أحمد عبد الغني يكتب: موسم صيد القرَّاء

أصبح المشهد الثقافي حاليًا مرعبًا ومخيفًا ويحتوي على كثير من “الزومبي”.. ما من كاتب يخرج علينا بكتاب جديد، رواية أو مجموعة قصصية أو مقالات، إلا وينقسم الوسط الثقافي ما بين مؤيديه ودراويشه من ناحية، ومنتقديه ومعارضيه من ناحية أخرى، ويبدأ كل منهما في سب واتهام الآخر، مجموعة المؤيدين دائما ترى أن هذا العمل هو أفضل أعمال زعيمهم وقائدهم، ومجموعة المعارضين ترى أن هذا العمل هو استمرار للاضمحلال والسقوط والتردي في أسلوب هذا الكاتب وأعماله، وكعادة المصريين كلا منهما يرى أنه الأحق وأنه على صواب والباقي على خطأ.. لا أحد يتقبل الآخر.

فى نهاية الألفية السابقة كانت أعداد الأقلام التي تكتب محدودة للغاية والوسط الثقافي والكتاب محدودين جدًا.. فمنذ السبعينيات والثمانينات تقريبًا كان عدد الكتاب يعد على أصابع اليدين .. ومعروفين ومحددين نجيب محفوظ، نوفيق الحكيم، إحسان عبد القدوس، يوسف السباعي، يوسف إدريس، أنيس منصور، أحمد بهاء، صلاح جاهين، ومن الساخرين محمد عفيفي ومحمود السعدني وأحمد رجب، واستمر الوسط على تلك الحالة ثم دخل عليهم إبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبد المجيد ومحمد سلماوي وفاروق شوشة وفاروق جويدة.. وكانت العلاقة بين هؤلاء العمالقة غاية في التحضر والرقي، والنقد بينهم كان في إطار من الاحترام والنقد البناء الذى نطالب به دائما بدون تجريح أو إهانة.

أما الأن بعد ازدياد عدد الكتاب والمؤلفين والتطور الذى حدث منذ التسعينات وبداية الألفية الجديدة، ودخول عدد من الكتاب العملاقة في الوسط الثقافي أمثال  الدكتور علاء الأسواني وأشرف العشماوي وأشرف الخمايسي وأحمد خالد توفيق ويوسف زيدان وعمر طاهر وبلال فضل وأخيرا أحمد مراد، وجدنا أن العلاقة تسوء بين الكتاب من ناحية وبين النقاد من ناحية أخرى، وجمهور القراء أيضًا فما من كاتب منهم يبدأ في عرض أعماله وإبداعاته إلا ويبدأ الهجوم عليه من الأطراف الأخرى، بل ومحاولة هدم ما كتبه هذا الكاتب ليس من أجل التحسين والتطوير، ولكن من أجل الهدم والتقليل من شأن ما كتبه وذم وسب وقذف واتهامات فقط لا غير.

أخر ما كتب أحمد مراد وروايته الجديدة التي بدأ الهجوم عليها قبل أن تنزل إلى المكتبات أصلا، مثله مثل غيره من كتاب جيله، هجوم مستمر عليهم، على الغلاف وعلى الأسلوب وعلى طريقة السرد وعلى طريقة العرض والحوار والجمل والتركيب والترتيب والأحداث والشخصيات .. واتهامات أخرى من نوعية ضعف الكاتب وافتقاره لأدبيات العمل الأدبي، وأشد الاتهامات كانت سرقة الفكرة.

لكن يجب الإشادة بأحمد مراد وأعماله لأنه حقق طفرة هائلة في المجال الأدبي، وأصبحت روايته محل انتظار وترقب، روايات تنقلك من عالم إلى عوالم أخرى، يكتب فى منطقة أخرى غير التي اعتادنا عليها، منطقة ما بين الخيال والواقع، ما بين الخيال العلمي وما بين الغرائب والطرائف .. ما بين التاريخ، وما بين الجغرافيا، منطقة تحرك الشهوات أحيانا والقلوب والألباب أحيان أخرى.. أحمد مراد حالة خاصة، جعل لموسم إصدار روايته موسم صيد القراء الذين أصبحوا ينتظرون إصدار رواياته كما كان الأجداد ينتظرون سماع حفلات أم كلثوم.

ومثلما كنا في طفولتنا ننتظر إصدار أعداد ملف المستقبل ورجل المستحيل، أحمد مراد أصبح له طابعًا خاصًا وموسمًا خاصًا، بغض النظر عن الهجوم عليه، لكنه حرك المجال الثقافي كله وأضاء نور الأمل لجيل كامل من الكتّاب، لأنه جعل دور النشر كلها تعرف أن الكتاب الجدد والشباب قادمون بقوة وأن الساحة الأدبية لن تقف عند العظماء السابقين فقط ولكنها ستتسع للمزيد والمزيد من الكتاب والمؤلفين.. أحمد مراد جعل للوسط الثقافي زخمًا وحياة جديدة وأصبح للقراء هدف وأمل ينتظرونه من عام إلى آخر، نجح أحمد مراد في صيد القراء بما يكتبه ويقدمه.