رغم تحدثها عن الاشتراكية.. لماذا هاجمت الصحافة صناع أغنية "بلدي يا بلدي" للعندليب؟

طاهر عبد الرحمن

في مناسبة العيد الثاني عشر لثورة يوليو عام 1964 غنى عبد الحليم حافظ أغنيته الوطنية “بلدي.. يا بلدي”، من كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز وتلحين كمال الطويل وتوزيع علي إسماعيل.

وهي أغنية -مثلها مثل أغاني ذلك الزمن- تتحدث عن الأفكار والمواقف السياسية التي كانت سائدة وقتها، فتتحدث عن “الاشتراكية” ودور الكبير والصغير للمساهمة في بناء مجتمعه، وفي نفس الوقت تحذر الانتهازي والمتقاعس و”عديم الاشتراكية”!

نرشح لك: محمد الموجي يتحدث عن كواليس “صافيني مرة” لـ عبد الحليم حافظ

وبكل تأكيد فإنه لم يخطر على بال صنّاع الأغنية أن يتعرضوا لهجوم من الصحافة وأن تتهمهم بأنهم “حولوا الشعب من شعب جاد إلى شعب طبل وزمر”.

لسنا هذا الشعب

تحت هذا العنوان، وفي عدد يوم 1 أغسطس 1964 من جريدة أخبار اليوم، كتب سعيد سنبل، نائب رئيس التحرير، يعترض على بعض كلمات الأغنية، واصفا إياها بـ “التفاهة”، و”عن خيبة أمله” من أن يقوم عبد الحليم حافظ بغناء مثل تلك الكلمات، داعيا الشاعر مرسي جميل عزيز إلى الاعتذار عنها.

الكلمات التي دعت “سنبل” إلى ذلك هي الواردة في الكوبليه الثالث من الأغنية والتي تتوعد المهمل والانتهازي والعامل من أجل مصالحه الشخصية وتصفه: بـ “عديم الاشتراكية”، وأما العقاب فهو: “نزمر لك كده هه.. نطبل لك كده هه”، واعتبرها دعوة إلى أن تتحول المعاني السامية في مجتمعنا إلى نوع من الفكاهة والطبل والزمر.

ويضيف سنبل: “إن قانون الإهمال في مصر صدر منذ ثلاث سنوات وحدد عقوبة المهمل والمتقاعس، فكيف نأتي بعد ذلك ونعاقبه بالطبل والزمر؟”

أغنية.. أم خطبة عصماء

في عدد يوم 2 أغسطس من جريدة “الأخبار” تناول المحرر الفني عبد الفتاح البارودي، الأغنية حيث قال إن “مجهودا عظيما بذل فيها، ولولا الإخلاص وجرأة الملحن والموزع في مزج جمل شعبية داخل اللحن، وحرفنة المؤلف وأداء عبد الحليم حافظ لتحولت إلى خطبة عصماء”.

ويضيف “البارودي”: أن “مرسي جميل عزيز اهتم بالمسلسل الموضوعي للأغنية، أكثر من اهتمامه بالتطور الفني، مع أنه من القلائل الذين يهتمون بالوحدة الفنية”.

مرسي جميل عزيز يهدد

كان أول رد فعل للشاعر على ما كتبه سعيد سنبل -بحسب ما ينقل عنه الناقد جليل البنداري في عدد 8 أغسطس من أخبار اليوم- أنه “ثار وهاج وقرر اعتزال كتابة الأغاني”.

وحاول “البنداري” تهدئته ونصحه بكتابة رد على ما كتب عن أغنيته، وهو قادر على كتابة ذلك، ووعده مرسي جميل عزيز بكتابة الرد لكنه تراجع في آخر لحظة و”هرب إلى الزقازيق”.

مسئولية جماعية

يوضح جليل البنداري، أنه كان شاهدا على كل مراحل صناعة تلك الأغنية، منذ أن كانت فكرة في رأس عبد الحليم حافظ، وأنه كان -أي حليم- يراجع مع الشاعر كل كلمة يكتبها وكل حرف، وذلك بحضور مجدي العمروسي وكمال الطويل وعلي إسماعيل، وأن مرسي لم يكن ينام تقريبا طيلة ثمانية أيام ليكتب ويعيد ما يكتب بناءا على ما يقترحه حليم وأصدقائه.

نرشح لك: ابن شقيق عبد الحليم حافظ يرد على تشبيه تامر حسني بالعندليب

عبد الحليم يرد

لأن الأغنية كانت أغنيته، وفكرتها كانت فكرته فإن عبد الحليم حافظ تولى الرد على سعيد سنبل فقال: “إنني لا أنكر وجود القانون الذي أشار إليه الكاتب، ولكن هذه الأغنية لا تطالب بأعناق المهملين، وإنما تشير إليهم فقط”، وأضاف: “إن الشعب لا يتولى تطبيق القانون”.

وقال ساخرا: “ماذا كان يجب علينا قوله.. هل نقول: هنشنقهم كده.. هنضربهم كده.. هندبحهم كده!” “إن كلمات الأغنية جاءت بالأسلوب الشعبي الساخر الذي توارثناه جيلا بعد جيل”، مؤكدا أن: “هذه الأغنية بكلماتها ولحنها جديدة على الأذن، وقد أكون مخطئا وقد يكون سعيد سنبل مخطئا والجمهور هو الحكم في النهاية”.

رأي أنيس منصور

في السياق ينقل جليل البنداري رأي الكاتب أنيس منصور حيث قال: “إن الأغنية لا تعيب عبد الحليم حافظ، حتى وإن تحول في بعض مقاطعها إلى منولوجست يميل برأسه يمينا ويسارا كما يفعل شكوكو، وأن مرسي جميل عزيز لم يفعل شيئا سوى أنه جمع من أفواه الناس في الحواري هذه العبارات والاصطلاحات الشعبية”.

كلمات الأغنية

بلدي يا بلدي والله احلويتي يا بلدي

بلدي يا بلدي بلد الثوار يا بلدي

بلدي بلدي

يا ولاد بلدي يا ولاد بلدي

أنا هتكلم كده بالبلدي

بقى بالبلدي احنا جدعان ثورتنا ثورة جدعان

جدعان سمر في عز العمر

قاسوا وتعبوا وشربوا المر

لكن قد ما تعبوا كتير حققوا نصر ومجد كبير

ودا كله بعزم وتدبير

أبو خالد نوارة بلدي

بلدي بلدي

أبو خالد ومعاه أبطالنا ضحوا وصنعوا الثورة علشانا

باشتراكيتنا ومبدائنا وبمكاسبها سلموهالنا

احنا يا شعب

واحنا يا شعب عرفنا طريقنا وعرفنا إزاي نحمي حقوقنا

احنا يا شعب احنا يا شعب

بلدي يا بلدي والله احلويتي يا بلدي

بلدي يا بلدي

بلد الأحرار يا بلدي

بلدي يا بلدي

ريسنا قالنا ثورتنا ملكنا

من سدها لقنالها مسئوله مننا

ريسنا قالنا ثورتنا في يدنا

أمانة والأمانة لولادنا بعدنا

ريسنا قالنا وصانا كلنا

نسهر ونخاف عليها ونصونها لبعضنا

هنعمل بالوصية وهنصون الهدية

وحياتك يا حبيبنا وحياتك يا جمال

ياللي عليك تنفيذ مبادئنا إن كنت صغير ولا كبير

مبادئنا يعني ثورتنا يعني أمانة وشغل كتير

لو تخدم باشتراكية وبذمة وهمة قوية

أنا زي ما قال ريسنا راح أشيلك جوا عنيا

وإن خدت المركز جاه

ولعبت اللعب إياه ولا همك غير مصلحتك

وظلمت في خلق الله

هنقولك يا عديم الاشتراكية يا خاين المسئولية

هنزمرلك كدهو ونطبلك كدهو

عايزين اللي يصون مبادئنا وينور بالحب طريقنا

ويغني معانا للحليوة بلدي

بلدي يا بلدي والله احلويتي يا بلدي

بلدي يا بلدي بلد الثوار يا بلدي

بلدي بلدي

وانت يا عامل وانت يا فلاح خليك صاحي اوعي تنام

قد ما تدي قد ما تاخد قد ما تضحكلك الأيام

وانت ياللي بتفدي حياتك خليك دايما مقدام

اتعب اشقي الدنيا حقيقة لا أماني ولا أحلام

بلدك عايزاك بلدك

صبحك ومساك بلدك

بلدك عايزاك عايزة جهودك عايزه وجودها يزيد بوجودك

وان شوفنا انك اهملت ولا همك رزق ولادك وتركت الغيط والمصنع

راح تبقي عدو بلادك

ونقولك يا عديم الاشتراكية يا خاين المسئولية

هنزمرلك كدهو ونطبلك كدهو

عايزين اللى يصون مبادئنا وينور بالحب طريقنا

ويغني معانا للحليوة بلدي

بلدي يا بلدي والله احلويتي يا بلدي

بلدي يا بلدي بلد الثوار يا بلدي

بلدي يا بلدي

يا مدورين المصانع وانتوا جوه الصهد

يا مخضرين المزارع بالعرق والجهد يا سهرانين عالحدود

ومظهرين الشوك لديرياسين والفالوجة ويوم ما نوفي الوعد

يا أهل البلد يا ناسها

يا جنودها يا حراسها

يا شمسها وضلها يا وردها وفلها

يا كل العاملين يا كل الشغالين

يا كل واحد منا بقت بلادك جنة

فيها السلام والحب

وكفايه اننا في عز مجدنا ريسنا قالنا ثورتنا ملكنا

من سدها لقنالها مسئولة مننا

ريسنا قالنا

وصانا كلنا نسهر ونخاف عليها

ونصونها لبعضنا