كيفية بناء خطة تدريب محترفة للمؤسسات الإعلامية

خالد البرماوي

نقلاً عن النشرة الأسبوعية لمنتدى المحررين المصريين

هل يختلف أحد على أن السائقين والسيارات هم أثمن الأصول التي تملكها شركة تعمل في مجال نقل الركاب؛ لذلك تكون عملية الصيانة ضرورية لا من قبيل الرفاهية، ولا من باب التفكير المبدع الخارق للعادة، فصيانة الأصول هنا من واجبات العمل ومقتضياته.

فما بالنا بصناعة تعتمد بصورة رئيسية على الكفاءات البشرية والإمكانات والأدوات التقنية، فهل يمكن أن تنجح دون أن يكون لديها منظومة صيانة/تدريب جيد؟ وهل يمكن للإعلام الذي يعتمد على الكفاءات البشرية بصورة أساسية أن يستمر دون أن تكون لديه خطة واضحة ومحترفة للتدريب؟.

ماذا عن التكلفة ؟ في الواقع هذه أبرز عقبة / حجة ترددها المؤسسات الإعلامية في مصر. ورغم أن هناك أكثر من إجابة منطقية لها. لكن أبسطها: حسنا، هل تستطيعون إدارة شركة بسيارات متهالكة وسائقين غير مدربين؟!

لننتقل لمساحة الفعل، هذه أبرز النقاط التي يجب أن تأخذها أي مؤسسة إعلامية في اعتبارها عندما تبنى خطة تدريب سنوية لفريق العمل.

الخطة قبل الخطة !

ليس لغزًا على الإطلاق، ولكن لا يمكن أن تنجح أي مؤسسة في بناء خطة تدريب ناجحة دون أن يكون لديها خطة أشمل موضح فيها ببساطة وبصورة مباشرة: من هي، وأين تريد أن تذهب، ولماذا، وبمن؟ كما أوضحنا في الاعداد الأولى من “النيوزليتر”، ثم تأتي خطة التوظيف التي تحدثنا عنها في العدد السابق، وبعدها خطة التدريب السنوية؛ وفي حالة التأسيس تأخذ شكلا مختلفا عن كونها خطة سنوية، وهذه الأخيرة ستكون محل تركيزا.

يجب أن تكون الخطة محددة الأهداف والاحتياجات، والتي بدورها تعتمد على ما تفكر فيه المؤسسة وما تخطط له، فلو أن هناك خطة للقناة أو للموقع أو للصحيفة لتأسيس قسم جديد مثل “لايف استايل”، أو الخدمات، وأماكن الفسح، الخ
أو ربما يخطط للبدء في بث محتوى فيديو مباشر على صفحة فيس بوك” live streaming” فهذا معناه أن كل الفرق على الأرض يجب أن يكون لديها مهارات التصور الأولية؛ ولو سيطلب منها بث تغريدات مباشرة، سيكون عليها التدريب على سرعة الكتابة والاختزال.

وقد يكون التدريب متقدمًا في أمور فنية مثل التصوير بتقنية 360، أو الواقع التخيلي أو المعزز، أو تريد المؤسسة ” إنفوجرافيكس/فيديوجرافيكس.”

ويطلب من مسؤول كل قسم أن يضع عناوين رئيسة للتدريب الذي يريده لفريقه، وعدد الساعات المقترحة، والمستوى الذي يطمح في بلوغه، وفقا لخطة أشمل سنوية. مثلا: يضع رئيس قسم الإنتاج التليفزيوني خطة لتدريب فريق العمل على إنتاج برامج قصيرة للفيس بوك، أو رئيس المحتوى الرياضي، يريد أن يدرب فريق العمل على News game أو القصص التفاعلية.

وهكذا يتم جمع كل الخطط الفرعية للأقسام والمكاتب الفرعية والأصلية، لتكون في النهاية لوحة فسيفسائية لخطة تدريب المؤسسة، ويفضل دائمًا أن تكون عناوين التدريبات المستهدفة من ترشيحات رؤساء الأقسام، لكي تلمس الاحتياجات التدريبية الحقيقة وليست الظنية، وأيضا للعمل على سد الذرائع لفشل خطط التطوير!

منهج التدريب:

لكي نصل لهذه المرحلة بشكل صحيح، يجب أن نطمئن أن المرحلة السابقة تمت تحت إشراف مباشر من إدارة الموقع أو القناة أو الصحيفة، بالاشتراك مع فريق الموارد البشرية، أو مسؤول/ مستشار التدريب والتطوير إن وجد (كل المؤسسات الإعلامية المتوسطة لديها مدير تدريب، والمؤسسات الكبرى بات لديها فريق كامل للتدريب والابداع).

بعدها تحال الأمور لتقييم هذه الاحتياجات وترتيبات أولوياتها، ويقوم المعنين بتنظيم التدريب بجمع المشترك بين الأقسام المختلفة، ووضع منهج التدريب المناسب لكل نوع من العناوين المقترحة.

وبشكل عام منهج التدريب المحترف وفلسفته تدور حول أهداف ثلاث رئيسية: ممارسة مهارات جديده Skills مثل الكتابة للإنترنت والتصوير والبحث على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي؛ أو نقل Knowledgeمعارف جديد للمتدربين، مثل علوم سياسية أو اقتـصادية أو نظريــات إعلامية حديثة؛ أو التغيير في منظومة السلوك Attitude/ Behavior وهي الأصعب على الإطلاق، مثل خلق مناخ تعاوني بين فريق العمل، التعامل مع المصادر، مواجهة التعصب، أو حتى ترشيد موارد المؤسسة.

وبناء على ذلك يتم تحديد كل عنصر تدريب مقترح، وطريقة التدريب المثلي له، فالمعارف لا تحتاج قدرا كبيرا من الممارسة بقدر الاطلاع، بينما المهارات تحتاج تدريب وممارسة أكبر، وتغير السلوك يحتاج على آلية الملاحظة والنقاش والتفاعل، وهكذا.

ودون أن يتم وضع هذه الأسس بشكل صحيح، ربما سيكون لدينا بعض ورش التدريب الناجحة، ولكن ستكون الفائدة العائدة على فرق العمل محل شك.

اللوجستك:

أغلب ورش التدريب لا تؤتي ثمارها لعاملين رئيسيين: أما ضعف المحتوى التدريبي، أو لوجود مشكلة ما في التنظيم. لذا يجب أن تشمل خطة التدريب الناجحة على كافة التفاصيل الممكنة لتوفير أسباب النجاح. وأبرزها:

المتدربين: أسوا كابوس يمكن أن يتعرض له أي مدرب، أن يكون أمام تباين كبير بين مستويات المتدربين، وهذه بالأساس مسؤولية المشرفين على التدريب في المؤسسة، ودون تحقيق تقارب ولا نقول تماثل في المستويات نفقد على الأقل نصف قوة التدريب، كذلك عدم وجود دافع أو حافز يجعل نقطة الانطلاق صعبة.

المدرب: رفاهية اختيار مدرب محترف لا تكون دائمة متاحة، ومع ذلك هناك عناوين محددة يجب أن يتم الاستعانة فيها بمدربين محترفين، وأحيانا يكون شخص من قلب الفريق لديه خبرية جيدة+مهارات تواصل وقدرة على عرض المحتوى سيكون مفيدا، مثل كبير المصورين، أو محرر فيديو محترف، يمكن أن يفيد في نقلة المرحلة الأولى من المهارات لفرق العمل الأساسية.

التوقيت: لو أننا نخطط بشكل سنوي، سنقلل كثيرا من عنصر المفاجأة، وسنختار التوقيتات المثلى، وهي أول أيام الأسبوع، الفترة النهارية، ويجب أن يتفرغ المتدربين طوال أيام التدريب، وليس فقط أثناء ساعات التدريب التي تكون في حدود 5-7 ساعات في اليوم، ولا تزيد عن خمسة أيام متواصلة. ويفضل أن تكون ورشة التدريب قبيل تأسيس القسم أو الخدمة التي تنوى المؤسسة إطلاقها.

المكان: حسب طبيعة التدريب يكون المكان، فقد يكون في مكان العمل نفسه أو بعيدا عنه جدا، أو في حديقة أو في معسكرات تدريب متخصصة، ويفضل أن تخصص المؤسسة قاعة دائمة للتدريب أو ربما قاعة الاجتماعات لو كانت مناسبة وبها مساحة تسمح بالأنشطة اللازمة للتدريب. ويمكن الاتفاق مع نقابة الصحفيين وتأجير قاعة هناك، ولو الميزانية تسمح قاعة في فندق ثلاث نجوم ستكون كافية، أو ربما تأجير قاعة في المكاتب المفتوحة التي بدأت تنتشر في القاعة، وايجار قاعة متوسطة مجهزة 100/ساعة تقريبا.

الأدوات: حسب طبيعة كل تدريب تكون الأدوات الخاصة به، فتدريب على مهارات VO، يحتاج تجهيزات مختلفة عن التدريب على الكتابة الصحفية وفقا للمعاير العالمية، ويختلف الأمر كذلك عن تدريب على مهارات التصوير بالموبايل أو بكاميرات احترافية، أو تحرير فيديو، الخ

التقييم والمتابعة:

لو أن الخطوات السابقة تمت بشكل جيد، ستكون مهمة التقييم والمتابعة أسهل كثيرا، لأنها ستزيد من فرص نجاح التدريب، وبالتالي من الاستفادة الحقيقة من الخطة، وهنا يجب أن يكون لكل ورشة معايير تقييم ومتابعة مستقلة، من خلال استمارات تقييم، أو بالتواصل المباشرة مع المدرب، وفي مرحلة لاحقة مع رؤساء الاقسام لقياس مدى ما لمسوه من تطور فريق عملهم بعد الحصول على التدريب الذي طلبه.

ويبقى العنصر الأهم في التقييم هنا، قياس النتائج على أرض الواقع. فمثلا نستطيع أن نقيس عدد ومدى جودة محتوى التقارير الخارجية أو استطلاعات Vox pop التي قام بها فريق البرنامج الصباحي في القناة، بعد حصوله على التدريب المناسب، ونقارن ذلك بالسابق، وهكذا نتابع ونقيم كل تدريب، وكل مرحلة لو كان مرتبط بسلسة.

الخلاصة: يجب أن يكون للمؤسسة استراتيجية واضحة في التدريب نابعة من قناعة راسخة أن هذا هو سبيلها للبقاء والضمان الحقيق لبقاء أصولها في حالة تنافسية عالية؛ هذه القناعة لو توافرت ستعيد المؤسسة ترتيب أوليات أنفاقها، وتعمل على توفير الموارد اللازمة لبناء خطة تدريب سنوية.

ولضمان الدافع والحافز، يفضل توفير ساعات تدريب محددة لعناوين محددة اجباريا واختياريا لكل فرق العمل، والتقييم والمحاسبة تكون حسب أهمية عنصر التدريب لطبيعة العمل وذلك وفقا لخطة كل قسم، ويمكن ربط التدريب بمؤشر الأداء KPIs، وأيضا بالترشيحات الداخلية للوظائف المتاحة، أو الزيادة في الرواتب.

يمكن كذلك أن تدخل المؤسسات الإعلامية في شراكة مع مؤسسات عالمية لها سمعتها، أو تشجع الصحفيين على التقدم لمنح تدريب دولية، ويمكن أن تساهم مثلا بمصاريف الانتقالات أو المعيشة، بعض المؤسسات تعطي منحة تفرغ كاملة مدفوعة الأجر للعاملين في حالة الدراسة الخارجية لمدة عام أو عامين. لأنها ببساطة تعرف أن مستقبلها مرهون بقدرتها على ملاحقة التطورات التكنولوجيا، وبناء فريق عمل محترف ومتمكن من أدواته ولديه شغف في أن يضيف لنفسه ولمؤسسته.

 للاشتراك في نشرة المنتدى من هنا

للاشتراك في صفحة المنتدى على الفيس بوك من هنا