طارق الشناوي يكتب: فيروز تُطل على شاطئ الـ"80".. السنباطي والموجي والطويل وأحلام مجهضة مع "جارة القمر"!

فى لبنان يقولون «لا صباح بدون فيروز» ومن المؤكد أن فى مصر كثرا يبدأون مثلى يومهم بصوت فيروز، ثم قبل أن يخلدوا للنوم يقولون «لا ليل بدون أم كلثوم».

غنت لمحمد والمسيح، للكعبة الشريفة والكنيسة المقدسة، وعندما اقترب زوجها عاصى من رحلة الوداع كانت تضع تحت وسادته الإنجيل والمصحف، وقت أن كانت لبنان تكتوى فى منتصف السبعينيات بنيران حرب طائفية قسمت بيروت بين شرقية وغربية، مسلم ومسيحى كانت فيروز هى الاستثناء، حتى لو طالت بيتها نيران غير صديقة، فهى لم تغادر لا البيت ولا الوطن، فهى لا تتنفس سوى هواء وهوى لينان. «فيروز» حاضرة فى الوجدان العربى مصر وسوريا والمغرب والخليج، صحيح هى تعتز بأنها ابنة شجرة الأرز ومحل إقامتها الدائم لبنان ولكنها تسكن كل القلوب العربية، عندما سألوا عبد الوهاب عن رأيه فى عدد من الأصوات أجاب باستفاضة وبإعجاب وعندما وصولوا إلى محطة فيروز توقف وقال أنتم الآن انتقلتم من الحديث عن الأصوات البشرية إلى الملائكة وهل أحد يملك أن يقول رأيا فى الملائكة؟.

فيروز «جارة القمر» لأن أغانيها تسمو بأرواحنا، قصة قدرية ترى فيها بصمة الله، محطة حليم الرومى هى منصة انطلاق أولى وتستطيع أن تقول أيضاً إن الموسيقار اللبنانى محمد فليفل أدخلها الحضانة الغنائية عندما بدأت فى المدرسة الغناء والإنشاد الدينى، الرومى وفيلفل شكلا البنية التحتية لتنتقل إلى المرحلة التالية لقاء مع عاصى.. إنه المصير.. دائماً ما تبدأ اللمحة الأولى بالنفور، لم تكن فيروز ترى فى أسلوب تعامل عاصى رجل الشرطة السابق معها إلا وهو يحمل قدراً من الصرامة والجفاء الذى لم تكن تدرى له سبباً، ولم يكن هو يرى فيها أيضاً فى البداية الاكتمال المطلوب للصوت القادر على الغناء بكل أطيافه، كان يعتقد أنها فقط صالحة لترديد التراث، بينما منصور كان أشد ضراوة فهو يراها لا تصلح للغناء الراقص حيث كان المسرح الاستعراضى بما يتطلبه من إمكانيات صوتية ولياقة جسدية هو حلم الشقيقين ولكن القدر قال كلمته لا رحبانية بدون فيروز.

وانطلقت فيروز داخل هذا المذاق السحرى الرحبانى، بينما قليلة هى الأعمال التى أبدعها عدد محدود من الموسيقيين خارج أسوار الرحبانية، أشهرهم فيلمون وهبى وزكى ناصيف وتوفيق الباشا من لبنان ومحمد عبدالوهاب من مصر.. هذا لو تركنا البدايات فى مطلع الخمسينيات التى غنت فيها مثلاً للموسيقار المصرى مدحت عاصم وقبل أن تلتقى فيروز مع عبدالوهاب غنت له عددا من الألحان القديمة مثل «خايف أقول اللى فى قلبى» و«يا جارة الوادى» والمعروف أن «جارة الوادى» التى كتبها أحمد شوقى تتحدث عن «زحلة» وهى بلدة فى لبنان.. وبعد ذلك لحن لها عبدالوهاب «مُر بي» و«سهار» و«سكن الليل» كما أن أذن الرحبانية توقفت كثيرا أمام تراث سيد رويش مثل «الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية» و«طلعت يامحلى نورها شمس الشموسة»، وكالعادة يحتفظ الرحبانية بحق التوزيع الموسيقى ولهذا تجد أن الأغنيات التى غنتها لعبدالوهاب أو درويش تحمل الرائحة الرحبانية.

كانت فيروز حُلما لأكثر من ملحن مصرى كان كل منهم لديه نغم يريد أن يحمله للناس عن طريق صوت فيروز، كمال الطويل ومحمد الموجى ورياض السنباطى، والحقيقة أن السنباطى اقترب من دائرة التنفيذ، كانت فيروز بعد طلاقها الصامت من عاصى الذى أصيب أيضاً بجلطة مخية عام 1980، وذلك قبل رحيل رياض السنباطى بعام واحد حيث لحن لها السنباطى ثلاث قصائد كتبها «جوزيف حرب» و«عبدالوهاب محمد» هذه القصائد بدأت بمبادرة من أحد الشيوخ فى الكويت وأجرت فيروز البروفات، وبالمناسبة كان المطرب والملحن أحمد السنباطى الذى رحل قبل ثلاثة أعوام ابن رياض السنباطى لديه تسجيل نادر يجمع بين صوت فيروز ورياض على العود أثناء البروفات والتسجيل تم بالصدفة، لم يكن للسنباطى الكبير رغبة فى تسجيله والدليل أنه مثلاً لم يسجل بروفات تجمعه مع أم كلثوم رغم أن ما بينهما 302 لحن، وكان السنباطى يغلق جهاز التسجيل فوضع يده على الزر الخاطئ للتسجيل وجاء هذا اللقاء التاريخى وهو مع الأسف غير قابل للتداول إلا على المستوى الشخصى، لأن فيروز لم تسجل أثناء حياة السنباطى القصائد بالفرقة الموسيقية وترفض حالياً تسجيلها وذهبت كل محاولات السنباطى الصغير سدى لإقناعها.. أما محمد الموجى فهو فى مرحلة قريبة من ذلك التاريخ تلقى أيضا اتصالا من أحد المقربين من فيروز يخبره برغبتها فى التعاون الفنى وأعد الموجى أكثر من فكرة لحن، ولكنها تراجعت فى اللحظات الأخيرة لأسباب غير معلنة.

والحقيقة أنه منذ الخمسينيات وغناء فيروز فى مصر يشكل هدفا وصل إلى القيادة السياسية متمثلة فى جمال عبد الناصر «الكلثومى» المزاج الفنى، إلا أنه كان مدركا قيمة صوت فيروز وأهمية تجربة الرحبانية، لهذا طلب من الإذاعى الكبير أحمد سعيد أمد الله فى عمره، أن يسجل عددا من أغانيها الجديدة لحساب «صوت العرب».. وغنت قصيدة «سوف أحيا» التى كتبها مرسى جميل عزيز بتلحين الرحبانية، كانت هناك مشروعات لم تكتمل لعدد من الملحنين المصريين، مثلا قال لى الموسيقار كمال الطويل إنه لحن لها بدون أن يتفق معها «بكرة يا حبيبي» التى كتبها عبدالرحيم منصور ولكنه لم يتواصل معها، رغم أن المذاق الفيروزى كان مسيطراً عليه وأسند اللحن بعدها إلى وردة،، باقى الحكاية استكملتها من ابن كمال الطويل الموسيقار الشاب زياد الطويل عندما سألته عن تلك الأمنية قال لى إنه عرف بالفعل تلك الرغبة لوالده وبحث عن تليفونها فى بيروت وتمكن من الاتصال بها وأخبرها ورحبت بشدة، لكن فى نهاية الأمر تعطلت لغة الكلام ولم تغن للطويل ولا الموجى ولا بليغ ولا السنباطى، لا أرى فى ذلك امتناعاً عن تذوق اللحن المصرى لأن مكتشفها الأول حليم الرومى كثيراً ما كان يلحن باللهجة والمذاق المصرى بل إنه منحها أغنية مصرية مطلعها «فى الجو سحر وجمال».

«فيروز» ظلت تغنى للإنسان والوطن والأديان لكنها أبت أن تغنى باسم زعيم أو أمير، يد الله ترعاها وتحنو عليها، منحها القدر فى البداية الأخوين رحبانى ثم ابنها زياد ليكمل المسيرة، تقف الآن على شاطئ الثمانين- أمد الله فى عمرها- ولا تزال «جارة القمر» رسالة السماء لكل من يتوق إلى لحظة صفاء روحانى تقربه إلى الله.

نقلاً عن “المصري اليوم”

اقـرأ أيـضـًا:

“خناقة” غير مسبوقة بين خالد صلاح وعمرو أديب   

رئيس الزمالك يرد على جوزيه بوصلة سباب

صورة أحمد موسى المثيرة للجدل “مش فوتوشوب”

المراسلة التي غنى لها عدوية : التعليقات سخيفة !

“أستاذ” محمد صبحي.. مايصحش كده!!

مواقف و طرائف حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولى

عادل إمام يحرج مراسل قناة المحور على الهواء

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا