"أول حوار مع.." جملة تحولت من سبق صحفي إلى ابتذال

فاتن الوكيل

تتعدد مقومات الموضوع الصحفي الناجح بين تقديم معلومة جديدة ومفيدة للقارئ، وقوة المصادر التي يستعين بها الصحفي، وطريقة بناء قصته وأسلوبه في الكتابة، بالإضافة إلى مقومات أخرى، من بينها “السبق الصحفي”. السبق في الغالب يأخذ أهميته من صعوبة الوصول إلى المعلومة أو المصدر، أو الانفراد بإثارة قضية ما، لكن في الفترة الأخيرة، أصبح مصطلح السبق الصحفي مجرد وسيلة لجذب نظر القارئ، ليدفعه في النهاية إلى الضغط على رابط الموضوع ليس إلا، وهو ما يمكن ملاحظته بمجرد أن تكتب على محرك البحث “جوجل” جملة “أول حوار مع…”.

آخر استغلال لهذه الجملة، كان خلال تغطية واقعة الكشف عن العمل الحقيقي لحاتم الجمسي الذي عُرف إعلاميا بـ”المحلل الطباخ”، والذي اعتادت الفضائيات المصرية التواصل معه بصفته “المحلل السياسي” للشأن الأمريكي، ثم كشف تقرير لـ”نيويورك تايمز” عن عمله الأصلي كمالك لأحد المطاعم في أمريكا، وأنه خصص مكتبا في مطعمه ليقدم من خلاله التحليل السياسي على الأحداث المختلفة في الفضائيات المصرية.

كان من الطبيعي أن يحظى الأمر باهتمام الإعلام المصري، وخاصة المواقع الإلكترونية المتميزة في سرعة النقل والنشر وتداول المعلومات، لكن مرة أخرى تعود الرغبة في استغلال الحدث لجذب المزيد من “الترافيك”، وهو أمر أصبح مشروعا وسط الحالة الاقتصادية التي تعانيها الكيانات الصحفية، لكن الطريقة يجب أن تحافظ على احترام عقل القارئ، والتأكد من أنه سيذهب إلى الحوار الأجود وليس الأول.

موقع “مصرواي”، قام محرره، بإجراء اتصال بالجمسي يوم 17 سبتمبر، ليكون بالفعل أول تصريح من قبله لموقع إلكتروني مصري، بالرغم من ذلك لم تأت جملة “أول حوار” في مانشيت الموقع أو حتى على حساب السوشيال ميديا.

 

بعد ذلك توالت الحوارات على الجمسي، فنشر موقع “الوطن”، و”اليوم السابع”، حوارات له تمت عبر الهاتف، وهي نفس الطريقة التي تواصل بها “مصراوي” معه.

 

وعلى الرغم من أن تقرير “نيويورك تايمز” عن الجمسي، جاء في إطار نشر قصة نجاح لأحد المهاجرين، وهو ما أكدته سارة نير، الصحفية الأمريكية التي أجرت الحوار مع “الجمسي” عندما قالت لـ”مصراوي” إن “هذا الرجل يمثل قصة نجاح وهو مصدر إلهام للكثيرين”، لكن في مصر كان من الطبيعي أن يشعر الإعلام بالخداع، وبالتالي انتشر تقرير “نيويورك تايمز” في مصر على أنه كشف للحقيقة وليس نشرا لقصة كفاح.

هذا الهجوم دفع الجمسي إلى نفي تهمة “النصب” أثناء حديثه إلى المواقع الإلكترونية، حتى أنه مع الوقت بدأ يتبرأ من الحديث إلى المواقع والصحف المصرية، حتى ظهر على شاشة قناة extra news مع أسماء مصطفى مقدمة برنامج “هذا الصباح”، خلال تغطيتها فعاليات جلسات الأمم المتحدة من نيويورك، ليكون أول وآخر حوار تلفزيوني مع المحلل المثير للجدل.

بالعودة للفكرة الأصلية، وهي إساءة استخدام جملة “أول حوار مع..”، نجد أن من الغريب قيام موقع “التحرير” بنشر حوار يوم 18 سبتمبر معه على أنه الأول، بعد أن نشرت عدة مواقع حوارت معه، على رأسه مانشيت يقول: ” أول حوار مع حاتم الجمسي: أنا مش فطاطري.. ومهنيتي تفوق صحفيي أمريكا”!.

الأمر أصبح مثيرا للتساؤل أكثر من الاستنكار. ألم يُلاحظ أحد على مدار أكثر من 24 ساعة، أن تصريحات الرجل نُشرت في عدة مواقع بالفعل؟، وتم تداول تصريحات “الجمسي” حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن هذا الأمر سببه الاستسهال لجذب عدد أكبر القراء؟، والحقيقة أن هذا الأمر يمكنه الإضرار بالحوار نفسه وبمحرره الذي اجتهد لنشر حوار من زاوية أخرى غير التي تم تداولها، وبالتراكم سيضر بصورة المواقع الإلكترونية في أعين القارئ بشكل عام.