مي سعيد : الأرض مقابل الإعلام

و لأننا مسجونين داخل الثالوث الأمثل الذى يجعل كل المعاهدات غير المشروطة ممكنة و محتملة و بما أن هذا الثالوث أصبح جزء لا يتجزء من واقعنا، متمثلاً فى الفقر و الصمت و فقدان الرغبة فى التفكير و التأمل فهذا بالتحديد السر وراء التقسيم الجديد للمجتمع الذى لم يتوصل إليه ابن خلدون أو أى من علماء الإجتماع ….. فقد أصبحنا مجتمع من المغيبين و الإعلاميين .
هم يبيعون الوهم و نحن نتجرعه.

 
هذا ما دفعنى للتوقف قليلاً و محاولة الوقوف على الأسباب التى دفعتنا لإبرام معاهدة مجحفة مع جهاز إعلامى تنقسم الوظائف فيه ما بين العهر و التكسب و المقامرة إلا من رحم ربى، كيف تركناهم يأخذون الأرض مقابل هذا الإعلام كيف إستبدلنا الوطن بحديثهم المجتر من ذكريات مصالحهم و طموحاتهم الكاذبة.

 
الشهرة و التنافس و العقود المبرمة من قناه لأخرى و أصواتهم الحنجورية التى تبيعك الهواء لتأخذ مقابله الأرض، تأخذ الوطن فإذا بنا أمام إعلام يدعى العفة و يقسم أنه مختون و يزايد على رغباته و رغبات مموليه و يخفى شبقه وراء ستار الحيادية الكاذب، كنت أتمنى أن يكون ضمادة يُمسح بها خد الوطن، إرادة يُصفع بها القدر الظلم عندما يكون ظالماً و يُربت بها على كتف هذا القدر عندما يكون حنوناً.

 
تمنيت لو كان إعلاماً شهياً يغوى الأمل و العمل و الحياه تمنيت لو كان إعلاماً طازجاً متفتح الورود يقطف ثمار الوعود فيحولها إلى حقيقة حلوة المذاق ناعمة الملمس، تمنيت لو كان إعلاماً أسمر اللون يغرس بذوره فى رحم الأرض فتنبت الكلمة و تنمو و تثمر، تمنيت لو كان إعلام لا يحتوى إلا على حروف الجر ليجر بها وطنناً بعثرته الطرقات و شتتته الفرص الضائعة، تمنيت لو كان إعلاماً لا ينطق إلا الكلمات المرفوعة كى يرفع بها شأن هذه الأرض الطيبة و الوجوه الدافئة الحنونة التى بعثرها الزمن.

 
شاءت الأقدارذات مرة أن تجمعنى بأحد الصحفيين العاملين فى مجال الإعلام و إستمعت إلي حلو حديثه ثم قاطعته فجأة و قلت له ما أجمل كلماتك لماذا تكتب هكذا فى الصحف إذا و لماذا تتآمر أنت و معديك فى برنامجك علينا جميعاً.

 
أجاب و قد علت ضحكاته من فرط دهشته لما أقول و أجاب ببراعه و ثقة و قد تحول فجأة من هذا الإنسان الذى كان يرمينى بحلو الكلمات منذ قليل و ارتدى هذا القناع الأجوف الذى دائما ما رأيته على وجهه خلف الشاشة ثم أجاب : نحن نقول و نكتب ما يطلب منا، كم عمرك يا صغيرة أنت؟.

 
أجبته معك حق صغيرة أنا مايكفى لأميز الزيف و الحقيقة و أختار الأرض و الوطن و لا أقايضها أبداً بالإعلام و منذ ذلك الحين إعتادت كلماتى أن تسكننى و لا تغادرنى فتصيبنى بالسقم و فهمت أن هذا الوطن ربما يسير نحو الغد بخطوات يسكنها الماضى المستعر فبدلاً من المضى قدماً يأخذه إعلامه إلى الخلف أو على الأقل يبقيه دون حركة، و هو ما أدى إلى موت الكلمة و توطن الشجن فى جنبات الحرف رغم إستشراء الرغبة و الأمل لكن يبدو أنها رغبة ذات عنفوان مبتور.

إقرأ ايضا

مي سعيد: مفاتيح سميحة أيوب

مي سعيد: “رضاعة” إعلامية

مي سعيد: نخبة العنكبوت

مي سعيد: شريف مدكور حبيبي

لمتابعتنا عبر تويتر اضغط هنا

لمتابعتنا عبر الفيس بوك اضغط هنا