عزيزي المواطن احترس..الميكرفون به سم قاتل

هبة محمد على

كاميرا ومايك ومراسل، عناصر ثلاثة يعد وجودها في أي شارع دافعًا أساسيًا للتجمهر، فوجودهم مجتمعين يداعب لدى قطاع كبير من المصريين رغبتهم الدائمة في الظهور على شاشة التلفزيون، حتى لو بدى ذلك الظهور فاقدا للمعلومة، منعدمًا للقيمة، بالإضافة إلى غريزتى الفضول، وحب الاستطلاع التي يثيرها مشهد الكاميرا فى الشارع منذ التسعينيات، منذ أن بدأ طارق علام يتجول بكاميرته في شوارع القاهرة – ولاسيما منطقة الزمالك- ليبحث من بين الجماهير الغفيرة التي تسير خلفه لمسافات طويلة عن شخض يمتلك إجابة سؤال برنامجه “كلام من دهب” في زمن لم يكن يعرف المصريون فيه بعد موقع البحث جوجل.

https://www.youtube.com/watch?v=0tT0CUIG9QI

 

بالطبع الوضع قد تغير الآن تماما، فالأمر لم يعد له هيبة التسعينيات، فقد زادت عدد الكاميرات التي تستطلع رأي الجمهور في الأحداث عامة، وأصبحت التقارير المصورة جزء من عمل المواقع الإخبارية، كما أصبح لكل برنامج مراسل يصنع تقاريرا خارجية وسط الجمهورعن الموضوع الذى سيتم مناقشته داخل الحلقة، ولاشك أن هذا الأمر قد خلق بعدا جديدا للنقاش، لكنه حمل العديد من السلبيات التى يمكن اعتبارها نتيجة طبيعية للاعتماد غير المحسوب على مثل تلك التقارير وتوجيه غير المختصين لإعدادها

فبركة التقارير

لعل أبرز حوادث فبركة تقارير استطلاع أراء الجمهور تلك التي كشفها رواد مواقع التواصل الإجتماعي منذ عام تقريبًا، حيث بثوا صورا لمواطنين يتم اجراء لقاءات معهم بشكل دائم ومتكرر في برنامج «بيتنا الكبير»، الذي كان ييث على القناة الأولى في التليفزيون المصري، حيث أظهرت الصورالتي حملت شعار القناة والبرنامج، تكرار ظهور أحد المواطنين ست مرات، في ست حلقات مختلفة، بينما تكرر اللقاء مع مواطن آخر أربع مرات ضمن فقرة البرنامج التي تعني باستطلاع آراء المواطنين من الشارع.

 

المواطن الدوار

ظاهرة آخرى يمكن اضافتها إلى سلبيات التقارير المصورة التي ظهرت مؤخرًا، وهى ظاهرة المواطن الدوار، الذي حقق ظهوره في أول مرة حجم مشاهدات مرتفع، ويأتى ذلك فى الغالب نتيجة عدم منطقية مايقول، مما يثير الضحك، ويدفع رواد مواقع التواصل الإجتماعي إلى تتناقل مقطع الفيديو الذي يظهر به، مما يخلق له نوعًا من البطولة الوهمية، تجعل منه ضيفًا دائمًا على كاميرات تلك البرامج والمواقع، وظني أن الصدفة لاتلعب أى دور فى تلك الضيافة، حيث يتم استدعاء تلك الشخصيات وجلبهم لأماكن التصوير لتحقيق الهدف المنشود، يمكن اعتبار “عم عماد” الذى يعرف نفسه دائما بـ “خبير معلمي مواد تجارية” أحد تلك الأبطال الوهمين، حيث ظهر لأول مرة في فبراير الماضي من خلال تقرير أعده مراسل برنامج (هات من الآخر مع هالة فاخر) المذاع على قناة الحياة، وقد حقق فيديو التقرير الذي تم تداوله كأحد المقاطع الكوميدية تحت عنوان (فضفضة مع مواطن مصرى) نسبة مشاهدة عالية جدا.

 

التقطت المواقع الإخبارية طرف الخيط بعد ذلك، وأصبح “عم عماد” ضيفًا أساسيا بها، يسعى جميع المراسلين إلى سماع آرائه في القضايا المختلفة، وكأنه أحد الجهابذة المتخصصين، رغم أن التصوير أساسًا يتم كنوع من الاستهزاء به كشخض يقول مالايعيه أو يفهمه.

 

https://www.youtube.com/watch?v=8QxJ1U4ces8

 

 

فخ الجزيرة

قناة الجزيرة دخلت هى الآخرى على الخط، حيث لم تعد مهامها مقتصرة فقط على تزييف الحقائق، وتلوين الأخبار، بل تقوم باصطياد المواطنين ممن لديهم قابلية الحديث والشكوى من أوضاع اقتصادية خانقة نعيشها جميعا.

والشرط الأساسى الذى لابد أن يتوافر فى ضيوف كاميرا الجزيرة المسمومة -التي لا تعلن عن نفسها حتى لا يمتنع الضيف عن التصوير معها- هو أن يكون ذلك المواطن سهل الاستثارة، وسريع الغضب، حتى يعجز أن يتحكم فى أعصابه، فيصبح الكلام فى قمة الغضب صيدا ثمينا للمراسل ومن أرسله.

فمثلا استغلت قضية ارتفاع الأسعار، وسجلت مع أحد المواطنين، وجعلته يخرج عن شعوره بكلام يضعه تحت طائلة القانون.