أندرو محسن يكتب: حامل اللقب.. كيف تصنع اللعبة الحلوة؟

أندرو محسن

يعلم أي متابع جيد للرياضات الجماعية وخاصة كرة القدم، أن الفوز لا يمكن أن يعتمد على لاعب واحد مهما بلغ من مهارة وتميز، الأهم هو تفاهم الفريق بكامله، وربما أدرك بعض المتابعين لمباريات المنتخب المصري أن أسلوب “العب لصلاح” والذي يعتمد على إعطاء الكرة لمحمد صلاح أيًا كان موضعه وفرصته، هو أسلوب لا يؤتي نفعًا على الإطلاق، يجب أن يتكامل الفريق بأكمله حتى تكون هناك نتائج جيدة.

هذه النظرية لا تبتعد كثيرًا عن كيفية صناعة فيلم جيد، هناك قاعدة شهيرة، أن الفيلم الجيد هو الذي تكون نتيجته أكبر من من مجموع أجزائه، إذ تتضافر عناصر الفيلم الجيدة معًا ليخرج العمل في النهاية بصورة جيدة.
هذه القاعدة هي التي اعتمدها صناع فيلم “حامل اللقب”، من تأليف هشام ماجد وإيهاب بليبل، عن فكرة لكيرلس أيمن فوزي، وإخراج هشام فتحي، وللمفارقة، بطل الفيلم هو نجم كرة قدم، وبعض الأحداث تدور داخل الملعب وفي غرفة الملابس.

لديهم خطة
لا يكاد يخلو أي موسم سينمائي في مصر من الأفلام الكوميدية، وقد استمرت سيطرة هذا النوع على شباك التذاكر لعدة سنوات، قبل أن يتراجع مؤخرًا أمام أفلام الحركة والتشويق. واحد من أسباب تراجع الأفلام الكوميدية مؤخرًا -وضعف الكثير من الأفلام بوجه عام- هو ضعف السيناريو. هكذا بتنا نشاهد الكثير من الأفلام الكوميدية التي تعتمد فقط على شعبية أبطالها ووجود جمهور مضمون سيضحك على بعض تعليقاته، أو أفلام تقدم مشاهد غير موظفة بشكل جيد وربما غير موظفة على الإطلاق داخل الفيلم، فقط للاستفادة ببعض ضيوف الشرف وإضافة المزيد من الكوميديا على حساب تماسك الفيلم.

من هنا تأتي الملاحظة الأبرز على هذا الفيلم، أن لديه سيناريو متماسك، وتوظيف جيد للشخصيات، وقواعد يرسيها منذ البداية ويسير عليها حتى النهاية. تدور الأحداث عن يحيى أو يايا (هشام ماجد) لاعب كرة القدم المتزوج من الطبيبة مسك (دينا الشربيني) ويمر بفترة صعبة في حياته الزوجية وأيضًا في مسيرته كلاعب. بعد إجراء بعض الفحوصات يفاجأ يايا بأنه حامل، وتتعقد الأمور عندما تطالبه زوجته بالاحتفاظ بالطفل، مما يعرضه للابتعاد عن كرة القدم.

شاهدنا في بعض الأفلام المصرية، ومؤخرًا في المسلسل الأمريكي الكوميدي “Ted Lasso” (تيد لاسو) شخصية لاعب كرة القدم، داخل وخارج الملعب، وكيف تؤثر النجومية ونتائج المباريات على حياته الشخصية. المفارقة الأساسية في شخصية يايا، والتي لعب عليها السيناريو بذكاء، هي كونه لاعب في نهاية مشواره، يعيش على أمجاد ماضيه، لكنه يملك شخصية قوية ومؤثرة داخل غرفة الملابس، حتى إن المدرب نفسه يخضع لأوامره. لا نشاهده متألقًا أو حتى يتحامل على نفسه ليقدم آخر ما يمكنه تقديمه، إنه يلعب بوضوح من أجل الحصول على المزيد من الأموال.

لكن تماسك السيناريو يتبدى بشكل أفضل في التعامل مع حمل يايا. قدم هشام ماجد من قبل معالجة لفكرة تحول رجل إلى امرأة من خلال فيلم “بنات العم” (2012)، وفيه شاهدنا أيضًا تحول شوق (آيتن عامر) إلى شوقي (أحمد فهمي) الذي مر أيضًا بظروف الحمل، لكن التعامل مع هذا الأمر في حامل اللقب يختلف تمامًا، إذ لا يضيع الفيلم وقتًا طويلًا في محاولة تفسير كيفية حدوث هذا الحمل، بل يتعامل معه كأمر واقع، والمطلوب هو إيجاد حل له، إما باستكمال الحمل أو التخلص منه.
يمكننا أن نتوقف هنا عند تفصيلة مهمة، تشير إلى كيفية تغير التعامل مع مفهوم الحمل ومع النظرة إلى المرأة عمومًا في السنوات الأخيرة. الشرارة الأولى لحمل يايا، جاءت بسبب سخريته من صحفية حامل في مؤتمر صحفي، وهو ما أطلق حملة كبيرة ضده كشخص يعادي المرأة.

هذا التتابع ربما لم نكن لنشاهده في وقت سابق. حتى وإن كان التناول كوميديًا بحتًا، فإنه يلفت النظر بالتأكيد إلى الوعي النسبي بعدم جواز السخرية من المرأة، وأيضًا على إمكانية أن يكون هناك رد فعل.

غرفة ملابس جيدة
من الأمور الشائعة أيضًا في كرة القدم، هي أن وجود روح جيدة بين أعضاء الفريق داخل غرفة الملابس -الغرفة التي يستعد فيها الفريق قبل انطلاق المباريات- يؤثر على تفاههم وطريقة لعبهم داخل الملعب.

نشاهد هذا في “حامل اللقب”، بداية من قدرة المخرج هشام فتحي على صناعة المشاهد الكوميدية، بشكل ذكي، وليس مجرد تنفيذًا تقليديًا للسيناريو، بما يبرز سيطرة المخرج على عناصر العمل كافة.

في المشهد الافتتاحي الذي نتعرف فيه على أبعاد المشكلة الحالية بين يايا ومسك، وتفاصيل حياتهما وأسرتهما. يقدم المخرج حلًا بسيطًا من خلال استغلال المكان وإضافة طرف جديد داخل المكتب الذي يدور فيه المشهد، هكذا بنهاية المشهد نجد جميع الأطراف حاضرة في مكان واحد، وقد تعرفنا على دورها في القصة، مما يجعل المشهد متجددًا بصريًا. بجانب هذه الافتتاحية، يمكننا التوقف طويلًا عند مشهد استخدام يايا لاختبارات الحمل للتأكد من النتيجة، وهو المشهد الذي أثق أنه سيعيش طويلًا كأحد المشاهد الكوميدية التي تستطيع توليد الضحك بمجرد تذكرها، ودون وجود حوار.

قدرة المخرج لا تتعلق فقط بتنفيذ المشاهد، لكن بصناعة هذا التفاهم بين عناصر العمل ككل. يمكننا أن نشاهد هذا في مشاهد عيادة الدكتور بكتاش (محمد ثروت)، والتي يمكن اعتبارها الأكثر اختلافًا في الفيلم.

هذه العيادة الفقيرة وأجواؤها المعتمة تمثل اختلافًا واضحًا عن أجواء بقية الفيلم المبهجة والملونة لتتماشى مع الكوميديا. في العيادة نشاهد أولًا القدرة على صناعة ديكور مضحك، إذ كانت تفاصيل العيادة، من تصميم مهندس الديكور كريم المهدي، مليئة بالتفاصيل الذكية والمضحكة، دون أن تخلو من الإحساس بالفقر والقذارة.

يضيف إلى هذا الإحساس بالطبع الإضاءة، لمدير التصوير طارق دراز، والتي كانت في مشاهد العيادة معتمة نسبيًا في جانبي الكادر، بينما جاء الاعتماد على إضاءة أقوى في المنتصف، لتعزيز الشعور العام بقتامة هذا المكان، دون التخلي عن الجو الكوميدي العام للفيلم.

فيلم “حامل اللقب” بداية مميزة جدًا لهشام ماجد، بعيدًا عن شيكو، وهو من أفضل الأفلام الكوميدية بوجه عام في آخر 3 سنوات. ليس أن الفيلم يخلو تمامًا من المآخذ، إذ كان بالتأكيد يمكن اختصار بعض المشاهد منه وتكثيف بعض الشخصيات، مثل شخصية أخت يايا (دنيا ماهر)، أو الاهتمام بإغلاق بعض الخطوط بشكل أفضل مثل خط الثري السعودي الذي جاء للتعاقد مع يايا، لكن هذه الملاحظات بالتأكيد لا تنغص التجربة ولا تنتقص من مستوى الفيلم.