وليد رشاد يكتب: محمد صلاح صاحب الضربة التاريخية

من ضمن أكثر الصعوبات التي واجهت كرة القدم العالمية منذ نشأتها هي حل مشكلة التعادل في المباريات التي تتطلب ضرورة تسمية فائز، وتراوحت الحلول بين الوقت الإضافي أو إعادة المباريات أو إجراء القرعة أو حتى اقتسام البطولة بين الفريقين كما حدث فى كأس مصر 57/58.

ثم اعتمدت ركلات الترجيح سواء بعد الوقت الإضافي أو دونه، واستمرت فترة من الزمن، وفي التسعينات ظهر نظام الهدف الذهبي أو الموت المفاجئ، وهو هدف في الوقت الإضافي تنتهي به المباراة مباشرة، وبعدها تم استبداله بالهدف الفضي والذى تستكمل المباراة بعده ولكن حتى انتهاء الشوط الإضافي الذى سجل فيه سواء كان الأول أو الثانى، ولكن بعدها تم الرجوع إلى نظام ضربات الترجيح.

وعندما نفكر فى ضربة الجزاء التاريخية التى سجلها “محمد صلاح” أمام الكونغو، والتي احتسبها الجامبي “بكاري جاساما” في آخر دقيقة من المباراة بعد عرقلة “تريزجيه”، نشعر أنها بمثابة هدف ذهبي لمنتخب مصر وموت مفاجئ لمنتخب الكونغو (ومن ورائها اوغندا التى كانت تنتظر التعادل المصرى بلهفة شديدة لتحتفظ بأمال بسيطة في الوصول للمونديال)، وتعتبر ضربة جزاء “صلاح” التي سددها على يسار حارس الكونغو “باريل موكو” هي أهم ضربة جزاء فى تاريخ مصر مع تصفيات المونديال، لأنها كانت سبباً مباشراً في وصول مصر دون الانتظار للجولة الأخيرة.

ولكن مصر تملك تاريخا طويلا مع ضربات الجزاء الحاسمة في تصفيات المونديال وسوف نعود من الأحدث إلى الأقدم:

 

https://www.youtube.com/watch?v=Yk52Xmh54Qc

في 15 أكتوبر 2013 في الجولة النهائية لتصفيات مونديال البرازيل 2014، في مباراة الذهاب أمام غانا في كوماسي، وبعد التقدم المباغت لغانا (2-0) بهدفي “اساموا جيان”، ووائل جمعة، في مرماه، احتسب المغربي “بوشعيب الأحرش” ضربة جزاء لمنتخب مصر نتيجة عرقلة محمد صلاح، وكانت في منتهى الأهمية والحساسية لأن نهاية الشوط الأول بنتيجة (1-2) كانت تعتبر نتيجة رائعة لمصر، لأن ذلك الهدف كان يمكن أن يكون مفتاحاً لوصولنا بالفوز (1-0) فقط في القاهرة، وتقدم محمد أبو تريكة، بمنتهى الثبات وأحرز ضربة الجزاء على يسار الحارس “فاتاو داوودا” وسط صيحات الجماهير الغانية المحتشدة، ولكن لسوء حظه أحرزت غانا هدفاً قبيل نهاية الشوط الأول ثم أمطرت مصر بثلاثة أهداف أخرى في الشوط الثاني، لتضيع تماماً أي فعالية لهدف “أبو تريكة” ويصبح من المستحيل عملياً تعويض النتيجة بالقاهرة وتخرج مصر من التصفيات.

https://www.youtube.com/watch?v=KQmbSsPJwzo

وفى 21 يوليو 2001، في المباراة الختامية لمرحلة المجموعات في مونديال 2002 أمام الجزائر، كان يجب على مصر تحقيق الفوز على الجزائر في “عنابة” بهدف مع ضمان ألا تفوز السنغال على ناميبيا بأكثر من ثلاثة أهداف فى “وندهوك” في المباراة الأخرى في نفس التوقيت، وأضاع المصريون في البداية أهدافاً سهلة منها كرة محمد عمارة التاريخية، وتحطمت أعصاب المصريين في انتظار الهدف الموعود طوال الشوط الأول، والذي كان يعني وصول مصر مباشرة للمونديال لأن نتيجة الشوط الأول انتهت لصالح السنغال (3-0)، حتى جاء الفرج فى الدقيقة 60 حينما احتسب الحكم البنيني “كوفي كودجا” ضربة جزاء للمصريين نتيجة عرقلة محمد بركات، وتقدم لها بكل ثبات الصاعد وقتها أحمد حسام (ميدو)، في جرأة يحسده عليها الكثيرون لأن عمره كان 18 عاماً، وأمام صفير الجماهير الجزائرية الثائرة أسكن الكرة الزاوية اليسرى لحارس الجزائر “هشام مزاير”، وظل المصريون يعيشون فرحة الوصول المشوبة بالحذر لمدة 17 دقيقة حتى أستطاع أسود التيرانجا إحراز هدفين متتاليين في الدقيقتين 77، 80، ثم ارتبك الفراعنة بعد علمهم بالنتيجة فأحرزت الجزائر هدف التعادل، لتتلاشى تماماً الأهمية التاريخية لضربة جزاء “ميدو” وتدخل في طي النسيان، مع أنها كانت من الممكن أن تدخل التاريخ لو كانت سبباً لوصول مصر مونديال كوريا واليابان، وربما تغنت الجماهير وقتها باسم “ميدو” كما تتغنى الآن باسم “محمد صلاح”، وكان يمكن أن نعتبر ضربة جزاء “ميدو” أهم لأنها كانت خارج الأرض وأمام جماهير متحفزة، كما لم تكن هناك أي فرص لوصول مصر للمونديال آذا ضاعت، في حين أن ضربة جزاء “صلاح” كانت على ملعب مصري وأمام جماهير مصرية، وكذلك لو أنه أضاعها لكان هناك عديد من الفرص أمام الفراعنة في الجولة الأخيرة.

 

وفي 28 فبراير 1993 في المباراة الختامية للمجموعة الأولية لتصفيات مونديال أمريكا 94، التقت مصر مع زيمبابوي في القاهرة، واحتشدت الجماهير المصرية في انتظار الفوز بأي نتيجة للوصول إلى المجموعة الختامية واستمرار رحلة الوصول للمونديال، ولكن فاجئ منتخب زيمبابوي الجماهير بإحراز هدف في الدقيقة الخامسة وأضاعوا بعدها هدفاً محققاً من خطأ فادح للحارس “شوبير” الذي عاد وأنقذ خطأه بأعجوبة، وأحترقت أعصاب الجماهير المصرية وخرجت عن شعورها وألقت بالحجارة على الملعب، فأصابت إحداها مدرب زيمبابوي الألماني الجنسية “فابيتش” وتوقفت المباراة وحدثت حالة من الهرج داخل الملعب، وتكهربت الأجواء واضطر الحكم الجابوني “ديرامبا” لاستئناف المباراة (خوفاً من ضغوط الجماهير كما كتب فى تقريره بعد المباراة)، وبعد استئناف المباراة تقدم “إسماعيل يوسف” داخل منطقة الجزاء وتمكن بخبرته من الحصول على ضربة جزاء هامة جداً في الدقيقة 32، وتصدى النجم “أشرف قاسم” لتسديدها (ومن المعروف أن “أشرف” من أفضل من يسدد ضربات الجزاء والترجيح في مصر، وكان متخصصاً فى تسديد ضربات جزاء نادي الزمالك، وسجل من قبل ضربة الترجيح الأخيرة والتي حصلت بها مصر على بطولة الأمم الأفريقية 86 بالقاهرة)، وكان “أشرف” في مواجهة صعبة مع واحد من أفضل حراس المرمى فى تاريخ الكرة العالمية وهو حارس ليفربول الشهير “جروبيلار”، وتمكن باقتدار من تسجيل الهدف الأول لمصر على يسار الحارس الكبير بعد أن مرت الكرة من تحت يده، وأضاف “أحمد الكاس” الهدف الثاني، وكان يمكن أن تكون تلك الضربة مفتاحاً لوصول مصر إلى المونديال الأمريكى لأنها جاءت في ظل أجواء مشحونة، إلا أن إعادة المباراة في “ليون” وتعادل مصر (0-0)، مسح تلك الضربة من أذهان المصريين واستبدلها بفرصة “مجدى طلبة” الشهيرة.

وفي 28 يوليو 1985 في الجولة قبل الختامية لتصفيات مونديال المكسيك 86 أمام المغرب في مباراة العودة في “كازبلانكا” بعد التعادل (0-0) في القاهرة، سقطت عدالة السماء على ملعب “محمد الخامس” حينما احتسب الحكم السنغالي “بدارا سين” في جرأة نادرة ضربة جزاء للمصريين نتيجة عرقلة “عماد سليمان”، وكان تسجيل تلك الضربة كفيلاً بحسم الأمور تقريباً لأن التعادل (1-1) كان يعني مرور مصر للجولة الختامية التي كان مرجحاً أن تنسحب منها ليبيا في حالة فوز مصر! ورغم أن “جمال عبد الحميد” متخصص تسديد ضربات الجزاء في نادي الزمالك لكنه لم يكن ضمن المرشحين الثلاثة لتسديد الضربات في المنتخب، إلا أنه تقدم في تهور عجيب وأمسك بالكرة وتجاهل زملاؤه الكبار، وحدثت حالة من اللغط داخل الملعب انتهت بتركه يسدد الكرة بعد موافقة المدرب عبده صالح الوحش، مضطراً، وحاول الحارس العملاق “الزاكي” رفع حالة التوتر لديه ويقال أنه قال له ما معناه أنك سوف تسجل الضربة، وقيل أيضاً أن عراف مغربي قال له قبل المباراة (أنه سوف تحتسب ضربة جزاء وأنه سوف يسددها)، وفي ظل تلك الحالة من الفوضى تقدم “جمال” وسدد الكرة بمنتهى القوة فب العارضة، وارتدت الكرة وسط حالة ذهول من الفريق المصري استغلها أسود الأطلسي وبعد ثوان سجل “التيمومى” الهدف الأول للمغرب، وأنتهت أحلام الفراعنة في الوصول للمونديال الذين كانوا ربما يستحقون الوصول إليه.

والطريف أن الضربات الأربعة المسجلة كانت كلها على يسار الحراس”جروبيلار”، “هشام مزاير”، “فاتاو داوودا”، “باريل موكو”، بس ربنا ما يجعلنا من أهل الشمال.