مُحاكمة نقدية لشخصيات فيلم "أصحاب ولا أعز"!

إيهاب التركي

لم تُتح الفرصة لأي كاتب تقريباً لتقييم فيلم “أصحاب ولا أعز” بعيداً عن عاصفة الأحكام النقدية المُتسرعة، ومحاكم السوشيال ميديا التي تحكم على السمع والمشاهدات السطحية، وتاهت عن الأغلبية أسئلة هامة تحتاج إجابات، ومنها مثلاً:

هل تم فهم أبعاد ودوافع شخصيات الفيلم قبل الحكم عليها؟ هل هناك زوايا أخرى لمحاكمة كل شخصية بمعايير موضوعية بعيداً عن معايير النقد الداعشي المُنتشرة منذ سنوات في السوشيال ميديا وتسربت لبعض الصحف وبرامج التليفزيون؟ ولماذا تم الحكم بإعدام “منى زكي معنوياً دون باقي شخصيات الفيلم؟

نرشح لك: كيف تناولت الصحف العالمية أزمة فيلم “أصحاب ولا أعز”؟

سأحاول بشكل متواضع للغاية محاكمة شخصيات الفيلم بمعايير درامية بحتة، وسأحاول فقط قراءة دوافع وتاريخ الشخصيات كما ظهرت في الفيلم، في محاولة للوصول إلى تحديد هل هى شخصيات خيرة أم شريرة؟ أم أن الدراما أعقد وأكثر مراوغة من هذا التحديد الصارم؟

الشخصيات النسائية:

جنا (دياموند بو عبود): زوجة خبير البورصة زياد (عادل كرم)، وأزمتها أنها تحب زوجها وترغب في الإنجاب منه، ولكنها تشك في خيانته لها مع سكرتيرته، وهى شخصية لطيفة وهادئة إلى درجة الوداعة، وتُعامل حبيبها السابق كصديق، وتمنحه المشورة في أمر علاقته الحالية بإمرأة أخرى.

هذا لا يجعلها شخصية فاسقة أو شريرة، ولكنها بالتأكيد تفعل شىء غير مقبول بمقاييس المجتمع الشرقي وزوجها الذكوري صاحب الصوت العالي.

دياموند بو عبود                                                                                                 

مريم (منى زكي): زوجة مصرية تعيش بصحبة زوجها المصري في لبنان، وقد قضى حكم سجن بسبب قتل خطأ أثناء القيادة، وقل فعل ذلك بدلاً من زوجته التي كانت تقود وهى سكرانة، وتضررت حياتهما العاطفية بعدها، وأصبحاً منفصلين عاطفياً وجسدياً، وتحاول مريم التخفيف من شعورها بالحرمان العاطفي والجنسي بشرب الخمر سراً، وتبادل الشات الجرىء مع رجل مجهول.

ردود فعلها غير مقبولة بالتأكيد، وهى نفسها تعلم أن ما تفعله أمر خاطىء، ولكنها تتشبث بقشة خيالية تُنقذها من الجنون والإكتئاب، وتُعبر عن شخصية أنثي تعاني دمار داخلي، وكانت تحتاج فقط طبطة زوجها، ولكن من الصعب تصنيفها كشخصية فاسقة وشريرة.

منى زكي                                                                                         

مى (نادين لبكي): طبيبة نفسية من أسرة ثرية، متزوجة من طبيب تجميل من أسرة متوسطة، ولديهما إبنة مراهقة مُتمردة، وهى دائمة التفتيش في أغراض إبنتها، وتكتشف في بداية الفيلم أن الإبنة الذاهبة إلى حفل في المساء تحتفظ بواقي ذكري في حقيبتها، وهو أمر يثير حفيظتها، وبسبب شعورها بكبر السن تُخطط لإجراء عملية تجميل للثدي، ولكن الأسوأ أنها متورطة في علاقة مع زياد صديق زوجها.

مى هى الشخصية الأسوأ درامياً وأخلاقياً والأكثر نفاقاً بين النساء الثلاثة، وإذ عرفنا أنها كانت طفلة مُدللة وشابة حسناء محط أنظار الجميع يمكن أن نتفهم درامياً سلوكياتها المضطربة بعد شعورها أن سحرها وجمالها يتسرب مع تقدمها في العمر.

نادين لبكي                                                                                   

الشخصيات الرجالية:

ربيع (فؤاد يمين): شاب أعزب طيب ولطيف ومحبوب من الجميع، يرفض فكرة الزواج ولكنه بدأ يتعرف على فتاة ويحاول أصدقاءه دفعه للزواج وكانت حفلة العشاء على شرف هذه الصديقة التي لم تحضر بسبب مرضها، أو هكذا إدعى ربيع كذباً، فهو يُخفى عن أصدقاء عمره ميوله المثلية، لأنه يعرف أنه قد يفقد صداقتهم التي يحرص عليها، وفي الفيلم لا نرى الشخصيات تتقبل المثلية بوضوح أو أريحية، بل ثار زياد وكاد يضرب صديقه حينما إكتشف حقيقة ميوله، وحتى لحظة تعاطف الأصدقاء لم تكن مع فكرة المثلية، بل مع صديقهم القديم.

ربما لم يؤسس السيناريو بشكل جيد لهذه النقلة الدراماتيكية للشخصيات من الاحتقار إلى التعاطف، خاصة أن الموقف يتعلق بمجموعة أصدقاء عرب يعيشون فى مجتمعات لديها تراث مشوش ومتناقض مع فكرة التسامح وتقبل الأخرين، ودرامياً ربيع شخص خائف ومذعور ولا يتباهى بميوله.

فؤاد يمين                                                                                              

شريف (إياد نصار): زوج لديه أزمة في علاقته الزوجية، وهو دائم الإنتقاد لزوجته، ويكشف السيناريو تضحيته من أجل عائلته وزوجته، ولكنه في إطار التكثيف لم يجعل المُشاهد يتقبل ذلك النفور الشديد نحو زوجته، وهو لا يخونها مع إمرأة أخرى لتعويض حرمانه الزوجي، ولكنه – مثل زوجته – يُقيم علاقة افتراضية على الإنترنت، وتُرسل فتاة صغيرة صور جريئة لأجزاء من جسمها، ومن السذاجة أن نُركز على سلوكه هذا وهو تصرف مراهق وغير سوي، ونتغافل عن أزمته الأكبر وحقيقة أنه شخص فشل في الحفاظ على علاقته الزوجية، وساهم في هدمها.

    إياد نصار                                                                                                        

وليد (جورج خباز): طبيبة تجميل يتصف بالدماثة والهدوء والتقبل للأخرين، هو بشوش ومُرحب بالجميع، ولديه طاقة خارقة على تحمل المصائب، ونرى ذلك في تعامله الهادىء مع صدمة إكتشافه خيانة زوجته، أو حواره الهاتفي مع إبنته تسأله رأيه في المبيت بصحبة صديقها.

وليد شخص لا يُحب المواجهات التصادمية، ويُفضل الهدوء في معالجة الأزمات، وهو لا يقبل شخصياً مبيت إبنته بصحبة رجل، أو خيانة زوجته، ولكنه يدير أزماته بحكمة قد تكون مثيرة للبعض، وهو مجرد نموذج درامي يُمكن أن يتواجد في الواقع، ولكن السيناريو لم يمنحه أى لمسة شرقية خاصة، ووضع شخصيته في إختبار شديد القسوة.

جورج خباز                                                

زياد (عادل كرم): الذكوري المتعصب صاحب المغامرات النسائية المتعددة، لا يُبالي كثيراً بمشاعر الأخرين، لديه علاقة مع سكرتيرته وحملت منه، ولديه علاقة أخرى مع مي زوجة أعز أصدقاءه، وهو شخص خائن ومُنافق ومُراوغ ومغرور، ولهذا جذب شخصية مي التي تشبهه في بعض التفاصيل، ورغم أن علاقتهما منحتها الشعور أنها لا زالت مرغوبة وجذابة، لكنها صُدمت حينما اكتشفت أنها مجرد واحدة من عشيقات زياد.

عادل كرم                                                                                

الحقيقة أن نموذج زياد ومى هما الأسوأ بالمعايير الدرامية والإنسانية، وكلاهما لديه مبررات هشة للخطأ، ومن الطبيعي أن نختلف دراميا وإنسانيا مع تحليل ردود أفعالهم وسلوكياتهم، ولكن دون أن ننسى أنهم شخصيات خيالية في حدوتة داخل فيلم، وقد لا تعجب الحدوتة البعض، ولكن لا يعني هذا أن نقتل راوي الحدوتة.

إعلام دوت كوم من العرض الخاص لفيلم تماسيح النيل