عبير سعدي تكتب: أول موضوع لصحيفة أمريكية عن عيد المسلمين

نقلًا عن مجلة 7 أيام

الكل يحدق بى وأنا أدخل صالة التحرير الكبيرة.. لا أفهم السبب.. وعندما أجلس على مكتبى يتقدم إلى رئيس التحرير ممسكا ورقة فئة المائة دولار قائلا (لقد ربحتِ توًا تلك الورقة وفزتِ فى رهانك).. المشهد قفز فى ذهنى فجأة وأنا أستعد لعيد جديد أقضيه وحدى فى الغربة.. بين المشهد واليوم ١٢ سنة لكنه ظل محفورًا فى ذاكرتى مثله مثل لحظات الألم والانتصار فى حياتى.. مكسبى فى ذلك اليوم لم يكن الدولارات المائة التى رفضتها قطعا لأن دينى يحرم الرهان ولكن ما تسبب فى اعتراف رئيس تحرير برمنجهام بوست هيرالد بهزيمته.

ولاية ألاباما جنوب الولايات المتحدة الأمريكية معروفة عالميا بأنها موطن رائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج. كانت أكثر مدينة عانت من العنصرية ضد سكانها السود. كانوا يمثلون ٤٠٪ من سكان الولاية غير أن البطالة كانت تمزقهم. ورغم القضاء على العبودية لكن العنصرية ظلت متجذرة فى القلوب. صباح يوم فى ديسمبر ١٩٥٥ رفضت روز باركز التخلى عن مقعدها فى الحافلة لصالح مواطن أبيض فانتهت بها الحال فى السجن. الظلم دفع المواطنين السود بزعامة المحامى كينج لمقاطعة شركة الحافلات. ومن هنا بدأت أكبر حركة حقوق مدنية فى أمريكا للدفاع عن حقوق السود وجميع الأقليات والمهمشين.

كنت أحفظ تاريخ الحركة المدنية عن ظهر قلب عندما أرسلتنى الجامعة التى كنت أدرس بها فى وسط الولايات المتحدة للعمل بجريدة محلية عمرها ١١٨عامًا فى برمنجهام بولاية ألاباما. قالوا لى إن بشرتى السمراء هى جواز مرورى فى شوارع المدينة الخطرة فى أى وقت أريده. كانت ألاباما نموذجا لصعيد أمريكا المختلف عن الشمال فى عاداته وتقاليده واقتصاده. لا أنكر أننى تمتعت بكرم وجدعنة أولاد ألاباما لكن سيطرة اليهود الأمريكان كانت ظاهرة للعيان. سيطروا رغم عددهم المحدود على كل المناصب ذات التأثير. ومرة أخرى تم تهميش ليس السود وحدهم ولكن مسلمى الولاية أيضًا.

استوقفنى فتى الاستقبال فى الفندق ليسألنى هل سأذهب لمحطة الحافلات لأستقل حافلة إلى آخر الخط حيث المركز الإسلامى الذى أتناول فيه إفطارى اليومى. فاجأنى سؤاله فأجاب أن صاحب الفندق وهو عجوز يهودى يراقبنى كل يوم. حاولت تجاهل الأمر كما تجاهلت أيلين مديرة تحرير الجريدة التى أعلنت على الصداقة وحاولت توطيد علاقتها بى فى كل مناسبة ومنها عرفت كيف يسيطر اليهود الأمريكيون على مناصب عليا فى جميع وسائل الإعلام مهما صغر حجمها أو كبر.

كانت الجريدة تستعد لتغطية أهم ثانى يوم للتسوق فى الولايات المتحدة وهو اليوم الذى يعقب عيد الشكر. اقترحوا قصصا خبرية عن ديك عيد الشكر وأخرى عن عروض التسوق المذهلة فى ذلك اليوم عندما قلت بصوت مرتفع (ولكن هناك احتفالا آخر لا يقل أهميةً).. التفتوا إلىَّ وأنا أشرح مظاهر الفرحة فى الاحتفال الذى سيحضره أكثر من ٣٠٠٠ مواطن قاموا بتأجير الاستاد المغطى بالمدينة وسيحضرون معهم كعكًا ومأكولات حيث يرتدى الأطفال ملابس جديدة. الاحتفال هو عيد الفطر حيث يحتفل المسلمون بانتهاء شهر رمضان المعظم.. أعجبوا بالفكرة لكن تذكروا أيلين فسألوها إن كانت تريد الكتابة عن عيد يهودى.. قلت لهم إنهم إذا غطوا ذلك العيد فى جريدتهم التى لم تغطِ أبدًا خبرًا خاصًا بالمسلمين فإنهم سيبادرون بالاشتراك فيها ونشر الإعلانات.. لم يصدقوا فأرسلوا معى مصورًا ومحررًا للتيقن مما قلت.. ورغم رفضى الرّهان التزم رئيس التحرير به متأكدًا من فشلى.

فى الخامسة صباحًا بدأ اليوم وتفاجأ المحرر والمصور بوجود نحو ٤٠٠٠ مسلم يؤدون صلاة وتكبيرات العيد فى ساحة الاستاد الذى أجَّروه بينما الأطفال يمرحون والنساء تحضرن الكعك والطعام وفى القلب كان الدكتور عادل الضرير عالم الذرة المصرى الأمريكى الذى جاء للولايات المتحدة منذ أيام الملك فاروق ليقدم قفزات علمية كبيرة. فى آخر اليوم، ذهبت للجريدة وكتبت موضوعًا مطولاً توقعت أن يختصروه ليصبح ٤٠٠ كلمة. عدت لغرفتى أعانى الوحدة ولم أنزل للجريدة إلا فى اليوم التالى حيث رفضت المائة دولار.

قال رئيس التحرير إننى فزت عليه عندما فوجئ مع نشر موضوعى والصور فى صدر ملحق المترو للجريدة بمكالمات من مسلمى الولاية تنهال عليهم للاشتراك ونشر إعلانات بالجريدة. طوى النقود بسرعة فى حافظته وطلب منِّى أن ألقى محاضرةً عن الإسلام والمسلمين لطاقم الجريدة فوافقت. المحاضرة التى نجحت لدرجة تكرارها فى عدد كبير من مدارس وجامعات الولاية بدأتها بجملة واحدة بعد أن اشتريت زيًا نصفه الأعلى ناصع البياض والأسفل حالك السَّواد (الأديان ومنها الإسلام نقية نقاء ذلك الثوب الأبيض أما خطايا معتنقى الدين فهى السواد الذى لا ينبغى أن يختلط بها).. كنّا بعد عامين من هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وكان لمحاضراتى ومقالاتى أثرٌ ما فى نفوس أهالى الولاية الجنوبية. تبدد إحساسى بالوحدة بعد أن فتح لى الناس قلوبهم وتقبلوا الاختلاف وتوقفوا عن ممارسة العنصرية التى عانوا منها بسبب اختلاف لون البشرة ضد المختلفين دينيًا. ومن جانبها، انتبهت وسائل الإعلام المحلية أن هناك جيرانا يحملون نفس الهوية ويعتنقون دينًا لا يدعو للعنف كما تم الترويج ضده فى حملات الكراهية.

اقـرأ أيضـاً:

مرتضى في “اللعبة الحلوة “.. الضيف في الملعب والمذيع على الدكة

7 أيام .. “روشتة” ياسر أيوب لإحياء المجلات الأسبوعية   

“قُل”.. قِبلة الصحفيين الجديدة

متهم لمذيع الحياة: مبحبكش وشكلك رخم

سفاحو الأطفال.. قتلوا “الدُرة”.. ذبحوا “إيمان”.. وحرقوا “الرضيع”

ننشر السبب الحقيقي لوقف “قهوة” أحمد يونس  

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا