مشوار "الطوفان" من السينما إلى dmc

أمنية الغنام

عندما عُرض فيلم “الطوفان” لأول مرة عام ١٩٨٥ ترك تأثيراً ذو طبيعة خاصة  في نفوس مشاهديه، ربما لأحداثِه التي عكست خللًا واضحًا في النسيج القيمي للمجتمع المصري، في ذلك الوقت، أو ربما لقسوة نهايته الصادمة وغير المتوقعة،  أو للموسيقى التصويرية المصاحبة له، للمبدع ميشيل المصري، حاملةً في الوجدان إحساس الحسرة والندم وقت لا ينفع الندم.

بعد مرور٣٢ عاماً يُعاد إحياء فيلم “الطوفان”، المأخوذ عن رواية بشير الديك، من جديد في شكل مسلسل درامي وبسيناريو ومعالجة درامية على يد كلٍ من: وائل حمدي، ومحمد رجاء، ليخرج للنور خلال أيام قليلة على قناة “dmc”.

إعلام دوت أورج” تواصل مع كاتب السيناريو وائل حمدي لمعرفة كواليس العمل، التي رواها لنا كما يلي:

1– بدأت القصة من قبل رمضان ٢٠١٦ أثناء كتابتي أنا وشريف بدر الدين مسلسل “رأس الغول” للفنان الراحل محمود عبد العزيز، وإنتاج مجموعة فنون مصر، فأخبرني ريمون مقّار وقتها برغبته في تقديم مشروع لعمل فني كبير يضم مجموعة كبيرة من النجوم، أو بمعنى أخر بطولة جماعية، فكان ردّي أنه في هذه  الحالة نحتاج لنص أدبي يحتوي على شخصيات عديدة ذو أبعاد مختلفة وبدأنا رحلة البحث عن هذا النّص.

2– بعد مرور عدة شهور جمعتني الصدفة بصديقي محمد رجاء أثناء توجهنا سويًا لمدينة الإنتاج الإعلامي، للتسجيل في إحدى حلقات برنامج خيري رمضان، ودار بيننا الحديث عن النّص الملائم الذي يسمح بالبطولة الجماعية على غرار “المال والبنون” أو “ليالي الحلمية”، وبدون مقدمات تذكّرنا فيلم “الطوفان” وكنا نحبه جداً.

3– بعد طرح اسم الطوفان على المنتج ريمون مقار رحب جدًا، وبدأتُ التواصل مع بشير الديك صاحب الرواية، الذي استغرب في البداية، لأنه لم يكن يحبذ تحويل فكرة فيلم لعمل درامي، وكان رده “إشمعنى الطوفان؟” وبعد مناقشتي معه أن الفكرة الأساسية للفيلم التي تتناول مفهوم القيم والأخلاق هي فكرة لا تنمحي مع الزمن وأنه يمكن معالجتها وتقديمها برؤيا معاصرة، فأبدى موافقته.

4– الفيلم لم يرتبط  مثلًا بحدثٍ سياسي معين، يجعلنا نتناوله في نفس السياق الزمني فترة الثمانينات، لكنه يتطرق لمنظومة القيم داخل مجتمعنا كذلك المسلسل، فهو يعكس كل ما له علاقة بالحياة المعاصرة ومظاهرها المختلفة من استخدام للسوشيال ميديا والهواتف الذكية، وحتى الحبكة الرئيسية للطوفان مرتبطة بمجموعة أخوة يملكون أرضًا تتحول قيمتها بشكل مفاجئ لسعر كبير جداً نتيجة المتغيرات الاقتصادية مما ساعد على وجود المعادل الخاص بها في حياتنا الآن.

5– لم تكن هناك حاجة لإلغاء بعض الأدوار لكننا احتجنا للتغير في سمات بعض الشخصيات التي كانت موجودة لتوائم العصر الحالي، كما أضفنا شخصيات أخرى للعمل، وهذه ميزة منحتنا إيّاها حدوتة الفيلم، فهي ذات خامة قوية متماسكة تحتمل أن نفرد لها خطوط أخرى جانبية، فباستثناء شخصية الأخ الأكبر في الفيلم والتي جسدها الفنان فاروق الفيشاوي، التي فُردت لها مساحة واسعة لم نرى معالجة لحياة باقي الأخوة أو الدخول في عوالمهم الخاصة، وهذا ما يقدمه المسلسل.

6– ختيار الممثلين كان دائمًا محلًا للنقاش مع منتج ومخرج العمل، فهو مسلسل له طابع البطولة الجماعية، فيه حوالي 10 شخصيات تكاد تكون متساوية في الحجم والتأثير ومن خلفهم ١٠ شخصيات أخرى محورية، فكان الاختيار صعب وحَسَمه في الأخر الرؤيا الإنتاجية ورؤية المخرج خيري بشارة.

7-السبب في عدم عرض المسلسل في رمضان ٢٠١٧ بالرغم من الانتهاء من كتابته في شهر مارس أي قبل رمضان بحوالي شهرين والانتهاء من ٥٠٪‏ من تصوير حلقاته، يرجع لتعذّر إنتاجي في الشركة حيث كان لديهم مشروع آخر كبير هو مسلسل “ظل الرئيس”، وكانت المفاضلة إنتاجيًا لصالحه لأن مسلسل “الطوفان” يعتبر دراما اجتماعية كلاسيكية نوعًا ما، وبالتالي تصلح للعرض خارج السباق الرمضاني، وبإمكانه كسب الجمهور، ويجد صدىً طيب.

8– فيلم الطوفان لم يُعرض كثيرًا على شاشات الفضائيات وأعتقد أن المسلسل سيكون له حظ أوفر للمتابعة، ساعتها سيكون الإنجاز بالنسبة لنا هو وصول الرسالة التي نسعى لتقديمها لأكبر عدد من الناس وهي عن انهيار هرم القيم في مجتمعنا واستعدادنا أن نتقبل الصغائر حتى نجد أنفسنا متورطين في شيء أبشع.