مها ناجي تكتب: خواطر عن الثلاثينيات

قيل لي دائما أن المرأة في الثلاثينيات من عمرها تكون أكثر أنوثة ونضجا من أي مرحلة أخرى من مراحل العمر، وأن سن الثلاثين هو العشرين الجديدة والشباب الحقيقي، مما جعلني مقبلة على تلك المرحلة بكل تفتح وتفاؤل.. وسذاجة! كان تخيلي -وأنا أصغر في السن- أنه عندما أدخل العقد الرابع من عمري، سوف أكون في منصب كبير ولدي زوج وعائلة محبة وحياة خالية من المتاعب، مثل التي نراها دائما في إعلانات التلفزيون للترويج للمنتجات المختلفة، والتي تعد بحياة مثالية في منتهى السعادة وراحة البال.

ولكن في الحقيقة، اكتشفت أن الثلاثينيات متعبة جدا.. فترة منهكة حقا بكل المقاييس.. من ناحية البنود فقد حققت فعلا كل ما تمنيته طبقا لخطتي، إن لم يكن أكثر… فقد تزوجت من أحببته منذ سنوات ورزقت بولدين هما أجمل ما في حياتي، ولا تستطيع الكلمات وصف مقدار حبي لهما، كما أنني منهمكة في عملي الذي أحبه وأبرع فيه.. ولكن المشكلة أنه لا يوجد وقت للاستمتاع بما تحقق، وأن المحافظة على تلك الحياة وما تم إنجازه يتطلب مجهودا جبارا بشكل يومي، وقتا ومجهودا وأعصابا، واستمرار المرأة في الحفاظ على التوازن بين الأولويات المختلفة صعب جدا. فكثيرا ما وجدت نفسي أفكر في التخلي عن واحدة منهم، ولكني أدرك وقتها أنني قد تخليت بالفعل عن الكثير؛ تخليت عن جميع ما يسمى بالهوايات.. أي شيء كنت أستمتع بعمله -ليس من أجل أحد ولكن لنفسي ولاستمتاعي الشخصي فقط.. تخليت عن وقت فراغي الذي كان من الممكن أن يكون مخصصا لتلك الهوايات وأصبح ضميري يؤنبني إن اكتشفت أن لدي عشر دقائق من الوقت غير المشغول بأحد الواجبات.. قد يكون ذلك الإحساس مقترنا بشخصيتي وقد يكون جزءا من تركيبة جميع الأمهات، ولكن في اعتقادى أن طبيعة المرحلة هي أنه لا يوجد وقت لأي شيء، إلا ما يجب عليك عمله وليس ما تحب عمله.

في الثلاثينيات اكتشفت أيضا أني -مثل الكثير ممن ينتمون إلى ما يسمى بالطبقة المتوسطة المرتفعة نسبيا-قد علقنا في ما أسميه فترة “عنق الزجاجة” –وأخص بالذكر من تزوجوا مبكرا… فلم يكن هناك فرصة لتأمين المستقبل بالادخار ولا يوجد الآن فرصة للادخار نظرا للمسؤوليات المتزايدة، والتي جعلت من عنق الزجاجة طريقا لا ينتهي.. ولا يبقى أمامك إلا خيارين: أن تخفض من مستوى معيشتك وكما يقال -تعيش على قدك، و أن تظل تكافح مثلما يجري الهامستر على العجلة الدوارة، على أمل أن تتوقف تلك العجلة في يوم من الأيام ويكون مازال لديك من الصحة ما يمكنك من الاستمتاع بما أنجزته.

وبالحديث عن الصحة فلا يسعني إلا أن أذكر أن لياقتي البدنية قد تدهورت، حيث أدركت ذلك عند مقارنتي لرعايتي لابني الكبير والرعاية التي يتلقاها الصغير، وأصبحت كما نقول “خلقي ضيق”. في اختلاف كبير عن العشرينيات من العمر.. وأصبح شعار المرحلة في العمل والمنزل “ننجز بقى متزهقونيش”،  والذي يطبق على الكل وفي معظم المواقف تقريبا. 

ولكن أهم تغيرات تلك المرحلة هي علاقتك بوالديك.. فصداقتك بهم تنمو أكثر من أي وقت مضى، وتستمتع بصحبتهم أكثر بكثير من أي وقت مضى، وتفتقدهم كثيرا.. لتتحول العلاقة من خوف من طرف واحد -وهو الأبوين بالطبع- إلى قلق متبادل؛ فمن ناحية، يستمران في خوفهما الطبيعي والمتوقع تجاهك، ومن ناحية أخرى ينمو لديك خوف من اختفائهم من حياتك وأنت لم تشبع منهما بعد.. ويغذى هذا الإحساس فقدان العديد ممن تحبهم من الأقارب والأصدقاء.. وعندها تدرك أنك قد كبرت واللعبة قلبت بجد.. وفي بعض الأحيان بوخت.

قد تكون الثلاثينيات مرحلة نضج، ولكنني في كثير من الأحيان أفقتد قصر نظر العشرينيات، وطاقة العشرينيات، وعدم وجود مسؤوليات أو مسببات للقلق.. لا أشكو حالي ولا أشعر بالندم إطلاقا، ولكنها مجرد فضفضة لأم في الثلاثينيات.