مينا فريد يكتب : دليلك العصري للتعاطف مع الدم

أرض الآلهه..

كان معروف أن المصريين القدماء لديهم العديد من الآلهه … معروف منهم 1500 إله تقريبا بالإسم..

أظن أن عدد من نصبوا نفسهم آلهه الآن في مصر ممن لديهم صكوك الكفر و الإيمان و الرحمة و التعاطف و يستطيعون الحكم أن هذا هالك و هذا شهيد أكثر بكثير من هذا العدد… ساهم في تكاثرهم يوميا إعلام وصل لقاع الرخص يتاجر بالإثارة من أجل حفنة دولارات من الإعلانات و المشاهدات…

ليرحمنا الله..

كيف بدأنا التعاطف ؟

بعد ثورة يناير.. أو على سبيل الدقة بعد جمعة الغضب .. بدأ الإعلام المصري في نشر صور منتقاه لبعض الشهداء..هل لاحظت أن أغلب من نشرت صورهم “كان شكلهم حلو” أو متعلمين بطريقة مميزة … أما الشهداء البسطاء المصريين الشعبيين المطحونيين ..لم يهتم أحد بصورهم ؟ .. أظنها كانت البداية .. و إستمرت..

إستمر الأمر في أحداث محمد محمود .. و في أحداث ماسبيرو.. رغم ان الحدث تسبب في إستشهاد العديد من المصريين و رغم تساوي الأرواح .. لكن هناك شئ ما دائما في التناول الإعلامي في كل حادثة لو بحثت بقليل من الصبر …. هناك صور بعينها تسرق الشهرة و يستغلها الإعلام و تصبح عنوانا للحدث ..

أستطيع تقبل الأمر في الإعلانات الدعائية .. لكن في الموت أيضا ! أمر عجيب !

نضيف.. بعد ثورة يوينو و خلع مرسي… الأحداث الإرهابية .. دائما يتم التركيز على ضابط أو إثنين ممن إستشهدوا.. و غالبا يكونا الأوسم …

هل البنت الجميلة و الضابط الوسيم روحهم أغلى من البنت العادية و العسكري الصعيدي الفقير ؟

الإجابة النموذجية هي بالطبع لأ . لكن الواقعية تقول ” الناس بتستخسر الحلوين في الموت” لذلك يكون التأثر أكثر عند التركيز إعلاميا عليهم.. للأسف.

هل الشكل فقط هو مفتاح التعاطف ؟

تقول الفنانة دنيا سمير غانم في أحد المشاهد الكوميدية في فيلم لا تراجع و لا إستسلام – التي تعبر عن سطحية و غباء الشخصية التي تمثلها -..

“أنا كنت فاكرة إنه بيتاجر في الآثار.. في السلاح .. لكن مخدرات؟”

لم أتخيل أن يحدث هذا المشهد في الحقيقة ! إحدى المذيعات محدودات كل شئ … قالت أن ما يحدث من الإرهابيين مع الجيش صراع مسلح و مفهوم لماذا يقتلوهم .. و مع المسيحيين صراع مع كفار مختلفين في الدين مفهوم سبب قتلهم … أما مع المسلمين فهو غير مفهوم. بالطبع قصدها الإستنكار و محاولة فهم كيف يفكر الإرهابي و لكن لو وضعت هذا التصريح مع تاريخها التحريضي في أحداث ماسبيرو.. لفهمت الجملة بطريقة مختلفة تماما.

الواقع أصبح أكثر مبالغة من الأفلام الكوميدية.

مع من تتعاطف؟

هل تتعاطف مع من هم من نفس دينك كأولوية .. أو وطنك .. أم تتعاطف مع من يشبهك في المستوى الإجتماعي ؟

تقول إحدى السيدات التي تجلس على لوحة المفاتيح بدلا من الكتابة عليها ” يعني سايبين الكباريهات و بتفجروا الجوامع” و كأنه يجب علينا أن نقبل تواجد الإرهابي و يجب على الإرهابي أن يفجر شئ ما .” مايمشيش إيده فاضية” و كأن تفجير الكباريه لن يتسبب في مصيبة أيضا … و لن نخسر أرواح جديدة !

هناك من تبرع بصور من تصميمه عليها..” قتلوا أصحاب الجمعة و أصحاب الأحد و تركوا أصحاب السبت” …” قتلوا المصلين !”

قسما لن نتقدم أبدا بدون الإيمان بأساسيات الإنسانية .. كل الدم حرام…كل الدم.. مصليين .. راقصين .. مسلمين .. مسيحيين .. بوذيين …يهود.. شيعة …. ملحدين .. فاسقين .. ناجحين .. فاشلين.. كل الدم حرام .. لو رأيت في نفسك تعاطف مع من هو قريب منك فقط فأنت في أزمة حقيقية…طالما لم يرفع عليك سلاحه ف دمه حرام.

هل أنت عنصري ؟

لو كنت مواطن مصري مسيحي و ملأت الدنيا صراخا و عويلا و نشرت كل آيات الحزن على إستشهاد ضحايا تفجيرات الكنائس و لم تهتم بما حدث في الجمعة السوداء أو إهتمامك و حزنك كان أقل فألف مبروك أنت عنصري بإمتياز.. و العكس صحيح لو كنت مواطن مسلم..

يمكنك تطبيق هذا التساؤل مع كل حدث قريب أو بعيد منك .

لا أذكر أي درس درسته طوال أيام التعليم لإعلاء قيمة الإنسان و روحه بصرف النظر عن تصنيفه .. لم ندرسه في مادة الدين أو اللغة العربية أو حتى التربية الوطنية …

“كنت أظنه يحدث للآخرين فقط .. الآن يحدث لي”

جملة شهيرة كل من يحب أحمد خالد توفيق يفهمها جيدا .. طالما ترى الأحداث الخارجية تحدث خارج دوائرك المقربة ” أهلك .. أصدقائك .. معارفك .. من يشبهك .. أبناء دينك”

ستشعر أنك دائما في أمان .. و لن تشعر بنفس الشعور… يوميا دوائر مشاركة المقربين مننا في الأحداث تتسع .. لا يوجد مجال لأي عنصرية .. لقد أصبح الخطر أقرب لنا مما تتصور … و أصبحنا جميعا في دائرة واحدة كبيرة..

لو لم نتقارب في أوقات المحن .. فلن نتقارب أبدا .. و لو ظللنا على عنصريتنا .. فلن ننتصر أبدا .. و سيظهر مننا يوميا إرهابي جديد سواء بفكره أو بسلاحه..

التعريف الوحيد المسموح بإستخدامه الآن لأي روح تموت بالغدر هو :

شهيد مصري .. ولا لأي تصنيفات أخرى

نحن نحتاج إلى تعديل الخطاب الإنساني … الوطني .. قبل أن نتحدث عن الخطاب الديني .

“الدم ع الأرض كاتب شهادة.. حب الشهيد للأرض فرض و عبادة … الدم صاعد زي سهم النور… كإنه موج البحر لما يفور… صاعد علالى الألم… يغرس عامود العلم… ويرد لون الوشوش … و ينصف اللي إنظلم” … أغنية قديمة لمحمد منير

رحم الله شهداء مصر .. جميعا.