نرمين سعد الدين تكتب : #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري ..هاشتاج بطعم المرار والوجع

في نهايات شهر مارس قرر ذئب أدمي التجرد من أي مشاعر إنسانية وانتهك براءة رضيعة، رضيعة لم يتعدى عمرها سنة وثمانية أشهر، هكذا في لحظة انتهت حياتها التي لم تبدأ بعد، وانتشر الخبر في الميديا بكل أنواعها كانتشار النار غي الهشيم، وانتفض الرأي العام للمطالبة بإعدام هذا الشيطان، ولم يكد المجتمع يفيق من تلك الصدمة حتى فوجيء في نهاية نفس الشهر بعدد من الشباب يتجمع حول فتاة في الشرقية عائدة من فرح صديقتها لينتهكوها أيضا، فتاة حدث وتجمع جولها معظم شباب البلدة!!!

هذين الحادثين أثار شجون وذكريات حزينة لدى بعض الفتيات اللتين قررا تدشين هاشتاج على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ومنه انتقل إلى فيس بوك

كان هذا الهاشتاج الذي قررا أن يسمياه (أول محاولة تحرش كان عمري) يتناولن فيه عدد من الفتيات ذكرياتهم مع اول حادث تحرش، ورغم غرابة الفكرة واستهجاني لها في البداية واعتباري أنها لحظة جرأة مجنونة لا طائل من وراءها، لكن بعد مطالعة عدد لا بأس به من التويتات والمنشورات بدأت ارتجف من هول ما قرأت، غالب أعمار البنات المتعرضات للتحرش كان في سن الطفولة، الكثير منهم من الأهل والأقارب، وعدد ليس بالقليل من مدرسيهم، كثير من الفتيات كان أعلى سن تعرضن فيه للتحرش هو 16 عام وأقل سن هو 5 سنوات

وبالرغم من استنكار بعض الذكور لتلك الحوادث وانكارها والتشكيك في رواياتها بحجة أن الكثير منها في سن الخمس أو الست سنوات وأن ذاكرة الطفل غير مؤهلة لحفظ الأحداث وبدقة، والا أعلم أين أتوا بتلك المعلومة فأنا أذكر العديد من الأحداث العادية في طفولتي، فما بالك بأحداث موجعة تعرضن لها تلك الفتيات وحفرت في قلوبهن قبل عقولهن، ومن المرجح أن الكثير منهن لم يكن يدركن حينها معنى ومغزي ما حدث معهن ولكن عندما كبرن وانتشر مثل تلك الحوادث وبدأ التركيز على نشرها والتحذير منها تذكرن وفهمن وتألمن بشدة

بالفعل فلو قرأنا تجاربهن في هذا الهاشتاج سنجد أنها حملت الكثير من كلمات الآلم والمرارة في الحكي، وبعضها كان مختصر بشدة مما يوحي أن من كتبته كانت تنفض التراب عن آلمها وتواجهه ولكن على استحياء فنجدها قالت بعد الهاشتاج ثلاث كلمات لا أكثر ( كان عمري 5 من جدي )

هكذا فقط قالتها واختفت، وأغلب الظن أنها قالت وبكت على أقل تقدير، يمكنني أن أنسج في خيالي العديد والعديد من الروايات عن شعورها أو ما مرت به بعد تجربة الاعتراف تلك ولكنني أبدا لن أصل لما كانت تشعر به تحديداً، كذلك ذكرت اخرى نصا بعد الهاشتاج (7سنين من الراجل اللي مفروض يكون ضهري، حاجه كدا مش بس محفوره في ذاكرتي دي اول كسره نفس قوتني في الدنيا)، وأظن أن أي كلام بعد هذا الاعتراف لن يكفي ولن يعبر أبدا عن مدى الانحطاط والانحدار الذي وصلنا له

من أعمار الفتيات الحالية فتلك الظاهرة ليست وليدة تلك الفترة، والا سببها كما يدعي البعض الأزمة الاقتصادية والأنفلات الأخلاقي لدى الفتيات، فمعظمهن تعرضن للتحرش من ذويهم وفي سن مبكر، مبكر جدا، ظاهرة منتشرة من زمن ولكن للاسف كانت حبيسة صدور من تعرضن لها فقط فقليل منهن اللذين اتخذا رد فعل في حينه وتم معاقبة المتحرش، والآن أتى هذا الهاشتاج ليفضح تلك الظاهرة بقوة

في الحقيقة أنا مش قادره أسرد كل التويتات والمنشورات بتعليقاتها، ليس فقط لكثرتها فسردها كلها يحتاج بحث أو دراسة حالة وليس مقال، وأنما لآن سرد كل تلك الحوادث يثير الغثيان والوجع، فأنا اعترف لكم أني لم استطع قراءة كل ما كتب تحت هذا الهاشتاج، بعد عدد لم يتجاوز أصابع اليدين انتابني الفزع، وبدأ الخوف والذكريات تطاردني، نعم لا تتعجبوا فكما قال أحدهم تعليقا على هذا الهاشتاج أن الانطباع الذي أتخده من قرأته أن مصر ليس بها فتاة لم يتحرش بها بشكل أو أخر، كبيرة كانت أم صغيرة، في أي مكان أو حتى في المواصلات

وللاسف هناك من يبرر له، وهناك من يدافع عن المتحرش والمغتصب، فهل بعد تلك الانتفاضة سنجد حلا لتلك الظاهرة، أم انها ستكون مجرد فضفضة على فضاء النت وكأننا نتجرد من أمراضنا النفسية أمام الطبيب لنرتاح فقط، هل سينتهي التبرير بعد انتشار أي حادث أم سنظل كالنعام ندفن روؤسنا لننعم ببعض الراحة المزيفة ويستكين الضمير.