مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (58) ..وين الرقاصة؟

مؤمن المحمدي
مؤمن المحمدي

“طبل لي وشد الطبلة أومال لـ أرقص لك فشرت سامية جمال”

لو فاكرين، فـ ده اللي غنته فيروز الصغيرة في أوبريت عملته تقلد فيه أهم رقاصات الفترة دي (1952)، والأوبريت كان فيه بديعة مصابني، وتحية كاريوكا وسامية جمال، وده يقول لك سامية جمال كانت فين من مجال الرقص.

خلينا نتكلم شوية عن الرقص الشرقي والسينما، قبل ما ندخل في حياة سامية جمال نفسها، ومعانا اتصال هاتفي، فيه سؤال: هو إحنا ليه بـ نسميه الرقص الشرقي؟ علشان جي من الشرق؟ طب وفي “الشرق” بـ يسموه إيه؟

في الخليج بـ يسموه الرقص المصري، وفي إيران، اللي هي الشرق ذاته، بيسموه الرقص العربي. وده معناته إن كل بلد وكل ثقافة بـ تحاول تتبرأ منه، وتقول إنه مش بتاعها، وإنه جي من برة، مع إنه كان موجود في البلاد دي من أول ما ظهرت للدنيا، في مصر الفرعونية، في بلاد فارس حتى في الخليج، آثار اليمن مرسوم عليها رقصات.

أومال الفن ده ملعون ليه؟

علشان الفن ده طول عمره مربوط بـ مثلث الرعب (الدين، السياسة، الجنس) يا إما بـ يبقى لازق في حاجة من التلاتة دول، يا إما بيهم مع بعض، أصلا فن الرقص بدأ كـ طقس في الديانات الوثنية، ولما الوثنية نفسها بدأت تختفي بقوا الرقاصات عندهم شيء من اللعنة، مع إنهم معندهمش ذنب في الموضوع ده.

مع الوقت الرقص ارتبط بالجواري، اللي هم مربوطين في أذهاننا بالجنس وبـ الفتن السياسية في قصور الخلفاء والأمراء.
في العصر الحديث، ارتبط الرقص بـ نوعين من الرقاصات: الغوازي والعوالم
والغازية غير العالمة خد بالك

الغازية هي الرقاصة البدائية اللي غالبا بـ تبقى من الغجر والنّوَر (حاجة كده زي نعيمة عاكف في التمر حنة) ودول مكنتش مشكلتهم الرقص، المشكلة في المجتمع اللي بـ يعيشوا فيه، غالبا كانوا أغراب عن البلد، وفيه منهم حرامية وبلطجية، وكانوا كتير كبارات البلد يحرقوا لهم الخيام بتاعتهم ويطردوهم برة البلد.

العالمة دي رقاصة محترفة، وعندها “علم” بـ الموسيقى اللي بـ ترقص عليها (زي تحية كاريوكا في خلي بالك من زوزو “نعيمة ألماظية”)، ودول غالبا كانوا بـ ييجوا في أفراح ولاد الذوات، وبـ يبقوا من طبقات أقل، بس بـ يحتكوا بـ الطبقات الراقية، فـ كانوا بـ يتعاملوا بـ شيء من الاحتقار لأسباب طبقية، وعلى رأي نعيمة ألماظية نفسها: “الأفراح ياما بـ تلم، وإحنا شغلتنا نبسط الزباين، هي دي أصول الكار”.

وزي ما إحنا شايفين، غالبا الرقاصة في التاريخ بتشيل ذنب مش بتاعها.

لما ندخل بقى في عصر السينما، هـ نلاقي إن السينما المصرية عرفت الرقص في التلاتينات من باب خلفي، لأنها قلدت السينما الأمريكية في ده. أيوة، السينما الأمريكية خدت الرقص الشرقي تيمة أساسية لـ أفلامها في الوقت ده، ولـ أن السينما المصرية كانت بـ تنافس عالميا، دخلت عالم الرقص، وشوية شوية بدأ الرقص يبقى ملمح من أهم ملامح السينما المصرية، ومن السينما بدأت صورة الرقاصة تتكوّن.

خلينا نقف في الفترة دي، وما بعدها بشوية لـ حد قبل الثورة، عند أربع نماذج:

1- بديعة مصابني، وأهمية بديعة مش إنها بس كانت بـ تمثل مدرسة في الرقص، لكن بـ الأساس علشان الكازينو اللي ياما اتكلمت عنه، فـ مش هـ أعيد الكلام.

الكازينو ده خرج عشرات الراقصات، وكان أكبر تجمع كوزموبوليتاني في القاهرة، التجمع الكوزموبولتياني بيكون متعدد الثقافات، مكان بديع من حيث التنظيم، والصرامة، والحياة شبه العسكرية لـ الرقاصات، ده من ناحية، ومن ناحية تاني للزباين اللي كان أغلبهم من رجال الجيوش المختلفة، وده كان بـ يخليه مرتع للصفقات والجاسوسية.
فـ الرقص في الفترة دي ارتبط بـ السياسة أكتر منه مرتبط بالجنس، وده يخلي فيه “تقدير” لـ الرقاصة، أو على الأقل عدم احتقار، بس ما يخليهاش شعبية، هـ تفضل هي حاجة والمجتمع حاجة، خصوصا مع الشعور الوطني، والرغبة في طرد الأجانب من مصر.

2- تحية كاريوكا: الرقاصة الوطنية الحريصة على التقاليد الشرقية في الرقص، وفـ غير الرقص، اللي بـ تنضم لـ المقاومة ضد الاستعمار، اللي عندها ثقافة، اللي انضمت لـ واحد من أشهر التنظيمات الشيوعية “حدتو”، اللي بـ تقود الإضرابات، اللي بـ تتجوز 14 راجل، بس ما تعملش أي علاقة “في الحرام”، اللي كتب عنها واحد من أهم الكتاب في العالم، إدوارد سعيد، تحية هي اكتشاف بديعة مصابني.

3- سامية جمال: الصعيدية اللي خلطت الشرقي بـ الغربي، واللي مكنتش ممثلة قوي قد ما هي رقاصة، وعلى عكس تحية كاريوكا المعلمة، كانت سامية جمال (اسمها الحقيقي أصلا زينب) نموذج للست الغلبانة المنكسرة، وممكن نشوف الفرق بين مدارس بديعة وتحية وسامية في الرقصات اللي لعبتها فيروز الصغيرة في فيلم “دهب”، اللي فتحنا بيه الكلام.
الاستعراض ده معناه إن مدارس الرقص، والفروق بينها، كانت معروفة حتى للمشاهد العادي، تاريخ الفيلم مهم (1952)، وهـ نلاحظ إن كاريوكا قبل بديعة في الاستعراض.

4- حكمت فهمي، اللي بـ تأكد على ارتباط الرقص بـ عالم السياسة، ما نعرفش حاجة تقريبا عن طريقة حكمت في الرقص، لكن حكايتها المعروفة، واللي كان السادات طرف فيها، بـ تكشف العالم التاني لـ عوامات الرقص، والكازينوهات، وتورطها في أعمال الجاسوسية، وما إلى ذلك.

بعد 1952، دولة يوليو حاولت تخلق نوع من الرقص يخدم تصورها عن الدولة، تمثل في اهتمامها بـ فرقة رضا، وتحديدا فريدة فهمي، في مقابل تعاملها مع خريجي مدرسة بديعة، وممكن نمثل هنا لـ المدرسة اللي يوليو حاربتها بـ زينات علوي، في المقابل، كانت مدرسة فريدة فهمي، الراقصة (مش الرقاصة) الملتزمة بالأخلاق وبالدولة، المثقفة المتعلمة اللي عندها دكتوراه في الأنثربولوجي، اللي أصرت إنه يتكتب في خانة المهنة بالباسبور: راقصة .

الاحتقار اللي تعاملت بيه يوليو مع الرقص الشرقي، هـ يولد تيار إدانة، حتى من داخل الوسط الفني للرقاصة، وهيفضل حسن الإمام لـ وحده بـ يحاول يقدم الرقاصة بشكل مختلف، وبعد موت عبد الناصر، هـ يبقى الرقص الشرقي تهمة، وطبعا حسن الإمام مع صلاح جاهين مع تحية كاريوكا مع سعاد حسني هيشيلوا هم الدفاع عنها في “خلي بالك من زوزو”.

بعد أكتوبر، وزي كل حاجة، هـ تبدأ حالة من الانفجار والفوضى، وتلاقي الرقص على كل لون يا باتيستا، مع عدم اهتمام بموقع وموقف الرقص من العالم، المهم الشهرة والنجومية والفلوس.

هـ نلاقي من أول نجوى فؤاد اللي هـ ترقص لكيسنجر في زيارته الشهيرة لمصر، واللي كانت محل انتقاد جماهيري واسع، لـ سهير زكي، لـ رقاصات درجة تالتة، لـ راقصات وخلاص، ويتزايد تيار إدانة الرقص الشرقي حتى في الأعمال، لدرجة إن أغلب أفلام دينا، بـ تتوب عن الرقص في آخر الفيلم.

في فترة ما بعد أكتوبر، مهم نقف قدام نموذجين، بيعتبروا الرقص مهنة، ومهمة اجتماعية، ورسالة، وأهمية النموذجين دول إنهم فنانات شاملات، ولسه مستمرين في تقديم بروجرام كلاسيكي لحد دلوقتي:
زيزي سالم الله يرحمها، ولوسي

زيزي سكندرية، ولوسي هي الممثلة المعروفة، ولعبت أدوار كتيرة في السينما والفيديو من غير رقص
الطريف جدا، إن الأغنيتين الأساسيتين في بروجرام زيزي ولوسي هما: يا حبيبتي يا مصر، وعمار يا إسكندرية.

وتحيا مصر

طولت عليكم في الكلام عن الرقص
نخش بقى على سامية جمال

الصفحة الرسمية للكاتب مؤمن المحمدي

اقـرأ أيضـاً:

مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (57) ..وداد   

مؤمن المحمدي يكتب : ألف مشهد ومشهد (56) ..نسوان ألف ليلة وليلة

مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (55) خلطة الريحاني   

مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (54)  

مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (53) ..أحمر شفايف 

مؤمن المحمدي يكتب: ألف مشهد ومشهد (52) المشاهد المحذوفة

.