محمد أبو مندور : إعلام "التكاتك" الموازي

اعتدنا على مسمى الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي لوصف ما يندرج تحته اقتصاد ما يسمى ببئر السلم من صناعات وأنشطة غير مسجلة وبالتالي لا تحاسب ضريبياً، على نفس النهج هناك إعلام موازي من نفس النوع ونتاج نفس أصحاب وعناصر هذا الاقتصاد. هذا النوع من الإعلام يتمتع بكافة عناصر الإعلام العادي فمنه المقروء والمسموع والمرئي، وإن اختلفت الوسائل المستخدمة في النشر وتتباين فيه دوائر التأثير والتغطية.

 

قد يقول البعض أن هذا النوع من الاعلام ما هو إلا ظاهرة وقتية ما تلبث وأن تختفي بعد حين، لكن الواقع يقول أن تلك (الظاهرة) تكاد تكون مستمرة منذ بداية حقبة الانفتاح السلاح مداح والذي خلق نوعية مستقلة من البشر لهم طبائعهم وأخلاقهم وعاداتهم وأذواقهم المختلفة عما هو سائد في المجتمع.

 

في الوقت الحالي تجد أمثلة لهذا الاعلام على الجانب الخلفي لسيارات النقل والتوك توك فمنذ السبعينيات انتشرت عبارات مثل “يا ناس يا شر كفاية أر” و “عين الحسود فيها عود” للوقاية من الحسد، تطور إلي التعبير عن نفس الموضوع بعبارة “ما تبصش كتير بعنيك لتوجعك ساعتها ماحدش حينفعك” أو “ما تبصش كده يا عبيط الحلوة جاية بالتقسيط” ويدفعه الخوف من الحسد الى استخدام عبارات تورية مثل “آه منك يا عين” متبوعة بصورة لعين زرقاء.

 

تجد أيضاً في عبارات التكاتك (جمع توك توك) ما يعبر عن الرومانسية التي يمتع بها صاحبه والتي عبر عنها بجملة قصيرة أو اسم أغنية أو فيلم مثل “هجر الحبيب” أو “كتاب حياتي يا عين” أو “أيامنا الحلوة” أو الاستعانة بعبارات من أغاني معروفة خصوصا أغنيات عبدالحليم وأم كلثوم مثل “أنساك ده كلام” أو “الحلوة سحرتني بعنيها الحلوة”

 

لا يخلو الأمر من الطائفية الدينية فستجد من يضع الشهادتين بشكل مبالغ فيه وآخر يضع عبارة “ربنا موجود” و “أم النور” ومن يسئ استخدام آيات قرآنية لمجرد ان أباه كان يدعى (صالح) فيضع آية (وكان أبوهما صالحاً) معتقداً أن أباه هو المقصود. إضافة لإستغلال الدين سياسيأ ومن أشهر أمثلته “هل صليت على النبي اليوم؟”

 

هناك العديد من العبارات التي تحاول إبراز جانب الحكمة التي يتمتع بها صاحب السيارة مثل “عتاب الندل … اجتنابه”، “ما فيش صاحب يتصاحب”، “سلام يا بلد الكلام”، أو يمكن أن تجد من يعبر عن مروره بتجارب عاطفية طاحنة بكتابة عبارات مثل “اتنين مالهمش أمان .. الفرامل والنسوان” وهناك من حولها بعد ثورة ٣٠ يونيو الى “الفرامل والإخوان”. يضاف إلى كل ماسبق وضع العبارات ذات المغزى المبطن، حيث هناك من قام بعملية تهريب مخدرات اغتنى على أثرها واشترى سيارة نقل فاخرة ولم يسلم من كلام الناس فقام بوضع عبارة لإخراس الألسن عنه قائلاً “هي جت كده… واللي عنده كلمة يلمَها”، وآخر وضع عبارات لم أفهم المغزى منها مثل “كلهم شمال!” وعبارة أخرى “كنت فاكرها ملاك…طلعت بتروح هناك”