مفيد فوزي: جُرحك يا وطن

ومنذ متى كان لشراذم الحقد وصبيان الشر وطن؟

إنهم يجهلون معنى الوطن، وحروف الكلمة لا معنى لها فى قاموسهم، إنها مرادف للمرض الذى يستعصى على العلاج، نحن نتربى منذ نعومة أظفارنا على حب هذا التراب ونغنى له فى أناشيد الصباح المدرسية، وتخفق قلوبنا مع خفقات علم مصر، أما هم فلا يسكن الوطن عقولهم ولا تربوا على حبه فى طفولتهم، إن كان لهم طفولة، الوطن لديهم هو بحيرات الدم وجزر الموت وخلجان التدمير وجبال النار، وفى «وطنهم» تنمو أشجار الكراهية مطلع كل شمس، وتتفتح زهور الشماتة مع ضوء القمر «!» هل رأيتم نفوساً مريضة تكره ضوء الشمس على الكون وأشعة القمر حين يأتى المساء؟ نعم رأينا من يكره الشمس لأنها كاشفة للخسة ورأينا من تتجلى شروره حين يحل الظلام ويسطع القمر! إن نفوسهم تستريح للدم المسفوك ولا يشمون غير دخان قنابل يفخخونها فى أبرياء، هل يعرفون معنى الضنى؟ هل يعرفون كسرة الخبز حين يحرم الأب نفسه منها ليطعم ولده؟ هل خذلته دمعة ذات مساء على فراق عزيز؟! هل تربى فى معسكرات الإرهاب يرضع حليب الموت وأصابعه على الزناد؟ هل عرف طعم الأمومة ودعواتها كل صباح؟ من أى صنف من البشر تكون؟

 

تقتلون من أجل «عقيدة»؟ لا أتصور، فالإسلام أنقى من هذه اللوثة، تقتلون من أجل «عودة مخلوع»؟ لا أتصور، فعقارب الساعة لا تعود للوراء، تقتلون لترويع الناس؟ «فيه ألف غيره بيتولد»، تقتلون من أجل «المال» سيأتى من يدفع أكثر ليرمل نساءكم، تقتلون بأوامر «تنظيم»؟ الشهداء لا يموتون إنما يتحولون إلى فكرة ورموز، هل رأيتم عيون الأبطال لحظة الاستشهاد برصاصكم؟ بريق مخيف كالرعد يزلزل كيانكم ويخيفكم، من أى ملة أنتم، يا قتلة شهداء رفح لحظة الصلاة فى رمضان؟

 

جثامين الرجال مرصوصة على أرض العزة والكبرياء، ولكل جثمان قصة وحكاية سترددها أجيال من بعدنا، حكايات ستدخل حتماً «السير الشعبية» كأدهم الشرقاوى ولكن فى سياق آخر، الأصابع التى داست على الزناد وسقط قتيل، أصابع غدر.. لا عمرها شربت من نيل مصر ولا التحفت بسماء مصر ولا ذاقت تمر مصر فى الواحات، ولا سمعت الشيخ محمد رفعت أو أم كلثوم، جرحك يا وطن، قدرك يا وطن أن تنشغل عن البناء لتطفئ حرائق فرضت عليك، هم لا يريدونك يا وطنى تناطح السحاب طموحاً ويريدونك ذليلاً تستجدى الشفقة، لا يريدونك يا وطنى تقيم «مؤتمراً اقتصادياً» يأتى إليك كل العالم، إنهم يقطعون الطرق عليك، تماماً كقطاع الطرق، فإذا عمت الفوضى وانتشر الخراب فكرت الدول القادمة ألف مرة.. هم لا يريدونك يا وطنى أرضا ومناخاً للاستثمار، إنهم يطردون الشمس ويطاردون القمر ويقتلون العصافير ويغتالون البلابل ولا تحتفل بالقناة الجديدة التى تمثل الخير للمصريين، نحن نرفع أعلامنا فوق الهامات ترفرف وهم يريدونها منكسة حداداً، نحن نتحول إلى كرات من اللهب مع سقوط أى شهيد وهم يفرون وقد يتنكرون فى ثياب النساء الحوامل ليضللونا، نحن نزداد صلابة يا وطنى وهم يفلسون ويسقطون صرعى اليأس والخيبة، الواحد منهم يضرب ويجرى وهو ملثم، ورئيسنا الرجل الرجل يرحب بالقتل، لا يستخدم كلمة الموت ويقول «القتل» لأنها لغتكم المفضلة، الله «يرعاه» لأن فى رقبته 90 مليوناً أو يزيد، خلفه ولا تدرون.

 

يا أغلى الأوطان يا مصر.. هل تعرفين «إخوان الشياطين»؟ نعم، يا صامدة، تعرفينهم منذ 80 عاماً مضت وتعرفين أعمالهم وعمايلهم، تعرفينهم منذ زمن الاغتيالات المبكرة من الخازندار إلى عبدالناصر وبعده حاولوا فى ميدان المنشية بالإسكندرية اصطياده، وصاح عبدالناصر بعد المحاولة «كلنا عبدالناصر»، ثم بعد المحاكمات أعدم عبدالناصر بعض رموزهم وألقى بالآخرين فى السجون فى زنازين رطبة وحبس انفرادى، وطول عمرك يا وطنى يتربصون بك، منهم من تراجع بعد مراجعات فقهية ومنهم من لم يتراجعوا، منهم من انسحب ومنهم من انشق عليهم، انشق بقناعة على العشيرة البغضاء، منهم من كان فرعوناً وهوى، ومنهم من كان مرشداً يفتقد المرشد، منهم من هرب ويعيش خارج الحدود، ومنهم من له تجارة ومحلات مهجورة، منهم من يتكوم أمام الشاشات منتظراً «مترصداً» سيارات مفخخة، وحين تنفجر ويملأ الدخان سماء المدينة، يفرحون ويتبادلون الأنخاب فى قطر أو تركيا.

 

جرحك يا وطن يعرف التحدى، فطم على رد الصفعة صفعتين ورد الموت موتين ورد الضحية ضحيتين، فطم على الثأر للشهيد حين يشق جنح الليل صرخات الأمهات الثكالى وتذرف عيون الأطفال أنهاراً من الحزن وتبكى الزوجات وجوها عايشتها تحت أسقف بيوت يعمرها الحب فقوضها وجعلها أطلالاً، مات الجدع يا جدعان برصاصة اخترقت الرئة، مات الجدع يا جدعان من لهب زرعته قنبلة، مات الجدع دون وداع الأهل والخلان، يتضاءل كل شىء أمام جرحك يا وطن، المعارك دائرة والعالم الندل مشغول بهوية أوباما، ممثلة ساندته فى الانتخابات، العالم الندل أعمى وأطرش عن مذابح كرداسة وكعادة الأندال ينتفضون لحقوق الإنسان حتى صارت حقوق الإنسان ونشطاؤها «نكتة الموسم وكل موسم»، الضحايا يموتون وأصوات العويل تدخل من نوافذنا، ونحن نشجب وننعى ونضع شارة الحداد على الشاشات ولا تكف الجنازات، يتقدمها رجالات مصر خلف أبطال من البلد فى صناديق يلفها علم مصر.. كم من الرجال كفنت يا علم بلادى؟

 

الرئيس – جاهداً – يجفف الدمع الهصور وفى عينيه يبرق الغضب، صوته يزأر كأسد يثأر من ذئاب الغابة وثعالبها، قلبه على الرجال السمر الأشداء، دموعه عصية، فالقادة لا يبكون. شىء ما فى خصائص القادة يجعلهم فوق الحزن يتسامون. يخاطبنا «بيكم ومعاكم أقدر وأستطيع» هذا الرجل العسكرى المسيس يحب شعبه ويحترمه، ذات يوم، فوضه لإزاحة الغمة عن وجهك يا وطنى. الرجل يلقى بالكرة فى ملعب شعبه ليتحول إلى كتائب «تبنى وتغنى وتقاتل»، يعرف القائد من يمولهم بالمال والسلاح والكراهية، هذا الشعب الهادر على ضفافك يا وطنى قوامه 90 مليوناً ولو تحول إلى كماشة ستحولهم إلى كرتون «!» جرحك يا وطن يحاك لك فى غرف مغلقة عبر عواصم العالم، يخططون لكسر أنفك، يخططون لإنهاك جيشك وشرطتك، يخططون لضرب روحك المعنوية يثيرون حفيظتك بمطالب حياتية، يخططون لهروب السياح من أهراماتك وشواطئك، يخططون لزرع قنابل الفتنة فى صحن مساجد وهياكل كنائسك، يخططون كى تتلاشى من على خريطة العالم وهم «واهمون».

 

أيها الشهيد، صرت عنواناً فى صحف الصباح مع فنجان قهوتنا، صرت جزءاً من دورتنا الدموية، صرت تحتل مساحة من ذاكرتنا، صرت خبراً بكل لغات العالم، صرت أبجدية زماننا، صرت الهم والواقع والخاص والعام، صرت الشتاء والخريف متعانقين، صرت أغنية «أحلف بسماها» سرقت اهتمامنا بحضورك رغم الغياب، علمتنا كيف يكون العطاء لوطن، لقنتنا درساً بليغاً فى الصبر على الأسى والصمود على اتساع المدى، صرت قصيدة رائعة فى الموت من أجلنا، فنحن نتمدد فوق الأرائك ونتلاشى كل ليلة على الشاشات، وأنت ممدد فوق دبابتك وتصوب مدافعك إلى قلاع الزور والبهتان من ربعاوى إلى حمساوى إلى نهضاوى إلى كردساوى.. إلى أردوغانى.

 

جرحك يا وطن، جرح كل مصرى، أب شهيد أو ابن أو أخ، زوج حديثاً والأم حامل أو عريس سقط والدبلة تلمع فى أصبعه، جرح بتوقيع بطل، جرحك يا وطن يحملونه للحسين والسيدة زينب ويحمله جارى للعذراء مريم من أجل جرحك يا وطن يصوم المسيحيون صيام يونان، الذى بات أياماً ثلاثة فى بطن الحوت..

جرحك يا وطن، يغنيه العالم الحر موالاً، جرحك يا وطن يرسمه فنان الألوان لوحة على جدران كل بيت مصرى ولاحظ غلبة اللون الأحمر، لون الدم، جرحك يا وطن يتعلم حجم تضحياته أطفال المدارس بعد نشيد الصباح ويحرض الشعراء على أغنيات على الشفاه، جرحك يا وطن لا يمنع بوتين من المجىء إليك يوقع اتفاقيات تصب فى خير ناسك.

جرحك يا وطن، مسجل فوق أصداف البحر، مرسوم على غيمات المطر، ومنقوش على رمال

نقلا عن “المصري اليوم”

اقرأ أيضًا:

الرئاسة تطلب إخلاء ستاد الأهلي غدًا

كيف تُغير السياسة مواقف الإعلام؟

 إسلام زعيم كوريا، وضربة ملك الأردن الجوية ..من وراء شائعات السوشيال ميديا؟

3 أخبار هامة تجاهلها “فيس وتويتر”

أحلام.. كل ما تفتح الحنفية تلاقيها

لا تصدق أن هؤلاء أجمل نساء الأرض!!

إذاعة الأغاني تحتفل بميلاد شادية

عكاشة عن حركة المحافظين: مازلنا تابعين لأمريكا

عمرو أديب: ماتستبعدوش إن أحمد عز يرشح نفسه للرئاسة في 2018

بوتين يوجه رسائل للمصريين عبر الأهرام

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على الفيس بوك من هنا