حسين عثمان يكتب: تراث المؤسسات الصحفية القومية

ردود أفعال تباينت ما بين الحسرة والحزن والأسى، أعقبت قرار الهيئة الوطنية للصحافة بإغلاق “الكواكب” المجلة الفنية المصرية الأعرق والأشهر على الإطلاق، تأسست عام 1932 ولم تتوقف عن الصدور عن مؤسسة دار الهلال طوال 90 عامًا، كما لم تفقد مكانتها في صدارة مشهد الصحافة الفنية يومًا، حتى أن الظهور على غلافها بات يُعد بمثابة شهادة ميلاد فنان حقيقي ونجمة واعدة، صحيح أن القرار أشار إلى دمجها مع مجلة “حواء” بصحبة مجلة الثقافة الصحية الشهيرة “طبيبك الخاص”، كما أفاد إلى إطلاق موقع إلكتروني خاص بها، إلا أن هذا كله لا ينفي طي صفحة تاريخية هامة وراصدة ومؤثرة وفاعلة إلى أبعد الحدود.

لم يكن القرار مفاجئًا لي بأي حالٍ من الأحوال، فهو يأتي في إطار خطة موضوعة حيز التنفيذ لأكثر من عامين الآن، من وقت أن كلف رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مطلع عام 2020، كلًا من وزيري المالية والتخطيط، ومعهما رئيس الهيئة الوطنية للصحافة ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية ورؤساء تحرير إصداراتها في هذا الوقت، كلفهم جميعًا بسرعة العمل على إصلاح أوضاع المؤسسات الصحفية القومية، وتطوير منظومة العمل بها، وذلك في إطار برنامج زمني محدد، يراعي ترشيد وحوكمة إنفاق هذه المؤسسات، ومحذرًا من استمرار الأوضاع كما هي عليه، فلم تتوال الأحداث إلا عاصفة في بلاط صاحبة الجلالة طوال هذه المدة.

نرشح لك: محمد صلاح عن أسرته: مش محتاج أجبر حد فيهم على حاجة

ملخص تكليف مدبولي جاء تفصيلًا في 15 بندًا محددًا، كان منها دراسة موقف كل الإصدارات واتخاذ قرار حاسم بشأنها، فجاء بعدها الاكتفاء بإصدار بعض الإصدارات بصيغة PDF مع إيقاف نسخاتها الورقية، مجلة “ديوان الأهرام” الوثائقية الربع سنوية على سبيل المثال، كما تم إيقاف صدور الصحف اليومية المسائية الثلاث بما فيها “المساء” الأشهر والأعرق والأكثر جماهيرية، وكانت “المساء” قد توقفت في يوليو الماضي عن عمر 65 عامًا، واستمرت إصدارات أخرى في الصدور كالمعتاد ولا تزال، ولكن مع ترشيد تكلفة صدورها، فأصبحت “أخبار النجوم” مثلًا تصدر كجريدة ورقية من القطع الصغير من عدة صفحات، بدلًا من مجلة ملونة مكونة من عدة ملازم.
بالتوازي كانت المؤسسات الصحفية القومية تعمل على بند آخر ضمن تكليف رئيس الوزراء، ألا وهو إعادة تأهيل هذه المؤسسات حتى تواكب ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فتوحدت جهود هذه المؤسسات نحو تطوير مواقعها الإلكترونية، وتكثيف تفاعلها على شبكات التواصل الاجتماعي، وظهرت “الصحافة التليفزيونية” على استحياء وفق إمكانيات محدودة على بوابات مؤسسات دار المعارف وروزاليوسف، وهو ما يجعلنا نؤكد أن “الكواكب” ليست إلا محطة جديدة على طريق اندثار الصحافة الورقية، خاصة وأن أبناء المهنة استسلموا لسطوة السوشيال ميديا، فركنوا إلى الاستسهال بعيدا عن الاجتهاد، ونسوا أو تناسوا أن الفكرة دائمًا هي البطل، فلم يجتهدوا حتى في وداع الصحافة الورقية وداعًا يليق بها.

ما يعنيني الآن، والمفترض أن يحوز اهتمام الدولة أولًا، وقد اختص به كذلك أحد بنود تكليف مدبولي، هو دراسة تسويق تراث المؤسسات الصحفية القومية، ولعلي أعود بالتكليف خطوة إلى الوراء، فأنبه إلى ضرورة حصر وتأمين وتجديد ورقمنة هذا التراث، حتى لا نفيق على صدمة اختفائه على طريقة تراث السينما المصرية مثلًا، تراث المؤسسات الصحفية القومية يتماس بالأساس مع الهوية المصرية، وحتمية إعادة التأسيس لها كأحد أهم مقومات الجمهورية الجديدة، بعدها هناك ألف فكرة وفكرة لتسويق هذا التراث، خاصة مع انتشار توجه فاعل لإعادة قراءة التاريخ من خلال تراث صاحبة الجلالة، انتبهوا إذًا أيها السادة، فواقع تراث المؤسسات الصحفية القومية صادم.