كريم فرغلي يكتب: سبارتاكوس الذي ذبحناه مرتين

كريم فرغلي - مقالات

لم أنس وأنا في طريقي إلى دار الأوبرا المصرية كي أشاهد باليه (سبارتكوس) أن أحذف مؤقتا كل ذكريات استمتاعي وانبهاري بعروض الباليه التي شاهدتها في روسيا أعرق وأعظم مدارس هذا الفن في العالم.

02

حيث برع مبدعوها في أداء وتأليف عروضه الخالدة كالموسيقار الروسي تشايكوفسكي الذي ألف موسيقى أشهر وأرق كلاسيكيات لا تزال تغزو مسارح العالم حتى الآن مثل (بحيرة البجع)، (كسارة البندق) ،(الجمال النائم) وغيرها.

03

كمشاهد وعاشق لهذا الفن أردت الاستمتاع بما سأشاهده دون أن تزعجني مقارنات لن تكون في صالح العروض المصرية لأنني أدرك الفارق الكبير في الإمكانيات المتاحة للعروض الفنية في البلدين بشكل عام والباليه بشكل خاص من حيث تجهيزات المسرح وفخامة الديكورات وحرفية الراقصين (تكلفة تجديد مسرح البولشوي في العاصمة الروسية موسكو بلغت 800 مليون دولار أمريكي).

** FILE **In this photo released by Teatro alla Scala, the cast of Giuseppe Verdi's
بدأ العرض بشكل جيد لأطالع أثناء الاستراحة الأولى الكتيب المطبوع (brochure) عنه من قبل دار الأوبرا والمكتوب فيه أنه باليه من فصلين رغم معلوماتي بأنه يعرض من 3 فصول منذ عام 56 على كافة مسارح العالم، لم تستوقفني السطور البسيطة التي شرحت قصة البالية فربما كان ضيق المساحة والاختصار الضروري أجبرهم على ذلك.

05

القصة كما أعرفها تحكي باختصار عن (سبارتكوس) العبد الذي يقود ثورة ضد (كراسوس) أحد ملوك الرومان الطغاة للتخلص من قهر العبودية حيث كان (كراسوس) يستمتع بوضع العبيد في حلبة المصارعة حتى يقتل أحدهما الآخر للتسلية ،يقرر (سبارتكوس) بعد إرغامه على الاشتراك في إحدى هذه المصارعات التي يقتل فيها صديقه وهو معصوب العينين أن يثور ضد العبودية.

06

فيكوّن جيشا كبيرا من العبيد والرعاة ينجح في تحقيق انتصارات متتالية على الرومان، يتردد عدد من تابعي (سبارتكوس) في مواصلة الحرب و يعود إليهم رافضا أن يتركهم في الصحراء بلا قائد لكنه يفشل في إقناعهم بأن الانتصار لن يتم إلا بتتابع المعارك الشرسة دون أن تشغلهم شهوة الانتصار والمكاسب السريعة لكل معركة ولكنهم يصرون على رفض الاستمرار في الحرب مما يتسبب في هزيمتهم ومقتل (سبارتكوس).

07

عظمة ملحمة سبارتكوس في أنها تجسد كيف يقهر الظلم النفس البشرية ويصيبها بالتشويه النفسي والأخلاقي كما تؤكد الرواية على أنه لن تنتصر أمة دون فكر وانتماء لأرض أو وطن.

7

المفاجأة هنا هي أن عرض دار الأوبرا المصرية قد حذف تماما الجزء الخاص بتخلي الجنود عن (سبارتكوس) وحرصه هو عليهم لنفاجأ بانتصار جيش (كراسوس) بلا مبرر وهو ما أصاب هدف الراوية في مقتل لتأتي الدراما مبتورة ومشوهة.

8

9

الديكور بدا جيدا ولكن الإمكانيات المتاحة لتنفيذه أقل كثيرا من المفترض أن يتم توفيرها لمثل تلك العروض الضخمة حيث نرى فوق العمدان في الفصل الأول تماثيل رومانية مسطحة ومرسومة بدلا من أن تكون منحوته بالفعل برغم شهرة المنحوتات الرومانية بالفخامة والعظمة كتمثال أوجست قيصر وغيره من الأباطرة الذين تمتلئ متاحف العالم بتماثيلهم الرائعة،

10

بل أن الأعمدة الرومانية كانت رمزا للفخامة مثل أعمدة ترايانوس وغيرها، أبدع رضا إبراهيم في الإضاءة التي نجحت في تصوير مشاهد العرض بين المعارك وليالي السمر في القصر وانكسار (سبارتكوس)، كما بدت الملابس أنيقة ونجحت (أوكسانا زينتشنكو) في تصاميم تبرز الفارق الاجتماعي بين الملك والجنود والعبيد.

11

12

افتقر معظم المؤدين لأدوار العبيد والمقاتلين الرومان للياقة والدقة الحركية المطلوبة ما يؤكد قلة التدريب أو الكفاءة إلا أن حرفية وإبداع بطل العرض هاني حسن لم تترك فرصة للمشاهد كي يلاحظ ذلك طوال المشاهد التي يظهر فيها.

13

برع سوليست الأوبرا الأول في دور سبارتكوس الذي أداه بخبرة كبيرة تجسدت في آداء حركي وتعبيري رائع تقمص من خلاله كَما من المشاعر المتباينة الصعبة أبرزت معاناته كعبد وقوته كقائد أوصلها للمشاهد بتعبيرات الوجه التي عكست حسا تمثيليا متوهجا إلى جانب رشاقة وتمكن الأداء الراقص.

14

أبدعت الباليرينا الأوكرانية (كاترينا زابرزنها) أيضا في دور فريجيا والتي قدمت مع هاني حسن عدة حركات شديدة الصعوبة والحرفية أبهرت الحاضرين ودفعتهم لتحيتهما عدة مرات أثناء العرض.

15

16

17

في دور كراسوس نجح ممدوح حسن في أداء شخصية الملك المغرور الغارق في الملذات فبدى طوال العرض متقمصا لثقة وكبرياء الملوك التي أداها بحرفية ورقي.

18

غير أن دور الماكياج فشل في منحه ملامح مختلفة فمن غير المعقول أن يبدو الملك الروماني بلحية سوداء وملامح شرقية تشبه عبدا ليس له عرق أو أصل مثل سبارتكوس.

19

اجتهد ناير ناجي في قيادة حساسة للأوركسترا ونجح في التعبير عن تفاصيل موسيقى الباليه التي استغرق الموسيقار الأرميني (خاتشاتوريان) في كتابتها 3 سنوات متأثرا بالموسيقى الشعبية الأرمينية التي ظهرت في باليه (جيانييه) أيضا.

20

تلك الموسيقى التي نجحت في تخليد سبارتكوس إلى أن ذُبح مرتين في دار الأوبرا المصرية بأيدي الرومان تارة و بالدراما المبتورة تارة أخرى.

21