رائد سلامة: إيه اللي ودَّاهم هناك؟

أربعُ كلمات تُلخصُ الكثير.. قلوبٌ تَحَجرت و عقولٌ خَرِبت بفعلِ سنوات الظلم و الجهل و الخرافة، فإختُزل دمارُ الروح في تلك الكلمات ليفقد المنطق إنسانيته في لحظة..لم أستطع حينها أن أتفهم دوافع مَنْ رَدَدَوا تلك العبارة البائسة..هل هو نوع من إثبات أنهم كانوا علي حق عندما لزموا بيوتهم مؤثرين السلامة علي التعرض للإهانة و القمع؟ مُحتمل..هل هو نوع من التشفي و الكيد لمن شارك في إسدالِ ستارِ النهاية لنفوذ مرحلة فسادٍ و قهرٍ إستفادوا منها؟ يجوز..لكن في نهاية الأمر كان المشهد البغيض الموجع بلا حدود: ذبحٌ في ميدان الشهداء (التحرير سابقاً) و أشباحٌ ترقص فوق دماء الضحية..”هي إيه اللي وَدَّاها هناك”.

 
لم تختلف لهجة خطاب “الخارجية المصرية” تعليقاً علي ما حدث لمصريين في “سِرت” الليبية منذ أيامٍ عما تردد عقب الإعتداء علي “ست البنات” منذ ثلاث أعوامٍ بالضبط، فيالها من مفارقة تاريخية..إنكشف عِرضُ مصر في ديسمبر 2011 و إنكشفت روحُها في ديسمبر 2014. خرج علينا المتحدث الرسمي بإسم الخارجية المصرية بعد جريمة قتل عائلة الطبيب المصري “مجدي صبحي” و زوجته “سحر طلعت” و إبنتهما “كاترين” -عليهم جميعاً رحمة الله- بتصريح لإحدي الفضائيات قال فيه نصاً: “إحنا قلقانين على المصريين اللي في ليبيا، لأن الأوضاع الأمنية متدهورة جدا، فياريت المصريين اللي هناك يبحثوا عن الأماكن اللي فيها أمان ويسكنوا فيها، واللي حاسس إن الأمن متدهور يرجع”، فإذا بجماعات الإرهاب في “سرت” تَردُ علي جناب السفير بإختطاف 13 مصري، ليعود جنابه فيُفحمنا بتصريح جديدٍ لفضائيةٍ أخري قال فيه: “”أصدرنا 25 بيانا رسميا نحذر فيه المصريين من السفر إلى ليبيا”! هكذا إختزل موظفو الخارجية التي تقوم -أو هكذا ينبغي- علي العناية بشئون ما لا يقل عن ثمانية ملايين مصري مغترب، مهمتهم في مجرد “التحذير” لمرات عديدة.

 
منذ نحو عشرة أشهر جمعني في نقابة الصحفيين حفل -أدارته بإقتدار الأستاذة حنان فكري عضو مجلس النقابة- مع جناب السفيرين “بدر عبد العاطي” المتحدث بإسم الخارجية و “علي العشيري” مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية و كان معنا علي المنصة السفير الليبي و الأستاذ كمال عباس و المهندس حمدي الفخراني..كان الحفل مُقام لتأبين سبعة شهداء مصريين قتلوا في بني غازي لمجرد أنهم مسيحيون حسبما روي أحد الفارين من المذبحة الذي راح في نوبة بكاءٍ حادة بعدما قال أن المسيحيين المصريين في ليبيا يضطرون إلي ربط معاصمهم برباط ضاغط ليُخفوا علامة الصليب حتي يمكنهم الهروب بسلام من الجحيم في بني غازي.

 

حين جاء دورهما في الحديث، قدم السفيرين “عبد العاطي” و “العشيري” التعازي لأهالي الضحايا و أسهبا في شرح جهود الوزارة في إجلاء المصريين من ليبيا و قال أحدهما بالنص: “إن الدولة المصرية قادرة وليست عاجزة في توفير وسائل الأمن للمصريين وعودة من يرغب منهم و هذا التزام من الدولة التي تقوم بتجميع للمصريين الموجودين في ليبيا في أماكن مؤمنة بعيداً عن وسائل الإعلام حتى يتم الحفاظ عليهم و عودتهم إلى أرض الوطن”، ثم قال الآخر: ” أن وزارة الخارجية تطالب شركات التأمين المصرية أن تبحث عن مظلة تأمينية للمصريين في الخارج في حالة الوفاة أو القتل أو الإصابة أثناء العودة أو العجز الكلي والتوصل إلي شكل من أشكال البوليصة التأمينية للعائدين لظروف قسرية”.

 

لسوء حظ السفيرين، كان العبد الفقير إلي الله آخر المتحدثين..تَلوتُ بيان “مصريون ضد التمييز الديني” التي حضرت المؤتمر ممثلاً لها، ثم وجهت للسفيرين خطابي: “إن كانت الخارجية “تطالب”، فماذا عساي إذن أن أفعل أنا و المصريين البسطاء. أحذركم بأن إستمرار تقاعسكم في توفير الحماية و إعادة المصريين من مدن الهلاك بليبيا سيترتب عليه ما هو أبشع، و حينها سيتحمل النظام كله -لا الخارجية وحدها- وزر ما سيحدث”.

 
إنفض حفل التأبين، و مرت تسعة أشهرٍ طوال تحققت فيها مخاوفي..لم تَفِ وزارة الخارجية بوعودها مما أسفر عن إراقة مزيد من الدماء الزكية لمصريين قُتلوا في “سِرت” بدمٍ بارد علي الهوية الدينية، ليخرج علينا جناب المتحدث قائلا أن وزارته أصدرت 25 بياناً للتحذير من السفر لليبيا ف………” إيه اللي ودَّاهم هناك”.

 

 

إقرأ ايضا

طارق عباس: معتز “إوعوا تروحوا في أي حتة”.. راح هُوّ!

محي الدين أحمد: #باصي_لعفيفي 10 دقائق تكفي

أحمد عوض كبير مخرجي ontv: هذا رأيي في إبراهيم عيسى ويسري فودة وليليان داوود
تابعونا عبر تويتر من هنا
تابعونا عبر الفيس بوك من هنا