أندرو محسن يكتب : سمير فريد.. حضور لا يقدر عليه الغياب

شخصيات نادرة التي نجد الجميع يرثيها بمقدار الحزن نفسه، الناقد السينمائي الراحل سمير فريد واحد من هذه الشخصيات.

من المريح والمطلوب دائمًا وجود شخص مثل سمير فريد في أي مهنة، هذا الارتكان لوجود “أستاذ” حتى وإن لم يكن حاضرًا دائمًا ولكن يكفي الشعور بأنه موجود عند الحاجة إليه في أي رأي قاطع. أستاذية سمير فريد في النقد السينمائي أمر من النادر الخلاف عليه، فعلى اختلاف بعض النقاد معه في عدة آراء إلا أن هذا لا يمنع أن تظل قامته رفيعة وسطهم دائمًا، وهذا لأن الدور الذي قدمه سمير فريد لحركة النقد السينمائي في مصر ليس بالقليل، لا نبالغ إن قلنا أن جميع أجيال النقاد التالية لسمير فريد مدينة له بالفضل الأكبر، بعبارة أخرى، يمكن التأريخ للعديد من المراحل الأهم في حركة النقد السينمائي في مصر بقول: “قبل سمير فريد وبعد سمير فريد”.

بينما كانت الصحافة الفنية حاضر بالفعل في نهاية الستينيات من القرن الماضي حينما بدأ الأستاذ عمله الصحفي، فإن مصطلح “ناقد سينمائي” لم يكن موجودًا بشكل رسمي كما هو اليوم، بل هناك فقط “ناقد فني” يمارس النقد في كل الفنون من سينما ومسرح وغناء، لكن سمير فريد كان يرى أنه يجب أن يكون هناك ناقد سينمائي تحديدًا وليس مجرد صحفي فني أو ناقد فني، وإصراره على الدفع باتجاه هذه التغيير ظهر بأكثر من شكل.

بداية من الخلاف مع أسرته الذين كانوا يصرون على أن يسبق اسمه لقب “صحفي” في حين كان يصر أن يكون لقبه “ناقد سينمائي”، مما جعله يستغل نعي جده ليكتب في النعي “ناقد سينمائي” ليؤكد أمامهم أنه لن يتخلى عن هذا اللقب. لكن المواجهة الأهم كانت مع الوسط الصحفي في مصر الذي كان الكثيرون فيه يفضلون لقب “ناقد فني” على “ناقد سينمائي”.

يعد أحد أهم ما قدمه سمير فريد للحركة النقدية في مصر هو السعي لإنشاء “جمعية نقاد السينما المصريين” بداية من عام 1969 هذه الجهود التي كللت بالنجاح في عام 1972 بإنشاء الجمعية ثم تسجيلها في العام نفسه ضمن الاتحاد الدولي لنقاد السينما. وما أخر ظهور الجمعية للنور هو الخلاف السابق نفسه، فقد رأى الكثير من النقاد آنذاك استخدام لقب “ناقد فني” فيما أصر سمير فريد ومعه آخرون على “ناقد سينمائي” إلى أن نجحوا في إنشاء الجمعية والحفاظ على هذا اللقب، لهذا نقول أن كل من يحمل لقب ناقد سينمائي حاليًا مدين بالجزء الأكبر من الفضل للأستاذ الراحل.

اللافت للنظر بالأكثر لأستاذية سمير فريد ليس هو اعتراف الأجيال التالية له بفضله، ولكن كذلك في إعلان الكثير من أبناء جيله أنفسهم بالدور الريادي له، فهناك من يذكر أنه كان يُحضر كتالوجات المهرجانات التي يحضرها ويترجمها، وهناك من يؤكد على تشجيعه الدائم للآخرين لحضور المهرجانات الدولية الكبرى.

لهذا لا يعد غريبًا أن يكون اسم سمير فريد يعني مرجعًا لكل ما يخص تاريخ “جمعية نقاد السينما المصريين” وكذلك مرجعًا لعدة مهرجانات دولية كبرى بكل تفاصيلها، هذا بجانب معرفته بالكثير من التفاصيل التحضيرية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لدوراته الأولى، وبلفظ مرجع هنا نعني مرجعًا بالفعل، كل من تعامل مع سمير فريد كان يرى فيه هذه القدرة المدهشة على استعادة أدق التفاصيل من أحداث وأسماء وتواريخ وذلك حتى آخر أيامه.

كل ما سبق هو جزء مما قدمه سمير فريد للنقاد، لكنه كأستاذ حقيقي لا يترك بصماته لدى تلاميذه فقط بل يمتد تأثيره إلى العلم نفسه، علم وعالم السينما هنا. شهد تيار المخرجين الجدد الذي بدأ مع الثمانينيات مقاومة وهجومًا بسبب ما قدموه من رؤية واقعية دون تجميل للواقع المصري آنذاك، فرأى البعض أن ما يقدمونه هو تشويه لمصر، بينما كان سمير فريد من أوائل الداعمين لهذا التيار من خلال مقالاته النقدية، هذه المقالات كانت بمثابة دفعة معنوية لصناع هذه الأفلام بالإضافة لنافذة هامة لمشاهدي السينما لتعريفهم بجماليات هذه الأفلام، وربما لا يدرك الكثيرون مما يستخدمون تعبير “الواقعية الجديدة” للتعبير عن هذه الأفلام أن سمير فريد هو من أطلق هذا المصطلح عن هذه الأفلام ومخرجيها ليصبح حتى اليوم هو الاسم الرسمي لهذه الحقبة الهامة في تاريخ السينما.

بجانب هذا الدور الهام، كان هناك دورًا آخر لعبه من خلال “الشركة العالمية للتليفزيون والسينما” المملوكة لحسين القلا، عمل سمير فريد طوال 20 شهرًا مع القلا، ومع بداية عملهما قال فريد للقلا “إذا أردت أن تكون أقوى منتج في مصر عليك التعاقد مع هؤلاء المخرجين” وكان يعني بهؤلاء كلًا من عاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان وغيرهم، وهو ما كان بالفعل ليخرج من خلال هذا التعاون عدد من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية.

ربما لا يدرك الكثيرون قيمة النقد السينمائي وتأثيره هنا في مصر، ولكن التميز الذي كان عليه الأستاذ كان أكبر من ألا يلفت الأنظار، ليس في مصر فقط بل في العالم أيضًا، وكتكريم أخير يليق بقيمة سمير فريد، منحه مهرجان برلين “كاميرا برلين”  وهي جائزة تكريمية يمنحها المهرجان للأشخاص أو المؤسسات الذين تركوا بصمة هامة لديهم، وفي كلمتهم عنه كتبوا: “كخبير في السينما، كانت آرائه مطلوبة في كل أنحاء العالم” لا نعتقد أن هناك أي ناقد سينمائي في العالم يطمح لأن يكون هذا ما يكتبه عنه أحد أهم مهرجانات العالم، الرحيل بعد هذا التكريم كان أفضل نهاية سينمائية سعيدة تليق بالأستاذ.

على الرغم من الفراغ غير العادي الذي سيتركه رحيل سمير فريد إلا إن الغياب أمام كل هذا الحضور الاستثنائي الذي تركه سيبقى غيابًا خافتًا.

حسين القلا”: منتج فلسطيني أسس الشركة العالمية للتليفزيون والسينما في منتصف الثمانينيات ومن خلالها أنتج عددًا من الأفلام ودعم مخرجي هذه الفترة مع تيارة الواقعية الجديدة، مثل خيري بشارة (يوم مر يوم حلو) وداود عبد السيد (الكيت كات) ومحمد خان (أحلام هند وكاميليا).