عبد الرحمن جاسم يكتب: دليلك إلى الممثل السيء.. كيف تميّز ممثلّك السيء مهما "تخفّى"

عبدالرحمن جاسم                        الممثل السيء

خاص اعلام دوت كوم

(ملحوظة مهمة: كل النماذج أو الممثلين أو الشخصيات الواردة في هذا المقال استخدمت الشخصيات أو الأدوار التي لعبتها كنوع من الإيضاح وليس لإهانتها أو للإساءة إليها أو للتقليل من قدرها وقيمتها، ولها منا كل الاحترام والتقدير، ولكن أداءها في تلك الأدوار يصنّف درامياً بهذا الشكل، لا أكثر ولا أقل، لذا وجب التوضيح).

في البداية يجدر التنبه إلى أنَّ كلمة “الممثل السيء” هي كلمة غير مرتبطة بممثلٍ وحده، أو أنه فقط ممثل “لا يجيد التمثيل” أو أنه “ممثل سيءٌ في كل أدواره”، بل إن “الممثل السيء” ممكن أن يكون ممثلاً سيئاً في أدوارٍ معينة فحسب، أو قد يكون قد أدّى في السابق بشكلٍ “جيد” أو قد يؤدي “لاحقاً ” بشكلٍ جيد، لكنه في هذا الدور الذي “نقيسه” أو “نحلله” قد ارتكب مجموعة من الأخطاء، أو أدى بشكلٍ يمكن “تصنيفه/قياسه” على أساس أنه “ممثلٌ رديء”.

نرشح لك: عبدالرحمن جاسم يكتب: هل دخلت الدراما السورية مرحلة الكوما؟

في البداية قد يعتبر البعض أنَّ “الأداء المبالغ فيه”(over acting) هو أول صفات الممثل “السيء”، فالأداء “الزائد عن حده”، يأتي على عدّة أصناف: مثلاً الممثل محمد سعد في فيلم “تك تك بوم”(2011، سيناريو وحوار محمد سعد، إخراج أشرف فايق) كمثال عن ممثل كوميدي، أو حتى نجوم كبار مثل “جيم كاري” في فيلم “The Wicker Man”(2006- إخراج نيل لابوتي وكتابة ديفيد بينر) عن أفلام درامية طبعاً ناهيك عن أدوارٍ عنف أو أكشن مثل بطل أفلام الأكشن الأميركي تشاك نوريس (في غالبية أفلامه العنيفة) وقس على ذلك. يعرف عن “هؤلاء” أنّهم يؤدون بطريقة “مبالغ بها” كما أنَّ “ردات فعلهم أكثر من المطلوب”، “حركة وجههم”، سلوكهم تجاه الشخصية، فضلاً عن طريقة كلامهم، مثلاً تعاني الفنانتان مي عز الدين وياسمين عبد العزيز من “الأداء المبالغ به” في أدوارهن الكوميدية، حيث تلجأ كلتاهما إلى “كوميديا الحركة” مستخدمين حركات وجه “تهريجية” وزائدة عن حدّها بشكلٍ مبالغ به، مما يجعلهن تفقدن الكثير من مهاراتهن التمثيلية؛ هذا –هنا- يصنف كأداء مبالغ به. نفس الأمر ينسحب على الفنانان السعوديان عبد الله السدحان وناصر القصبي في مسلسلهما الشهير “طاش ما طاش”. قد يعتبر البعض نظراً لنجاح هذه الأعمال واستمراريتها لسنوات طويلة (كالأجزاء المتعددة لمسلسل طاش ما طاش) أنها “بعيوب قليلة” أو أن هذه هي “الكوميديا”؛ وأن التمثيل “الزائد” مقبول والناس تحبه، لكن للحقيقة الناس تفضّل الكوميديا ذلك أنها تخفف من وطأة حياتهم، لذلك يحبونها مهما كانت “زائدة” وهذه الزيادة قد تسمى أحياناً good overacting أو على الأقل enjoyed overacting بمعنى الأداء المبالغ به المقبول أو المرغوب؛ لكن ذلك نهائياً لا يعني أنها “تمثيل زائد عن حده” منهك ويصبح مستهلكاً بشكل سريع.

لكن ماذا عن التمثيل الرديء فعلياً؟ كيف يمكن رصده؟

في البداية هناك عدّة نقاط سهلة للغاية، يمكن لأي “مشاهد”، دون الحاجة لأن يكون “خبيراً” في الدراما تمكنه من أن “يلتقط” الأداء السيء من الجيد؛ في البداية هناك أمور تحدد “التوصيف” ما قبل المشاهدة، وهناك أمور لا تستطيع قياسها إلا بالمشاهدة. قبل المشاهدة يمكنك تحديد “الرداءة” المقصودة من خلال تفاصيل ظاهرة:
اسم العمل وبوستره: بالتأكيد من خلال اسم العمل يمكنك “توقع” ما أنت بصدده، خصوصاً إذا كنت تشاهد “دراما” منذ سنوات (وحتى ولو كانت قليلة)، فعنوان مثل “عبده موتة”(وهو فيلم لمحمد رمضان) يحضرك لما بداخله (ولن أناقش هنا إذا ما كان أداء رمضان رديئاً في هذا الفيلم أم لا). لكن العنوان كما “البوستر” واستهتار “الممثل” بشكل البوستر، وطريقة “تقديمه” فيه خصوصاً إذا كان “من بطولته” الفردية، فالعديد من الممثلين يهملون هذه التفاصيل، لكن “الممثل الماهر” يعتبر أنه يجب أن “يظهر” بأفضل شكل ممكن، طالما أنه يقدر.

بمعنى أنه عند بدايات –أو نهايات- لا يستطيع الفنانون السيطرة على شكل البوستر أو شكل “تواجدهم” فيه ناهيك عن عنوان العمل؛ وهذا هنا لا يقاس عليه. قد يقاس إذا ما تكررت هذه المشاركات؛ فأن يشارك الفنان/الممثل في عشر أعمال بهذه التسميات أو بهذا الشكل من “البوسترات” يضعه “حكماً” ضمن هذا التصنيف.

اختيار العمل من أساسه: أحياناً يكون البوستر جيد، واسم المسلسل جيّد، ومع هذا فإن “صنّاع” العمل معروفون بأنهم “تجّار” أو “لايهتمون سوى بتحصيل أموالهم”، والشركات من هذا النوع كثيرة ومعروفة بالنسبة للفنانين. انتشرت في فترة ثمانينيات القرن الماضي أفلام سميت بأفلام المقاولات، وقد عاشت وانتشرت وازدهرت لسنواتٍ طوال، وكان من نجومها “محمود الجندي، وسعيد صالح وسواهم”. فهل كان أداء الراحلين الجندي وصالح رديئاً في تلك الأفلام؟ نعم بالتأكيد؛ مع العلم أن موهبة الممثلين الراحلين كبيرة وللغاية ولديهما “باعٌ طويل” في المهنة وخطٌ طويل من الأعمال الممتازة.

الاستهتار: يأتي الإستهتار على أشكالٍ عدّة، أوّلها وأهمها سلوك الممثل وسمعته وإصراره على إثارة الضجيج حوله في كل الأوقات، وهذا يشتت إهتمام الناس به، وينشغلون عن أدواره وتمثيله، بالحديث حول حياته الشخصية، وما يحدث بها. طبعاً، يعلم الجميع أن المشاكل –من أي نوع- تؤثر على “مهارة” و”مقدرة” و”أداء” أيٍ كان. بالتالي بدلاً من توجيه “الممثل” لطاقته ناحية “حرفته” يوجهها صوب “الضجة” المثارة حوله. هذا النوع من الضجيج يؤثر كثيراً؛ مثلاً محمد رمضان ممثل موهوب، وماهر للغاية كذلك، لكن الضجيج الذي أثاره حول نفسه جعله يقدّم أعمالاً كثيرة لم تحقق أي نجاح، فضلاً عن أن أداءه الشخصي فيها كان “مكرراً” و”رديئاً” في بعض الأحيان كما في “ملحمة موسى”(2021، كتابة ناصر عبد الرحمن وإخراج محمد سلامة) مثلاً. شكل آخر من الاستهتار هو “التأخر على التصوير”، “الصراع مع زملاءه” على اسمه في الأفيش/بوستر الفيلم، الصراع مع “المخرجين” و”الكتّاب” لتحقيق “أهميته” وسواها من تفاصيل سرعان ما تصبح منتشرة بين الجماهير.

التكرار: يرتاح الممثلون في أدوارٍ “تشبههم”، لا تخرجهم من “دائرة أمانهم”؛ لذلك نرى كثيراً من الممثلين يؤدون ذات الأدوار كل الوقت. يعلل البعض هذا بأن المخرجين أو الكتّاب أو حتى المنتجين يريدونهم في هذه الأدوار دون سواها، هذا قد يكون صحيحاً، لكنهم أيضاً لم يبذلوا الجهد الكافي لتقديم أنفسهم بالشكل المناسب للمخرجين. بعض الفنانين يضيع سنواتٍ طويلة من عمره غارقاً في شخصياتٍ لا تناسبه وتقدمه “مكرراً” للجمهور، وبالتالي يصبح عمله “رديئاً” كونه لا يمثّل أو يؤدي: بل “يسمّع” ما حفظه، و”يعيد” ما فعله مراراً وتكراراً. هنا قد يسأل القارئ: هناك بعض الفنانين قد أدوا أدواراً محددة خلال حياتهم بأكملها مثل محمود المليجي على سبيل المثال في أدوار الشر، تكمن الإجابة ببساطة هنا أنه كان “يطوّر” الشخصية الشريرة التي يقدّمها ولايبقى على ذات “الإداء”، فلا تجد “تكرراً” في أداءه أو طريقة تقديمه للشخصية.
هذه الأمور الأربعة لا تعني بالضرورة أن “يؤدي” الفنان بشكل “رديء” أو أنّه قد أضحى “مؤدياً رديئاً” لكن بنفس الوقت هي “البوابة” للدخول إلى هذا التصنيف، أو كنوع من التحضير له. بعد المرحلة الأولى التي أسلفنا، هناك مرحلة المشاهدة، وهنا تأتي الملاحظة المباشرة من خلال “معاينة” العمل والأداء؛ وعليك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة:

هل صدقت الممثل؟

هذه النقطة هي أساس أي شيء يمكن أن يحكى عنه. في البداية عليك أن تسأل نفسك كمشاهد، هل صدقت هذا الممثل في هذا الدور؟ هل نسيت نوع الممثل واسمه أمام هذه الشخصية التي يؤديها؟ يعني مثلاً آل باتشينو في “عطر امرأة”(Scent of a Woman 1992، كتابة بو جولدمان وإخراج مارتن بريست) ينسيك تماماً أنك أمام آل باتشينو. باتشينو نفسه في دوريه الشهيرين الآخرين الدون مايكل كورليوني في “العراب”(1972، كتابة ماريو بوزو وإخراج فرانسيس فورد كوبولا)، و”مساعد الشيطان” (1997 devil’s advocate كتابة جوناثان ليمكين وإخراج تايلور هاكفورد) ينسيك كمشاهد أنه مؤدٍ من أساسه، فتنسى الشخص/الممثل وتتذكّر الشخصية. الممثل السوري باسم ياخور في مسلسلي ضيعة ضايعة (كتاب ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو) والخربة(كتابة ممدوح حمادة وإخراج الليث حجو) يعطيك ذات الشعور، في الأوّل هو “جودة أبو خميس” “الشرير الظريف” وفي الثاني هو “توفيق بو قعقور” الضعيف والمغلوب على أمره. في الحالتين يصدّق المشاهد ما يراه أمامه، يأتي أداء الممثل السوري كما لو أنه “يتقمّص” أبطاله إلى درجةٍ شديدة الإبداع. نفس الأمر ينسحب على الراحل أحمد زكي والذي أدى في “ناصر 56″(1996 كتابة محفوظ عبد الرحمن إخراج محمد فاضل) دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ثم “حليم” (2006، كتابة محفوظ عبد الرحمن إخراج شريف عرفة) آخذاً دور العندليب عبد الحليم حافظ، وهو كان أدى مثلا قبلها “كابوريا”(1990، كتابة عصام الشماع وإخراج خيري بشارة) من يقارن بين الشخصيات يدرك تماماً كم أن حرفة الممثل لدى زكي عالية وكم دخل في الدور. ولأننا نتحدّث عن “الإرتداء” وخصوصاً المدرسة الأشهر في هذا الإطار وهي المدرسة التي أرساها قسطنطين ستانسلافسكي(1863-1938) المسرحي والأكاديمي الروسي وهي مدرسة الـmethod acting لايمكننا أن ننسى أو نتجاهل الراحل محمود عبد العزيز في دوريه الشهيرين الشيخ حسني في “الكيت كات” (1991، كتابة إبراهيم أصلان، إخراج داوود عبد السيد) وعبد المالك زرزور في “إبراهيم الأبيض” (2009، كتابة عباس أبو الحسن وإخراج مروان حامد) ومنصور بهجت في “الساحر”(2001، كتابة سامي السيوي إخراج رضوان الكاشف) وكل هذه الأدوار لا يشك المشاهد ولو للحظة أن مؤديها هو “نفسه”.

هل ارتدى ممثلك الدور؟

في البداية وقبل أي شيء، كمشاهد يهمك كثيراً أن تشعر أن هذا الممثل جهد؛ لكن الجهد وحده لا يكفي لارتداء الدور. مثلاً احتاج الممثل البريطاني كريستيان بايل إلى “تخفيض” وزنه بشكلٍ مرعب للقيام بدوره في “The Machinist”(2004، كتابة سكوت كوسار وإخراج براد أندرسون) ومن شاهد الفيلم، يدرك “التعب المهول” والجهد الكبير والمبذول لتحقيق هذه الشخصية، نفس الأمر ينسحب على ماثيو ماكونهي في “Dallas Buyers Club”(2013، كتابة كريغ بولتن ومليسيا واليك وإخراج جان مارك فالي). هنا، إذا شاهدت بطل العمل الذي تشاهده، لا يزال يرتدي “ذات الثياب” أو لا يزال هو “ذاته” بشكله “نفسه” في كل الأدوار(أو حتى في حياته العادية)، هذه واحدة من النقاط التي يجب عليك أن تبدأ بالسؤال حولها وحول جهده الذي بذله في هذا العمل وحول احترامه لك كمشاهد، لنفسه كمؤدٍ وممثل، وللعمل والحرفة بحدّ ذاتها. في الإطار عينه، إن الجسم وحده لا يكفي، أيضاً هناك “اللهجة/اللكنة” التي يحكي بها؛ مثلاً يعاني كثيرٌ من الممثلين غير المصريين (وحتى بعض المصريين) من اللهجة “الصعيدية” مما يجعل “اندماجهم” في الشخصية ثقيلاً وغير مناسب، نفس الأمر ينسحب على كثير من الممثلين العرب حينما يؤدون باللهجة الخليجية أو اللبنانية فتبدو اللهجة ليست ثقيلة فحسب، بل أيضاً “غريبة”، مما يجعلهم يبدون غير صادقين. “كسل” الممثل وقلة “اهتمامه” بطريقة “تخريجه” للدور/الشخصية سوف يظهر بشكلٍ واضح على أداءه، فمهما يكون “الأداء” عظيماً، فإن “الشكل الخارجي” يلعب دوراً كبيراً في “تقديم” الحكاية بشكلٍ أصدق؛ مثلاً جاء الشاربان الكثان للممثل السوري تيم حسن في مسلسل “الزند: ذئب العاصي”(كتابة عمر أبو سعدي، وإخراج سامر البرقاوي) جزءاً لا يتجزأ من الشخصية، كون ذلك الشكل والشارب كانا من سمات تلك المرحلة الزمنية. نفس الأمر ينسحب على الحركة الجسدية ومحطات الكلام والجمل المنسوبة للبطل كما سلوكاته الشخصية: كلها تسهم في تأكيد إرتداء ممثلك للدور من عدمه.

ماذا جعلك هذا الممثل تشعر؟

لربما هذا هو السؤال الأهم خلال وبعد مشاهدة العمل الذي أنت بصدده. ما هو الشعور الذي كان أو بقي لديك بعد المشاهدة. هل شعرت بأنك “استمتعت” أو “أعجبت” أو حتى “كرهت” ما شاهدته. لا يكفي أن تصدّق هذا الممثل في دوره هذا، بل عليه كمؤدٍ أن “يسكنك” لمرحلة ما بعد “الدور”. يعني مثلاً كريس برات في “حرّاس المجرّة”(Guardians of the Galaxy 2014، كتابة وإخراج جايمس جن) يقنعك تماماً بأنه هذه الشخصية “المزعجة” و”اللعوبة” في آنٍ معاً. نفس الأمر ينسحب على النجمين الراحلين محمود المليجي وعادل أدهم، الذين تشعر بأنهما قد “نقعا بالشر وغسلا بماءه”؛ وهذا الأمر يظل لديك حتى ولو شاهدت “المليجي أو أدهم” في الشارع. الشعور الذي يعطيانه للمشاهد يستمر حتى بعد المشاهدة. هذا الأمر أيضاً تعطيه ممثلة قديرة مثل أمينة رزق، أو كريمة مختار اللتين تشعرانك بأنهما “والدتك” مع العلم أنَّ أمينة رزق لم تنجب في حياتها مثلاً. هذه المشاعر التي تحملها معك كمشاهد لما بعد المشاهدة تسمى “الشعور اللاحق”(after taste)؛ هذا الشعور يجعلك راغباً في متابعة أعمال هذا “الممثل” أو الهروب من أي عمل يشارك به إذا كان “الشعور اللاحق” سيئاً مثلاً.  الممثل السيء

هل أشعرك الممثل بالإحترام؟

وهذا هو السؤال الأخير هنا في هذه اللائحة. ما نتحدّث عنه هو الشعور الداخلي القوي بأن هذا “الممثل” قد اختار عمله بدقّة، ارتدى الشخصية باتقان، وأدى بأكثر مما يستطيعه. لا يستطيع المشاهد سوى أن يحترم العمل وينظر إلى “مؤديه” باحترام بالغ حتى ولو لم ينجح العمل في بعض الأحيان. يعني مثلاً لا يمكن لوم منّة شلبي على عدم نجاح مسلسلها “تغيير جو”(كتابة منى الشيمي إخراج منى أبوعوف) ذلك أن أداءها بقي “مرتفعاً” وبقيت “قريبة من القلب” على الرغم من “ثقل” المسلسل في لحظات ما.

الممثل السيء

الممثل السيء