ياسر أيوب يكتب : كرة القدم بين الطب والهندسة

نقلًا عن “المصري اليوم”

فى سنوات الجامعة.. كان لدينا أستاذ عظيم ورائع فى طب أمراض النساء والتوليد هو الدكتور عباس الشربينى.. وكان يقول لنا دائما إن دراسة الجسد البشرى تختلف تماما عن دراسة الهندسة والحساب والأرقام وكل العلوم التى لها قوانين ثابتة ودائمة لا يمكن تغييرها وتكسيرها.. وإن حاصل جمع 2 زائد 2 سيبقى دائما 4 ولن يتغير فى أى يوم ولأى سبب ليصبح 3 أو 5.. أما فى الطب.. وداخل أجسامنا.. فلا يوجد شىء ثابت أو حقيقة دائمة أو قواعد صلبة إلى هذا الحد..

وهناك بيننا كثيرون جدا يحاولون طول الوقت أن يخطفوا كرة القدم من الطب إلى الهندسة.. يريدونها لعبة رقمية لا تتغير وقائعها ومعادلاتها وحساباتها، بينما هى فى الحقيقة لعبة إنسانية، فيها كل الاحتمالات ممكنة، وكل المفاجآت واردة بعيدا عن أى منطق أو قانون.. ومع احترامى الحقيقى والدائم لكل استديوهات التحليل الكروى.. إلا أن أصحابها ونجومها ينسون أحيانا حقيقة كرة القدم، فيتعاملون معها فى الاستديو كأنها حساب وهندسة، بينما هى هناك فى الملعب تماما كالطب لا تعترف بأن جمع 2 زائد 2 لابد أن يكون دائما 4.. ليست استديوهات التحليل فقط، إنما كثير أيضا من جماهير كرة القدم وعشاقها.. وبمنطق الطب لا الهندسة..

يمكن جدا أن تكون هناك أسباب أخرى لخسارة الزمالك أمام سموحة، أمس الأول، بعيدا عن حكاية تغيير المدربين أو رحيل محمد حلمى أو سوء اختيار التشكيل وأخطاء التغيير.. وأسباب أخرى أيضا لتألق «كوليبالى» مع الأهلى أمام «الداخلية».. وليس من اللائق أن نلجأ طول الوقت للتفاسير سابقة التجهيز حين يفاجئنا أى لاعب بتراجع مستواه وضعف أدائه وقلة حيلته.. فليس من الضرورى أن يكون سبب ذلك سلوكه الأخلاقى أو السهر أو أى أخطاء وتجاوزات..

إنما قد تكون هناك أسباب أخرى مثل خوف أو إحباط أو حزن أو ألم نفسى وجسدى هو السبب الذى لا يراه أحد.. تماما مثلما يتألق لاعب بشكل مفاجئ، فلا يتردد كثيرون فى منحه شهادات التقدير والإعجاب بموهبته الكبيرة.. وقد تكون الموهبة حقيقية بالفعل كانت فقط تحتاج لإزالة الغبار.. وقد يكون هذا التألق المفاجئ نتيجة أحاسيس تكوَّمت كثيرا وطويلا داخله واختلط اللعب بالغضب بالجروح والرغبة فى الصراخ لمجرد إثبات الذات.. ولأننا غالبا نُصِرّ على تجاهل هذه الحقائق..

ستبقى كرة القدم دائما تفاجئنا بنتائجها، فيخسر الذى توقعنا له الفوز، ويتألق الذى تخيلنا عدم صلاحيته، ويفوز الذى انتظرنا هزيمته، ويخذلنا الذى كنا نراهن عليه كثيرا وطويلا.. وستبقى كرة القدم لا تعترف بأى أحكام سريعة وانفعالات مفاجئة والتعامل معها كأنها أحد علوم الحساب والهندسة.. فالإنسان قد يستطيع فجأة القيام بما لم يكن يتخيل أنه قادر عليه لمجرد دافع إنسانى لم يكن فى الحسبان، أو يعجز عن القيام بما اعتاد عليه لأنه خسر إرادته وفقد الرغبة مؤقتا فى أى نجاح.. فكل أسرارنا تبقى هناك بعيدا داخل أعماق أجسادنا لا يراها أو ينتبه إليها أحد غيرنا.