حسن كمال يكتب : لهذا أحب هداية ملاك

نقلًا عن “اليوم الجديد”
 أنا الآن في المكسيك، فارق التوقيت متأخر تسع ساعات عن القاهرة، وفارق توقيت كتابة هذا المقال متأخر ثلاث سنوات عن اليوم الذي قررت أكـتبه فيه.

لندن 2012، يومها خسرت هداية مباراتها في دور الربع نهائي، ليصبح ترتيبها في المركز السابع أو الثامن في الأوليمبياد التي يحلم الكثيرون بمجرد الوصول إليها ويصرفون الملايين ثم حتى لا يتأهلون، يومها لم أكتب ذلك المقال.. قررت أن أؤجله لكي أنشره وهي فائزة.. وتقاعست عن كتابته عندما حصلتْ على ذهبية بطولة العالم العسكرية وبرونزية بطولة الجائزة الكبرى العالمية.. فقد كان لابد أن أكتبه في وسط انتصار كبير كنت أعرف أنه سيأتي لا محالة يوما ما.

إذا كنت لا تعرفها.. هداية شابة في بداية العشرينيات، بطلة مصر والعرب وإفريقيا والمصنفة الثالثة عالميا حاليا في التايكوندو، فازت أول أمس بذهبية بطولة الجائزة الكبرى العالمية لأول مرة في تاريخ مصر بعد أن هزمت المصنفة الأولى والثانية على العالم، وهما بطلتا الأولمبياد الماضية، وتأهلت لأوليمبياد البرازيل مباشرة بدون تصفيات، كل هذا يكفيك لكي تحترمها بالـتأكيد.. لكن لايكفي إطلاقا (للحب)! هداية يحبها تقريبا الجميع داخل وخارج مصر، اختارها لاعبو ولاعبات العالم في العام الماضي (أجمل لاعبة) في مواجهة لاعبات أوروبا الشرقية والغربية وأمريكا، لكن لماذا تحديدا.. لكل أسبابه.. لكني سأشرح أهم أسباب إعجابي بشخصها وطبائعها في السطور التالية..

أولا: هداية تحمل الجنسية الأمريكية.. في هدوء!

جواز سفر أمريكي وعائلة الأم مقيمة هناك، ولاعبة أمريكا في وزن هداية غير موجودة على الخريطة، مع ذلك لم نسمعها يوما تهدد بالاعتزال أو باللعب ضمن منتخب أمريكا، بينما أعرف لاعبون يتشدقون دائما بأن أمريكا تعرض عليهم الجنسية صباح كل يوم ،لم أسمعها تقولها مرة واحدة، ولم تقل أنا مظلومة وأستحق المزيد رغم أنها بالفعل تستحق، وهناك الكثيرون والكثيرات ممن هن أقل منها في الإنجازات يمثلون صداعا مزمنا للمدربين على طريقة (عاوز حقي) رغم أنهم يعرفون ظروف اللعبة..والبلد.. والمدرب (الغلبان) نفسه!

ثانيا: هداية تحارب في كليتها.. في هدوء!

طالبة في كلية الفنون الجميلة، تحاول بإصرار أن تنهي سنوات الدراسة على أفضل حال.. كثيرا ما أنهت لعبها وانطلقت تجري بحقيبة ملابسها وحيدة دون أن تتنتظر التتويج والميدالية لكي تلحق بامتحان سيجري في اليوم التالي في مصر.. من روسيا ومن إنجلترا ومن مدغشقر ومن الصين، لا وقت للفرح ولا للحزن، بل وقت العمل الجديد، تمسك هاتفها المحمول وتبدأ في مراجعة صور المذكرات والأوراق التي تُرسل إليها بها واحدة من زميلاتها (أحب أن أشكرها شخصيا وأشكر عميدة الكلية لدعمها لهداية بالمناسبة) وتدخل الامتحان وتنجح بشكل مُرضٍ جدا.

نرشح لك _ قصة الأديب الذي رافق هداية ملاك حتى الميدالية الأوليمبية

ثالثا :هداية تتحمل خسارتها منفردة

لم أسمعها أبدا تتهم أحدا عند الخسارة، ولم تدّع يوما أن مدربا هو السبب أو أن الإدارة هي سبب إخافقها، وبينما تنصب غالبا تبريرات اللاعبين والصحافة على المدربين والإدارة.. هداية تكرر جملة واحدة عندما تخسر، تقولها بتلقائية شديدة:

– “أنا كنت غبية النهاردة..صح؟ يالا الحمد لله”!

رابعا: هداية تسمح للجميع بالمشاركة في المكسب..

تخسر منفردة ويكسب معها الجميع. منذ أصبحت هداية لاعبة عالمية – وأصبح لها فجأة – ما يزيد عشرة مدربين ومائة إداري وألف مخطط.. ومع ذلك هي لم تحرج أحدا، تتركهم جميعا يقولون ما يريدون بل وتؤيده أحيانا بأدب شديد، ولم تتوقف يوما عند ما يقوله أي منهم لكي تستنكره أو تقول إنه غير صحيح. حتى وإن لم يكن صحيحا.

خامسا: هداية فرد في المنتخب.. وليست عائلة

هناك (لاعبات) عندما يضمهم المدرب للمنتخب يجد أنه ضم للفريق أم وأب سيطاردونه في كل يوم ومع كل قرار، عائلة هداية لم تتدخل مطلقا في ممارستها الرياضة بشكل فج كالذي أصبحنا نراه كل يوم، أعرف مرات ظلمت فيها وعاصرتها، وأعرف مشاكل واجهتها من مرحلة لأخرى، ومع ذلك..ورغم أن هداية من نادٍ يوصف بأنه من أندية المدللين في مصر..إلا أنها لا تجعل أي فرد ممن يتعاملون معها يشعر بذلك أبدا.

سادسا: هداية لا تنشغل بنتائج الآخرين

من آفات اللاعب المصري والطالب المصري والموظف المصري أنه يبحث دائما عن نتائج الآخرين، وكثيرا ما رأينا في الرياضة من يتمنى الخسارة للجميع طوال الوقت، مع ذلك لم نر في هداية ذلك الأمر أبدا.. تنشغل بنفسها فقط.. وتتمنى المكسب لباقي زميلاتها بكل إخلاص.. ربما لهذا أيضا يوفقها الله دائما.

سابعا: هداية لا تبالغ في انفعالاتها

تكسب بهدوء وتخسر بهدوء وتصاب في هدوء، على مدي العام الماضي فقط أصيبت هداية بكسرين.. الأول في يدها والثاني في قدمها..غير باقي الإصابات، غابت عن الملاعب ما يقرب من ربع موسم كان كافيا لتتقهقر في الترتيب كثيرا، وواجهت ظلما غير مسبوق في دورة الألعاب الأفريقية.. كل ذلك كان سببا في الإطاحة بها إلى الخلف في ترتيبها الذي كانت تحاول الحفاظ عليه.. مع ذلك لم أرها تصرخ ولا تبكي ولا تنهار (كالمعتاد)..بل تعاملت مع الأمور بشكل هاديء تماما، وعادت لتطيح بالجميع.

علموا أنفسكم وأولادكم ومن تحبون أن يصبحوا مثل هداية ملاك داخل أو خارج الرياضة، لا أضمن لكم أن يصبحوا يوما أبطالا للعالم..لكن على الأقل.. سيحصدون من حب الناس ما يكفي.. وها أنا أعترف على الملأ – مع الاعتذار لزوجتي – أنني أحب هداية ملاك!