وليد رشاد يكتب: كيف وصلنا إلى كأس العالم؟!

مخطئ من يظن أن طريق الوصول لكأس العالم 90 كان طريقاً سهلاً، على العكس تماماً فقد كان الصراع مريراً والطريق يحتشد بمزيج من لحظات الشهد والدموع، خاصة أن المنتخب قبل بداية المشوار مر بأسوأ عامٍ في تاريخ الكرة المصرية وهو عام 88، ففي نهاية عام 87 خرجت مصر أمام تونس فى المرحلة النهائية لتصفيات دورة سيول الأوليمبية بعد التعادل في الذهاب والإياب (0-0) وخسرت مصر بهدف النجم “جمال الأمام” في الوقت الإضافي.

وفي 8 يناير خسر المنتخب المصري المواجهة الأفروأسيوية في الدوحة أمام كوريا الجنوبية بضربات الترجيح (3-4) بعد التعادل (1-1)، وعلى مستوى أفريقيا خرج المنتخب لأول مرة في تاريخه من الدور الأول لبطولة الأمم الأفريقية في المغرب، وأخيراً حصل على المركز الثالث في كأس العرب في الأردن رغم عدم مشاركة منتخبات شمال أفريقيا بالمحترفين واشتراك السعودية بفريق الشباب.



وفي ظل تلك الأجواء وأمام تلك الإخفاقات المتتالية ولأن التصفيات كانت على الأبواب أدرك اتحاد الكرة برئاسة “حسن عبدون” أن عليه اختيار جهازًا فنيًا قويًا يقود المنتخب لمرحلة جديدة تماماً، واستقر الرأي على المدرب الوطني “محمود الجوهري” صاحب الإنجازات الكبيرة والبطولات العديدة مع النادي الأهلي، وصاحب أول بطولة أهلاوية لدوري الأبطال الأفريقي عام 1982، وتشكل الجهاز الفني الجديد وبات “الجوهري” أمام أول تحدٍ في مشواره والمتمثل في أن جيل الثمانينات الذهبي إما أنه اعتزل أو فقد قدرته على التمثيل الدولي، فقد اعتزل كلاً من “الخطيب”، و”فاروق جعفر”، و”مصطفى عبده”، وتراجع مستوى معظم نجوم الجيل.


وكان عليه أن يصنع توليفة جديدة فاستبعد معظم الكبار أمثال “عماد سليمان”، و”شوقى غريب”، و”محمد عمر”، و”إبراهيم يوسف”، بينما احتفظ فقط ببعض الكبار مثل “جمال عبد الحميد”، و”مجدي عبد الغني”، و”ربيع ياسين”، و”أحمد شوبير”، وشكل فريقاً جديداً من الشباب أمثال “هاني رمزي”، و”أحمد رمزي”، و”التوأم حسن”، و”أشرف قاسم”، واستعان بنجوم الأقاليم “أحمد الكاس” من الأوليمبي، و”هشام عبد الرسول” من المنيا، و”ياسر فاروق” من الترسانة، و”الأخوين عيد” من المحلة، واحتفظ ببعض أهل الثقة من لاعبي الأهلى الكبار، كاحتياطي استراتيجي مثل “محمد رمضان”، و”أيمن شوقي”، و”علاء ميهوب”، و”محمد عبد الجليل”، وأخيراً “ثابت البطل”، و”أسامة عرابي”، بينما ظلت علاقته بماراداونا النيل “طاهر أبو زيد” بين شد وجذب وشائعات متعددة.

واعتمد أساليب جديدة ومبتكرة سواء فى طريقة اللعب أو التدريب أو الشحن المعنوي أو تعبئة الرأي العام أو التعامل مع الإعلام، واستغل المجموعة السهلة التى وقعت فيها مصر والمكونة من مالاوي وليبيريا وكينيا، ونجح في نهاية الدور الأول من التصفيات في حصد أربع نقاط من فوز على ليبيريا وتعادلين خارجيين مع مالاوي وكينيا، وتصدر المجموعة وكانت نتيجة ممتازة، ولكن ثار الجميع ضده بعد الخسارة المفاجئة من ليبيريا في بداية الدور الثاني (0-1) في مونروفيا، والتي جعلت من مباراة العودة أمام مالاوي في استاد القاهرة مباراة تاريخية ولا بد فيها من الفوز.

والمثير أن المباراة كانت الخامسة في الترتيب وتتشابه في الترتيب مع مباراة الكونغو بالقاهرة ايضاً، وكذلك تتشابه معها في حتمية الفوز للوصول للمونديال، مع مراعاة اختلاف نظام التصفيات، حيث إن الوصول للمونديال وقتها -لأنهما فريقين فقط- كان يقتضي بعد تصدر المجموعة مباراة ذهاب وعودة مع بطل المجموعة الأولى، وقبل المباراة كان الضغط الجماهيري والإعلامي على  المنتخب و”الجوهري” في أعلى مستوياته، ولاح شبح الخروج المبكر في حال الفشل فى هزيمة منتخب مالاوي الذي لا يزال يحتفظ بأماله، وفي أمسية صيفية بديعة يوم 11 أغسطس احتشدت عشرات الألوف من الجماهير في استاد القاهرة والذين تواجدوا قبل المباراة بساعات، وفاجأ “الجوهري” الجمهور بتعديل كبير في التشكيل وطريقة اللعب فلعب 4-4-2 أو 4-3-3 بدلاً من 5-3-2 أو 5-4-1 بتأمينها الدفاعي المقيت والتي لعب بها مباراة ليبيريا السابقة، حيث دفع باللاعب “ياسر فاروق” في الظهير الأيسر على حساب “أحمد رمزي”، ولم يلعب بليبرو ودفع بمدافع المحلة “صابر عيد” في مركز قلب الدفاع إلى جوار “هاني رمزي” بدلاً من “أشرف قاسم”، كما لعب “بدر رجب” في وسط الملعب مكان “مجدي عبد الغني” خلف “أحمد الكاس”، ودفع باللاعب”هشام عبد الرسول” ناحية اليمين، واستبعد “محمد عبد الجليل” ودفع بجناح المصرى”طارق سليمان” ناحية اليسار، وفي الهجوم الثنائي التقليدي “جمال عبد الحميد”، “حسام حسن”.

https://www.youtube.com/watch?v=Ym7VqRYRH0k

وبدأ الهجوم المصري عاجزاً عن فك شفرة دفاع مالاوي، حتى جاء الفرج في الدقيقة 28 حينما انطلق “طارق سليمان” ناحية اليسار ومرر الكرة إلى “ياسر فاروق”، وهنا نترك المجال للتعليق التاريخي للكروان “ميمى الشربينى” والذى ما زال محفوراً في آذان المصريين، خاصة وهو يقول “وياسرر… يالا يا ياسررر” والتوقيفة كويسة من “حسام”، و”هشام عبد الرسوووول”.. جووول.. جووول.. جوووووول.. جوول (صوته مرتبكاً ومختلطاً بصراخ الجماهير) “هشام عبد الرسول” في الدقيقة.. في الدقيقة 28 يفك الاشتباك بينا وبين مالاوي، ويجيب الجوول الأول لمصر ولسه بأقولكم نجم المنيا الصاعد “هشام عبد الرسوول”.

وفازت مصر بهذا الهدف وتصدرت المجموعة وبعدها فوز سهل نسبياً على كينيا (2-0)، وتصبح المواجهة حتمية مع فريق الجزائر الرهيب، وتتضاعف الإثارة إذا عرفنا أن لقاء الذهاب أمام الجزائر في قسنطينة كان يوم 8 أكتوبر أيضاً (مفارقة قدرية)، ودفع “الجوهري” في المباراة بتشكيله المفضل المكون من “أحمد شوبير”، وخماسي الدفاع “إبراهيم حسن”، و”أشرف قاسم”، و”ربيع ياسين”، و”هشام يكن”، و”أحمد رمزي”، وثلاثي الوسط “مجدى عبد الغني”، و”هشام عبد الرسول”، و”أحمد الكاس”، وفي الهجوم الثنائي “جمال عبد الحميد”، و”حسام حسن” الذي أضاع العديد من الأهداف السهلة، ويقول “عبد الحميد” في مذكراته أنه حاول شد أزره في الطائرة متوقعاً أن يحرز هدف الفوز في مباراة العودة.

وحدث ذلك بالفعل حيث سجل “حسام حسن” في الدقيقة الرابعة من بداية المباراة وبعدها استمات “الجوهري” ولاعبيه في الدفاع عن الهدف، وكادت قلوب الجماهير التي احتشدت في إستاد القاهرة أن تتوقف مع الهجمات الجزائرية خصوصاً تلك الكرة الخطيرة في الشوط الثاني، واخيراً وصلت مصر لكأس العالم بعد غياب 56 عام.

ولا يتبقى من تلك التصفيات إلا ذكرى مباراة مالاوي الخامسة في مجموعة التصفيات، والتي كان يتحتم فيها الفوز وفازت مصر بشق الأنفس بهدف “عبد الرسول”، وبعدها مباراة الجزائر يوم 8 أكتوبر والتي قدم فيها المنتخب المصري مباراة هجومية راقية أحبطت الجزائريين وفاجأتهم، وكانت مفتاح الوصول لمونديال إيطاليا 90، ونتمنى أن تتكرر تلك الذكريات والمصادفات أيضاً يوم 8 أكتوبر في المباراة الخامسة أمام الكونغو بإستاد القاهرة في تصفيات مونديال 2018، في روسيا…  يا رب نفوز وتكون فال خير….