأيضًا لأنه ليس أحد مسلسلات “النجم الواحد” الذي في الأغلب له جمهوره، فسيتابعونه على أية حال؟ لا يمكن الجزم بذلك إلا خلال الفترة المقبلة، خاصة أن المسلسل لم تظهر عليه ردود أفعال بالسلب أو الإيجاب بعد؟

أين القناة الأولى؟

انتظر الجمهور عودة القناة الأولى بشكلها الجديد، ولكنهم انتظروا “روحها” أو روح تلفزيون الدولة الذي نشأ الكثيرون عليه، لكنهم بعد الانطلاقة الجديدة، وجدوا أنهم أمام تطوير تطلب إنفاق الملايين من الجنيهات؛ “الصرف باين”، شاشة عصرية، حديثة، لكنها مستنسخة، ليطرح سؤالا مهما: “أين القناة الأولى؟” أين تلك الأشياء التي تعلق بها المصريون على شاشتها قديمًا؛ نعم وبالتأكيد لا تصلح لهذا العصر، وللمشاهد المعاصر، ولكن لمَ لم يكن الاتجاه إلى تطويرها وتقديمها بما يتلاءم مع المتطلبات المعاصرة للبرنامج التلفزيوني، بدلًا من استنساخ الخطوات التي لجأت لها القنوات الخاصة على مدار السنوات الماضية لاستقطاب الجمهور، فهو استنساخ ينقصه الاختلاف والإبداع، وحتى على أقل تقدير استقطاب النجوم، والأخيرة تحديدًا هي أزمة القناة، فاختيارها لمقدمي برامجها لم يكن موفقًا في كثيرٌ من الأحيان، فسواء اختيار “مها أحمد” لنسخ فكرة “الفنان مقدم البرنامج”، أو “تامر مطر” كمنفذ لظاهرة “الداعية الكاجوال”، أو حتى كريم حسن شحاتة لبرنامج منتصف الليل الرياضي، ناهينا عما يحدث في “صباح الخير يا مصر” من مقدميه من “سخرية وهزارٍ” لم يعهده المشاهد على تلفزيون الدولة، جعل القناة تظهر بصورة قنوات “الدرجة التالتة”، أي تلك التي ليس لديها فكر فقامت على أفكار الآخرين، فلم يسمع بها أحد.

https://youtu.be/fl94xTGHA9g

https://youtu.be/Ep4lVNL8v9Y

https://youtu.be/GQXeClfAUCM

بالفعل لم يسمع الكثيرون بعد -خاصة من جمهور الشباب ممن لم يعاصروا القناة الأولى “قناة مصر الأولى” بحسب مسماها الجديد- عن ما يجذبهم للقناة، حتى إن ردود الأفعال تكاد تكون ضئيلة، وأغلبها من متابعي تغييرات سوق الميديا، لكن أين الجمهور من كل ذلك؟

هل فشلت الانطلاقة الجديدة؟

بالطبع فإن الإجابة “لا”، فالسير في خطوات وإن كانت قصيرة ومترددة، أفضل من اللا شيء، فتواجد القناة بشكلها الجديد هو أول ما يُمكن المطالبة به وليس كله، فخلال الأيام الماضية ظهرت العديد من الأخطاء غير المبررة، والتي لا يجب أن تصدر بعد رفع سقف الإنفاق في القناة، وإعطاء “الكوادر” الفرصة والإمكانيات لتحقيق ذاتها كما كانوا يطالبون دائمًا للظهور على خريطة المنافسة، ما يتطلب منهم في الفترة المقبلة إثبات صحة تبريراتهم السابقة، بتلافي كل ما ورد منهم من أخطاء وتقصير في الفكرة والإبداع، وليس من أجل المشاهد فقط، بل لاستقطاب الإعلانات، التي ندرت في الفواصل الإعلانية التي كان أغلبها للدعاية عن جديد “قناة مصر الأولى”.

ماذا بعد؟
المحك الأساسي للحكم على تلك التجربة هو ما ستقدمه “قناة مصر الأولى” للمشاهد في رمضان المقبل، فهو ساحة المنافسة الحقيقية، سواء بالدراما أو البرامج، وأمام القائمين على تطويرها والعاملين بها فترة كافية لاستدراك أخطاء الأسبوع الأول، وتاريخ القناة يضيف لها قدرًا من الثقة الكبيرة في العبور، وتخطي الأزمات السابقة، والانطلاقة من جديد، بل وتحقيق الصدارة.