محمد فتحي يكتب: محمد سعد .. نوكيا السينما المصرية !!

(1)

في بداية حياتي العملية عملت لبعض الوقت في الصحافة الفنية ، أحببت حضور العروض الخاصة على ما بها من هرجلة وإهانة ، لأشاهد عن قرب كيف يتصرف النجوم وأبطال الأفلام. كانت السينما المصرية في تلك الفترة في مرحلة جديدة ومختلفة حيث أبطال جدد ، وكوميديا جديدة تعتمد على الإفيهات أحياناً، أو كوميديا (الكاركتر) ، وكان سعيد حامد أحد أبطال هذه المرحلة مخرجاً، ومحمد هنيدي بطلاً ، ثم علاء ولي الدين الذي قدم عبود على الحدود، ثم شرع في تنفيذ فيلمه الجديد ( الناظر صلاح الدين) ، الذي اعترضت الرقابة على اسمه ، فاختصره صناعه إلى (الناظر ) ..

هنا لابد من وقفة لترى من هم أبطال هذا العمل ، لأن البطل الحقيقي من وجهة نظري كان (شريف عرفة) مخرج الفيلم الذي أدار مواهب شابة ، وقدم خبرته مع أفلام عادل إمام التي أخرجها ، مع طزاجة أفكارهم ، مع اللغة الجديدة التي انتشرت ، مع كوميديا الموقف التي يفضلها شريف عن كوميديا الإفيه ، ليصنع توليفة قدم من خلالها علاء ولي الدين رحمه الله في أنجح أفلامه ، وأحمد حلمي في أول فيلم يلفت النظر له بقوة ، ومحمد سعد الذي قدم شخصية اللمبي لأول مرة ، مستحضراً طريقة كلامها ، ومضيفاً لبعض الإفيهات التي استوعبها عمل كوميدي مختلف ..

574

خرج الجميع من هذا الفيلم يتحدثون عن (سعد) الممثل الذي قدم من قبل دوراً صغيراً في الطريق إلى إيلات ، وغنى (مصر يامة يا سفينة) ، وقدم بعدها فوازير رمضان مع ياسمين عبد العزيز، فيما كان سعد نفسه معجباً ب(كاركتر) اللمبي ، أكثر من طريقة تمثيله !!

فيما بعد أنتج مجدي الهواري فيلماً للثنائي أحمد حلمي ومحمد سعد محاولاً تدشينهما بقوة، ومعتمداً عليهما في (سند) زوجته غادة عادل التي كانت متواضعة الموهبة في هذا الوقت .

نرشح لك : إيرادات الأفلام في ثاني أيام العيد

يوم العرض الخاص ، اتصل أحد الأصدقاء بسعد ليحضر ، فقال له سعد : اذهب لفلان ، وقل له أنا من طرف اللمبي ، وسيفهم السيم ..

يومها ، كانت خطبة أحمد حلمي لمنى زكي حديثة ، وكان العرض في سينما هيلتون رمسيس التي كانت تعرض فيلم أيام السادات، وفي مكتب وائل عبد الله ، رأينا جميعاً أحمد زكي جالساً بعد العرض ، وتلك قصة أخرى ..

يومها ، كانت الناس مقتنعة أن سعد (هيكسر الدنيا) ، فيما كان حلمي يتعامل بحرص شديد متلمساً خطواته ، وكانت منى الأكثر شهرة ، لكن حلمي كان حريصاً على أن يكون نجاحه مستقلاً ، وتجاربه مختلفة

وبعدها ، تحمس السبكي للمبي أكثر من محمد سعد ، لم لا وإن كان سعد نفسه معجب بتلك التجربة أكثر من غيرها ، وعلى الفور ، أنتج فيلم اللمبي ، وحدثت المفاجأة …

إنفجار بمعنى الكلمة ، وكأنها موضة ، اللمبي الذي يخاطب ال(سي) ، والقادم من أعماق الحارة، وصاحب الإفيهات المختلفة، والصوت الأجش، وصنع فيلم كوميدي ( كسر الدنيا) بالفعل ، ورفض صناع الفيلم أن ينتهي بوفاة أم اللمبي (عبلة كامل) في نهاية الفيلم بمنطق (مش عايزين ننكد ع الناس)، وظهر العدد الأول من مجلة سينما أون لاين، التي استكتبت وجوهاً مختلفة وموهوبة ومناسبة للمرحلة، وكان على غلافها اللمبي ، مع ما يشبه الإنفوجراف ، لنعرف أسعار الفانلة التي يرتديها وغيرها ، إن لم تخني الذاكرة ، كان الغلاف من تصميم الفنان محمد جمعة ، وتم تدشين سعد بطلاً للمرحلة ، ونجماً من قلب المناطق الشعبية ، وواكب ذلك هجوم شديد من النقاد ، بمن فيهم محمود سعد رئيس تحرير الكواكب آنذاك ، والذي رفض أن يكون هذا هو مظهر أو أسلوب أبناء المناطق الشعبية، وحطم الفيلم إيرادات عظيمة ، وظل الجميع يتساءل، ما هي خطوة محمد سعد القادمة ؟؟

لكن الشخص الأول المعني بطرح السؤال ، وهو سعد نفسه ، عاش النجاح ، فخاف منه ، وسيطرت شخصية اللمبي عليه لدرجة مرعبة ، وحدثت خلافات ( اللهم أعن ذاكرتي على تذكر الوقائع) على الشخصية، وعلى الاسم ، ليذهب إنتاج ما اصطلح آنذاك على تسميته بالجزء الثاني من اللمبي إلى شركة العدل فيلم ، والمرحوم سامي العدل ، فيما تسبب الخلاف على الاسم إلى تغيير اسم الفيلم إلى ( اللي بالي بالك) …

nokia-3210

(2)

في تلك الفترة كان (الشاب المسيطر) هو ذلك الذي يقتني تليفون نوكيا فنلندي بالضمان J . نوكيا هي الشركة الأشهر في تصنيع أجهزة الموبايل – آنذاك – وكانت مسيطرة على السوق المصرية لدرجة إطلاق أسماء شهرة على موديلاتها المختلفة ، ومنها على سبيل المثال النوكيا بنانة ، والنوكيا الدمعة .

نوكيا نفسها ،كشركة، لم تكن الأولى (تاريخياً)، ولا الوحيدة (سوقياً)،  في صناعة الهواتف، لكنها أدخلت فكرة استبدال أوجه الهواتف التقليدية ببدائل ملونة وأنيقة قبل سنوات من رواج موضة الصور وانظمة التشغيل التي يمكن تغييرها بسهولة، وكانت لعبة الثعبان الشهيرة التي تخصها سبباً في هوس اجتاح العالم كله ، وظلت نوكيا مكتسحة لدرجة أنها شكلت أكثر من 49.9 %  من مبيعات السوق عام 2007 .

يقول بين وود، المحلل في شركة CCS Insight للبحوث في تصريح للبي بي سي  :  “في تسعينيات القرن الماضي، لم يكن للماركات الكبيرة التي نراها اليوم وجود. لقد كانت نوكيا تهيمن على السوق بشكل شبه كامل بحيث لم يكن الناس يذكرون اسم الشركة بل اسم النموذج فقط كأن يقولون  (3210)

باختصار ، وبالبلدي ، وبتسطيح لو أردت توصيف الأمور ، كانت نوكيا هي محمد سعد أسواق المحمول ، وانتظر الجميع الخطوة التالية لنوكيا ، لكن هل كانت نوكيا مستعدة فعلاً للخطوة التالية ؟؟

(3)

كان ذلك في سينما التحرير التي امتلأت عن آخرها بحبايب محمد سعد لحضور العرض الخاص . كان سعد متوتراً، وقبل بداية الفيلم ، وقف فجأة ليقول : ماتسمعونا الفاتحة يا جماعة ، وضحك الجميع ، وبدأ عرض الفيلم ..

كان (اللي بالي بالك) أكثر ترابطاً من (اللمبي) ، لكن اللمبي نفسه كان حاضراً بقوة ، ومعه عوامل مساعدة شهيرة أبسطها حسن حسني وسامي العدل ، إضافة إلى إنتاج أظهر الصورة بشكل أفضل ، ونجح الفيلم ، لكنه لم ينجح بنفس درجة اللمبي ..

لكن ما بين الناجح والأنجح ، كان الثبات الانفعالي لمحمد سعد قد بدأ في الاهتزاز ، بدأ يتعامل كنجم ، بدأ يتحكم في الأمور ، بدأت أخبار خلافاته مع مخرجيه تخرج للعلن ، وتأتينا في الصحافة، وكان يحب أن يترك الكاميرا (دايرة) ، وحجته (يمكن ربنا يرزق بحاجة) ، ويقصد بالحاجة هنا (الإفيهات) !!

نرشح لك : 9 نصائح لمحمد سعد قبل ثاني حلقات “وش السعد”

صارت كوميديا الكاراكتر الذي يتحدث بطريقة غريبة ، ويقع في مشكلات عديدة ، مستحوذة على سعد الذي أصبح أعلى صوتاً من الكتاب والمخرجين حتى لتظن أنه يريد من ينفذ له ما يريد وليس من يساعده على خروج العمل بأفضل صورة ، لأن أفضل صورة هي التي يراها هو ، وليس ما يراها غيره ، وحجته أن النجاح سينسب له ، والفشل سينسب أيضاً له ، لكن على مدار العديد من الأفلام ، وبواقع الإيرادات ، لم يكن سعد مقتنعاً أنه فشل ، بل كان يعتقد أن الفيلم نجح بسببه وحده ، قدم عوكل ، وبوحة ، وكركر ، وكتكوت ، وبوشكاش، وعاد للمبي  كأي تاجر مفلس في اللمبي 8 جيجة ، وصنع مسلسلاً متواضعاً كانت أكبر مشاكله فيه هي أنه لم يتقاضى مستحقاته ونصبوا عليه فيه ، في مشكلة شهيرة ، ليبدأ في إلقاء فشل مسلسل شمس الأنصاري على شماعة المنتج، وظل الأمر هكذا حتى وصل لمرحلة (تك تك بوم) والذي (نحت) فيه شخصيته رياض المنفلوطي، وتتح الذي نجح بعض الشئ ، فكرر نفس الخطأ ليستحلب ( لو جاز التعبير) نفس الشخصية فيفشل فيلمه (حياتي مبهدلة)  ، وحتى التجربة التي أعطته بصيص أمل تليفزيوني من خلال (فيفا أطاطا) لم تتكرر ، بل ولم يكرر المنتج التعاون معه وكأنه لم يحب تكرار التجربة،  ولا نعرف إن كان هو السبب، أم إن هذه الأشياء مثل الزواج (قسمة ونصيب) !!

بين كل تلك الأعمال ، كان سعد مقتنع ، ولايزال، بأن (دماغه) وحدها هي التي يمكن أن تصنع النجاح، ولم يأمن لأحد ، أو يسلم دماغه تلك لأحد ، أو يتعاون تعاون مخلص حقيقي مع أحد سوى ذلك الشخص الذي يقابله في المرآة كلما نظر إليها ، وبين الحين والآخر ، يصر كثيرون على عقد المقارنة الحتمية اللازمة بينه وبين أحمد حلمي الذي قدم أفلاماً مهمة حملت طابعاً مختلفاً مثل كده رضا ، وآسف على الإزعاج ، وعسل اسود، وألف مبروك ، ومن قبلهم ظرف طارق ومطب صناعي وجعلتني مجرماً ، ولم يقع حلمي في خطيئة تكرار نفسه بعد نجاح ميدو مشاكل ، الذي يمكن إسقاطه من تجربة حلمي نفسها بضمير مستريح، ولن يرفض هو ذلك لو سألته ، لكن المقارنة الواجبة بحق هي المقارنة بين محمد سعد واللمبي . محمد سعد خريج المعهد العالي للفنون المسرحية الذي يؤدي درامياً بشكل احترافي، ويعشق المسرح ، وقادر على الارتجال بمهارة ، ولديه موهبة حقيقية، واللمبي الذي استحوذ على محمد سعد فجعل منه شبح ممثل ، ولعب في دماغه للدرجة التي هيأت له أن الناس، وسط سخرية الواقع التي هي أشد كوميديا من الأفلام، ستعجبها نفس طريقته في كل مرة ، وهكذا ، فشل فيلمه الأخير تحت الترابيزة ، الذي يقدم أيضاً فيه (كاركتر) بنفس المواصفات ، وكانت المفاجأة أن سعد لم يستطع بفيلمه تخطي إيرادات محمد رجب (ليسامحني الله على ذكر اسمه أصلاً في المقال) ، ولو رأيت رقم الإيرادات بعيداً عن اسم سعد لظننت الفيلم للفنان تامر عبد المنعم ( ليسامحني الله على اعتباره فناناً) ،  صاحب ال27 ألف جنيه في أول أيام عرض فيلمه الأخير  (ليسامحني الله على اعتباره فيلم).

7547

(4)

بعد أن أصبحت في الصدارة ، ووصلت لرقم يكاد يكون نصف مبيعات الأسواق العالمية في نطاق الهواتف المحمولة ، انخفضت النسبة في العام التالي ، ثم انخفضت أكثر في العام الذي تلاه ، وظلت تنخفض وتنخفض، إلى أن وصلت نسبة تمثيلها في السوق عام 2013 ، إلى 3 % فقط من سوق الهواتف العالمية ،  لدرجة جعلت البعض يشبه ما حدث معها بما حدث مع شركة كوداك الشهيرة لكاميرات التصوير الفوتوغرافية التي لم تستوعب ما حدث بظهور الكاميرات الديجيتال، فأشهرت إفلاسها بعد انخفاض مبيعاتها، وانعدام أرباحها، وبالمثل لم تستطع نوكيا مواكبة متطلبات السوق في الهواتف الذكية التي ظهرت ، وسلط الله عليها مديرها التنفيذي الذي ركب دماغه ، وبدلاً من تغيير سياسة الشركة اعتمد على (الفكاكة) ، وحولها إلى ويندوز موبايل مما سهل على مايكروسوفت فيما بعد أن تستحوذ على نوكيا ، فتختفي هواتفها تماماً

(5)

ستسألني : هل يمكن لمحمد سعد أن يعود من جديد ؟؟
سعد سيعمل مرة أخرى مع المخرج شريف عرفة صاحب الفضل في ظهور شخصية اللمبي في الناظر ، قبل أن يتحول سعد إلى لمبي في تفكيره ، لكن فرص سعد في العودة تكمن في شيئين :

الأول : أن يتخلى محمد سعد عن دماغه ويتواضع ، ويبحث عمن يعطيه قبلة الحياة

الثاني : أن تعود نوكيا من جديد للأسواق بهواتف محمولة