إخاء شعراوي يكتب : ماسبيرو أين وإلى أين ! (4-2)

لماذا فشلت محاولات الإصلاح.. ومتى توقفت الدولة عن دعم ماسبيرو ؟

تذيل ختام المقال السابق، الحديث عن عدة محاولات جادة من الدولة لإصلاح وتطوير ماسبيرو، بهدف استعادة الريادة الإعلامية، بدأت بعد ثورة يناير مباشرة، واستمرت إلى منتصف عام 2014، ثم توقفت فجأة، ليخرج ماسبيرو نهائيا من أجندة الأولويات لدى النظام الحالى، ويصبح مجرد جهاز لا حاجة له فى الدولة، وكأنك تحتفظ بجهاز فيديو قديم فى منزلك، لا تستخدمه مطلقا ولا تستفيد بوجوده، تحتفظ به فقط كنوع من الوجاهة الإجتماعية، على طريقة (احنا كان عندنا فيديو زمان)، أو الإحتفاظ بذكريات تربطك بالفيديو، بالطبع جهاز الفيديو لا يناسب العصر الحالى ولا يمكن استخدامه هذه الأيام، هذا هو الحال الذى وصل إليه ماسبيرو، وهذه النظرة التى تنظر بها الدولة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون حاليا.

بدأت محاولات الإصلاح مع تعيين اللواء طارق المهدى مكلفا بإدارة ملف الإعلام، ودخوله مبنى ماسبيرو كقائما بأعمال رئيس الإتحاد ووزير الإعلام، وبرغم استمراره بفترة طويلة، ظلت الأزمات المحيطة تلاحقه، ليخرج الرجل دون جدوي فى الإصلاح، ليتم تكليف الأكاديمى الدكتور سامى الشريف عميد كلية إعلام الأسبق، برئاسة الاتحاد، ليطبق ما يقوم بتدريسة لطلبة الإعلام وينفذ منظومة أكاديمية جديدة، ليصطدم الرجل بالواقع المرير داخل المبنى المكتظ بالعمالة الزائدة والفساد، حتى أننى فى احدى جلساتى معه قال لى نصا “أنا نفسى أمشى من المكان ده”، مؤكدا أنه لا أمل فى الإصلاح أو التطوير، ليأتى بعده أسامة هيكل رئيسا للإتحاد ثم وزيرا للإعلام، لفترة زادت عن عام ونصف، لم يتمكن خلالها من إضافة أى جديد، سوى أنه تمكن من ضبط الأمور المالية وانتظام صرف أجور العاملين، وهو ما نجح فيه من قبله طارق المهدى، ليتولى المسئولية من بعده اللواء أحمد أنيس، والذى رفض المنصب أكثر من مره لثقته الكاملة فى عدم وجود أى وسيلة للإصلاح.

وفور تولى الإخوان حكم مصر، توقفت محاولات الإصلاح داخل ماسبيرو، وأصبح الهدف فقط هو فرض السيطرة والنفوذ على ما اعتقدوا أنه إعلام الدولة، ونجح وزير الإعلام الإخوانى صلاح عبدالمقصود فى فرض نفوذه على ماسبيرو بالكامل، معتقدا أن السيطرة على ما يعتقدون أنه “الإعلام الرسمى للدولة” قادرة على تمكينهم من الدولة بأكملها، حينها كان ماسبيرو قد انتهى شعبيا وجماهيريا، لم يعد له مشاهدين، الجميع انصرفوا إلى القنوات الخاصة، سواء قنوات معارضة للإخوان أو قنوات الإخوان نفسها، والتى ظهرت مع تولى الإخوان الحكم، كان ماسبيرو فى هذا التوقيت يخاطب نفسه فقط، لا يشاهده أحد، وخرج عبدالمقصود من ماسبيرو بعد أن قام بتمكين مجموعة من الإخوان فى بعض المناصب، ليبدأ صراع جديد داخل ماسبيرو، أثناء الفترة الإنتقالية والتى تولى خلالها الرئيس عدلى منصور حكم مصر، تمكنت الأجهزة السيادية خلال هذه الفترة من إزالة الإخوان وإعادة تمكين الدولة من المبنى، ولكن كانت هناك ثقة كاملة أنه بعد تطهير المبنى من سيطرة الإخوان، لا بديل عن هيكلة هذا المبنى وتصفيته، لم يعد هناك ثقة من الدولة فى أن تعود الريادة لماسبيرو، أو أن يعود تأثيره على المواطنين.
بدأت محاولات الهيكلة من خلال درية شرف الدين التى تولت وزارة الإعلام عقب ثورة 30 يونيه، إلا أنها توقفت خوفا من العاملين الثائرين والذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 40 ألف، لذلك قررت الدولة تأجيل الهيكلة، وألقت بملف ماسبيرو فى سلة مهملاتها، إلى إشعار أخر.

جاء عام 2014 ليشهد توقف نهائى لمحاولات إصلاح ماسبيرو، فور إلعاء الوزارة وتكليف عصام الأمير رئيس الاتحاد حينها بتسيير الأمور، لتبدأ مرحلة جديدة فى ماسبيرو، اعتبرها الكثير من أبناء المبنى مرحلة بداية الإنطلاقه الجديدة، خاصة مع الوعود التى كان بعض قيادات ماسبيرو يروجوها حينها، متناسين أن الرئيس السيسى أثناء فترة ترشحه للرئاسة تحدث عن أزمات ماسبيرو ومشكلاته الإقتصادية، ومدى تأثر الدولة بميزانيته الضخمة والتى تصرف دون تحقيق أى عائد إقتصادى أو تنموي، وخرج عصام الأمير بمواقفه العنترية المعهودة حينها ليرد على الرئيس فى بيان رسمى جاء نصه كالتالى : “لم ير السيسى في ماسبيرو إلا مشكلاته الاقتصادية (أعداد العاملين الضخمة، التكلفة الشهرية لأجور العاملين)، غافلا المكانة والأهمية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون في الإعلام المصري بصفة عامة، وإذا كان المشير السيسي يرى أن القنوات الخاصة قامت على أُسس ناجحة، فإنه تغافل أن من أهم أُسس نجاح تلك القنوات أن أكثر من 80 % من العاملين بها من إعلاميين وفنيين هم من أبناء ماسبيرو، بل أن البنية الأساسية التي تظهر منها تلك القنوات من استوديوهات في مدينة الإنتاج الإعلامي وكذلك النايل سات، إنما بناها اتحاد الإذاعة والتليفزيون”، لم يكذب الأمير فى حديثة عن دور ماسبيرو التاريخي، ولكنه تغافل حينها ما وصل إليه حال المبنى، كان لديه اعتقاد أن الدولة لازالت باقية على ماسبيرو، حتى اصطدم بالواقع بعد إلغاء الوزارة ورفض المهندس إبراعهيم محلب رئيس الوزراء بإصدار قرار قائم بأعمال وزير الإعلام سواء للأمير أو لأى شخص أخر.

كانت الدولة الجديدة قد حسمت موقفها النهائى من ماسبيرو، لم تعد فى حاجة إليه، وفى نفس الوقت غير قادرة على اتخاذ أى قرارات بشأن إلغائه، فقررت إبقاء الوضع كما هو عليه.

الغريب أن بيان الأمير الذى أصدره ردا على المرشح الرئاسى حينها عبدالفتاح السيسي لم يلقى أى إهتمام، حتى جائت رسالة السيسي الأولى أثناء حملته الإنتخابية، من خلال تجاهل ماسبيرو تماما، وظهوره على شاشة عدد من القنوات الخاصة، وذلك برغم ظهور المرشح حمدين صباحى على شاشة التليفزيون المصرى خلال حملته الإنتخابية، إلا أن هذه الرسالة لم تلفت نظر العاملين بماسبيرو، ولم تتمكن من إلغاء الوهم المسيطر عليهم بأن ماسبيرو هو إعلام الدولة، للأسف لازال هؤلاء يعيشون بعقولهم فى الستينات، معتقدين أن جهاز الفيديو صالح للإستخدام فى عصر الإنترنت.