بيج زيرو.. بين إعلام الأزمة وإعلام يصنعها!

عبدالمقصود الملاح

أذكر موقفا حين كنت طالبًا بالمدرسة الإعدادية وأثناء التجهيز لتصفيات إحدى المسابقات على مستوى المحافظة، حاول المشرف على المسابقة تهدئة فريق الطلبة المشارك بأن قال لنا “مش لازم نكسب.. إحنا رايحين عشان التمثيل المشرف”، ذهبنا ونافسنا وخسرنا ولم يكن التمثيل مشرفًا على الإطلاق، فقد عدنا حاملين الـ Big Zero.

لم تنتهِ علاقتي مع “البيج زيرو” عند هذا الموقف، فقد كانت مجرد بداية للتعارف، لأكتشف بعدها أن هذا الصفر أصبح هدفا لمعظم زملاء مهنتي التي قررت امتهانها بعد مرور ما يقارب الـ10 أعوام من أول احتكاك لي بهذا الصديق الكبير الصغير؛ ففي كل موقف اختبار لمهنية أو حرفية أو تماسك المنظومة الإعلامية، نفشل بجدارة في الحصول على غيره، وأحيانا قد يفخر البعض بالحصول عليه عن جدارة وبعد جهدٍ مضنٍ.

فها هي العمليات التي نفذها أبطال الشرطة في صحراء مصر الغربية على طريق الواحات، والتي استمر فيها الاشتباك مع الإرهابيين لساعات، تكشف لنا عن زملاء لم يستطيعوا التفرقة بين المعلومة والشائعة، وبين مصداقية البيان الرسمي للمصدر الأمني ومصداقية بيان لمجموعات إرهابية مجهولة الهوية، والأنكى أنهم استماتوا في الدفاع عن صحة الشائعة المتداولة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تفوقت شائعات السوشيال ميديا على ظاهرة الأخبار المنسوبة لمصدر أمني مجهل المتعارف عليها في الصحافة.

الشائعات التي بدأت بتهويل في أعداد الشهداء، مرورًا بالخوض في تفاصيل العمليات بالرغم من استمرارها، وفي لحظات مبكرة على معرفة كواليس الاشتباكات على الأرض حتى لهؤلاء القادة في غرف العمليات، إضافة إلى المطالبات بإقالة القيادات وتغيير التكتيكات بما يوحي بالهزيمة الساحقة ويهوي بالروح المعنوية لأبطالنا الأشداء إلى أقصى الدرجات، وأخيرا وليس آخرا الانفراد بإذاعة تسجيلات مزيفة باعتبارها انفراد.

الزملاء الأعزاء، وهم كُثُر ومنهم أساتذة وأعلام في مجال الإعلام، لم يكتفوا بكارثة تداول الشائعات على مدار مايزيد عن 24 ساعة، بل حملوا مسؤولية نشرهم هذه المعلومات المغلوطة للجهات المسؤولة التي لم تسرع بإصدار بيان إعلامي، وكأنهم أطفال فاقدو السيطرة على أنفسهم؛ فإما إشباع رغبتهم للظهور كعلماء ببواطن الأمور من خلال معلومات رسمية، أو تداول إشاعات مغرضة بغض النظر عن تأثيرها على الجمهور والجنود على السواء.

لا أحاول الدفاع عن وزارة أو إدارة حكومية، لكن كيف لهؤلاء الزملاء تجاهل كون المعركة سارية ومشتعلة على الأرض بما لا يدع مجالًا لإعلان أي معلومة دقيقة؟، كيف لهم تجاهل كون أي معلومة منشورة عن العمليات الدائرة سلاحًا موجها لصدور حماتنا من خيرة شباب ورجال مصر؟، كيف لهم أن ينتقدوا بشدة تصل لحد الهجوم كل من يطالبهم بالصمت وانتظار خروج بيانات رسمية تحمل معلومات دقيقة أو حتى هدوء الأوضاع بشكل يسمح بتوافر معلومة صالحة للتداول؟.

أستطيع تفهم نهم الحصول على المعلومات، فهي حياتنا كعاملين بالإعلام، لكن ما لا أستطيع إدراكه هو أن نفعل ذلك ولو على حساب من يدافع عن أمننا في معركة شرسة مع الإرهاب لا تبعد عن منازلنا سوى 135 كيلو مترا فقط. بالتأكيد أمتلك وغيري العديد من المقترحات لكيفية تطوير التعامل الإعلامي بما يضمن سرية المعلومات الحساسة والتواصل اللحظي مع الجمهور في نفس الوقت، لكن ساعة الحرب ليست الساعة المناسبة لأي شيء سوى الوقوف صفًا واحدا لدعم المقاتلين على الأرض؛ والاشتباك مع الإرهاب لا يقل في خطورته وجديته عن الحروب التقليدية، لأنه هو أيضا حرب أكثر تطورًا وذكاء.

الأزمة تلو الأزمة تؤكد الـ”مصيبة” التي نواجهها في مصر، ففي حين تدعم هوليوود جنود الجيش والشرطة الأمريكيين وتصورهم كمنقذين للعالم من الأشرار، يقوم إعلامنا بدور الخنجر الموجه في ظهور أبطالنا، ليحصل بذلك على الـ Big Zero عن جدارة.