تمثيل الأطفال .. موهبة قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية

هدير عبد المنعم

لا يوجد أكثر من الطفل براءة وصدق، ولكن بعض الأطفال بارعون في التمثيل وتقمص شخصيات أخرى، للوهلة الأولى يبدو شيء جيد أن يتمتع طفل بموهبة كتلك، ولكن للأمر أبعاد كثيرة، خاصة عندما يتقمص الطفل شخصية مركبة، هنا تصبح الموهبة سلاح ذو حدين.

تواصل إعلام دوت كوم مع أخصائيين نفسيين وتربويين لمعرفة تأثير دخول مجال التمثيل على الأطفال، وما له من سلبيات وإيجابيات، وجاءت الآراء كالآتي:

أغلب الذين لديهم أولاد في مجال التمثيل يتابعون مع متخصص

قالت منى جابر، استشاري العلاج النفسي للأطفال والإرشاد الأسري، إن البعض يعتبر أن يقوم طفل بالتمثيل ويستيقظ فجرًا ويظل في الاستوديو ويتعرض لمشكلات، ويرى مشاهد مثل شخصين يصرخون أو مشهد شخص مقتول أو مشهد طلاق هو إبداع، مضيفة: “ونتحط في خانة هو إبداع ولا مش إبداع ولو قلت يا جماعة متعرضوش الأطفال لكده، يقولوا أنت بتحارب الإبداع؟ طيب ماشي مش هنحارب الإبداع بس خفوا شوية عليهم”.

نرشح لك: ليست مصرية ..تعرف على “شيراز” شبح ما وراء الطبيعة


ذكرت أن مجال التمثيل جيد جدا عندما يكون الطفل موهوب ويتم تنمية موهبته، موضحة: “لكن ماجبروش أنه يتحط في ساقية الشغل، أنه يبقى عنده 7 سنين وبيفكر أنا هكسب كام، أنا عايزه يفكر في احتياجاته النفسية”، مشيرة إلى أن في بعض الأوقات من الممكن أن يرى الطفل مخرج العمل وهو يرفع صوته على أحد العمال، مضيفة: “أعرف مخرجين كتير بيتعاملوا كويس مع الأطفال لكن الولد لما يلاقيه بيزعق لعامل هيتعلم ايه؟”، موضحة أنها ترى أنها خبرة شديدة جدا يتعرض لها الطفل، بأن يقوم بالتمثيل وإعادة المشهد وسط عدد كبير من الناس ووسط هذا الكم من الضغوط.

أشارت إلى أنه يأتي إليها أطفال تشعر بوحدة شديدة جدا لأنهم أصبحوا مختلفون عن أصدقائهم، والبعض يتعرض للتنمر من أصدقائه، مؤكدة أن الطفل الذي يمثل يعرف جيدا أنه مجرد دور يؤديه وأن ذلك تمثيل، وبالتالي يستطيع الفصل بين التمثيل والحقيقة، مضيفة أنه إذا تم حصر الطفل في أدوار معينة مثل الطفل الشقي من الممكن مع الوقت أن يصبح هذا أسلوب حياته، وعن تمثيل الأطفال أدوار رعب، قالت إنه إذا كان الطفل ليس لديه وعي بأن هذا تمثيل من الممكن أن يظل فترة يحلم بكوابيس ويخاف من الجلوس بمفرده، ولكنها ترى أن الطفل الذي يقوم بالتمثيل يكون فاهم أن ذلك مجرد تمثيل، وعن مشاهد الموت، قالت: “لو اتقال للطفل يستحضر مشاعر موت حد، تبقى جريمة لأنه بيدخل في مشاعر فوق طاقته، لازم يبقى عارف أن ده تمثيل وأن الشخص اللي في القصة هو اللي هيموت في المشهد، إن إحنا بنلعب علشان نوصل للناس فكرة، علشان الولد يخرج من المسلسل عارف المشكلة وعارف إن ليها حلول، لازم العمل الفني يكون فيه رسالة وعرض الواقع مع عرض حل”، لافتة إلى أن أغلب الذين لديهم أولاد في مجال التمثيل يتابعون مع متخصص، وهذا أمر لا بد منه حتى لا يؤثر التمثيل على شخصياتهم وحتى لا يفعل شيء خاطيء.

اضطرابات قد تصيب الطفل بسبب التمثيل .. الغرور والنرجسية واضطراب شخصية بارانويا ووسواس الفقد

في نفس السياق، قالت داليا عزام، الاستشارية النفسية والأسرية، إن عمر 6 سنوات فيما فوق هو عمر تكوين الشخصية عند الطفل وعندما يتعلم شيء يتشربه وكل السلوكيات والصح والخطأ الذي يتعلمه سيكون قاعدة عنده باقي حياته، مضيفة أن الطفل لا يميز بين الكذب والحقيقة، موضحة: “أقوله هناك في الاستوديو حاجة وهنا حاجة؟ مبيبقاش فاهم ايه الصح وايه الغلط، وهيأثر على سلوكياته وعلى المباديء وأولوياته في الحياة لأنه مش هيبقى فاهم امتى من حقي أعمل ده وامتى مش من حقي”، وذكرت أنه في عمر 12 أو 13 عام يستطيع أن يقوم بعملية فصل ومن الممكن إخباره أن التمثيل هو عمله، أردفت أن الصحة النفسية هى أن يستطيع الإنسان التنقل من دور لآخر بمرونة، قائلة: “الطفل في السن ده لن يستطيع التنقل بين الأدوار”.

مشيرة إلى أنه من الممكن أن تؤثر الشهرة على الطفل، ويصاب بالتعالي والغرور والكبر والنرجسية واضطراب شخصية بارانويا ويشعر أنه مميز عن الكل وينتظر معاملة مميزة، وعن أداء الأطفال لأدوار رعب، قالت إنه رغم محاولة الكبار التوضيح للطفل أن ذلك تمثيل، فمشاعر الأطفال حساسة جدا، ومن الممكن أن يحدث شيئين، إما فعلا أنه يقتنع أن هذا تمثيل ويقوم بعملية طرد للفكرة ويصل لمرحلة الإنكار ولكنه مرعوب داخليا وبالتالي يحدث له كبت يظهر في صورة اضطرابات فيما بعد، وعن أدوار فقد الوالدين التي يؤديها الأطفال، ذكرت أنه من الممكن أن يفهم معنى الفقد ولكنه لا يستوعبه بشكل كامل، مضيفة أنه سيتولد لديه رعب من فقده لوالده ووالدته ويرتبط أكثر بهم ولا يريد أن ينام بمفرده، ويظل وسواس الفقد في عقله ويعيش في قلق وتوتر والقلق والتوتر هو باب الأمراض النفسية.

وعن العوامل الواجب مراعاتها عند دخول الأطفال مجال التمثيل حتى لا يتأثروا بشكل سلبي، قالت إنه لا بد أن يكون العمر والعقلية مناسبين وأن يكون التفكير مرتفع بحيث يستطيع الفصل، ولا بد من انتقاء الأدوار وتوضيح الهدف من الدور له، وعن إيجابيات تمثيل الأطفال، أشارت إلى أن الطفل يتعلم تحمل المسئولية، إذا تم تجنب الاضطرابات السابق ذكرها وجعله يشعر أنه يفعل شيء يحبه، وذلك يحقق لديه الإنجاز ويشعر بتحقيق الأهداف، وتابعت أن الطفل يتعلم التخطيط الجيد للوقت، في البداية يكون بمعاونة الأهل ثم يصبح أسلوب حياة.

نرشح لك: بعد ترند مريم البرنس.. 5 نصائح للتعامل مع الأطفال المشاهير


أيضا تواصل إعلام دوت كوم مع أصحاب التجربة، من صناع الأعمال الفنية التي شارك بها أطفال ووالدة أحد الأطفال الذين دخلوا مجال التمثيل، لمعرفة ما يحدث في الواقع عن قرب.

والدة آدم وهدان: مدرك أن هذا تمثيل .. وكان يلعب مع شيراز

قالت أمنية سرحان، والدة الطفل آدم وهدان، صاحب الـ 7 أعوام الذي مثل مجموعة أدوار في مسلسلات وأفلام: “آدم لما بيحب يدخل في حاجة بيفتكر حاجة تزعله علشان يدخل في الحالة، وهو بيحب التمثيل وعنده الموهبة من وهو صغير، ولما بيتطلب منه حاجة في التمثيل بيعملها”، موضحة أن آدم مدرك أن هذا تمثيل وبين المشهد والآخر يرقص ويلعب، مشيرة إلى أنه في مسلسل “ما وراء الطبيعة” كان هناك مشهد يشعر فيه بالرعب ويبكي وبين المشهد والآخر كان يرقص في الكواليس، مؤكدة أنه لم يشعر بالخوف أبدا في “ما وراء الطبيعة”.

تابعت: “بعد المشهد بيفصل عادي تماما مابيدخلش أوي في الشخصية لدرجة إن هى طبعت عليه”، وعن دوره في مسلسل ما وراء الطبيعة، قالت: “هو كان بيلعب مع شيراز على فكرة، ومكنش خايف منها، هو عارف أن ده تمثيل ومش حقيقي، وإن ده ميكب”.

وعن المواقف التي تعرض لها خلال التصوير، روت: “مرة مدير التصوير زعق للمساعد، فآدم راح وقال له متزعقلوش ده زعل، وخلاه يتأسف له”، مشيرة إلى أنه بالنسبة للمواعيد يتم تنسيقها مع مواعيد المدرسة والامتحانات، مؤكدة أن علاقته بزملائه جيدة جدا وهم سعداء به وينادونه باسم الشخصية وهو مرتبط بهم جدا، مضيفة أن آدم اجتماعي ويحب يظهر مميزات زملائه، مشيرة إلى أن دخوله مجال التمثيل جعله لا يعاني من الرهبة من أي تجمع وأصبح يتحدث دون خوف، بالإضافة إلى تكوينه علاقات وصداقات.

ذكرت أن أصعب دور قام بتجسيده من وجهة نظرها هو دوره في مسلسل “لعبة النسيان” لأنه كان دور مركب حيث كان يجسد شخصية طفل لديه مشكلات نفسية، وروت أنه في أحد المشاهد يواجه والدته ويقول لها: “انتي كدابة”، وهذا المشهد تم تصويره أكثر من مرة لأكثر من أداء مختلف، قائلة: “المشهد صوره كذا مرة وهو متضايق ومخنوق من شخصية مامته في المسلسل، وبعدين يصوره وهو بيعيط، إن هو يؤدي حاجة زي كده بيتهيألي صعب على أي طفل في السن ده”، مؤكدة أنها لم تشعر بأي تأثير عليه، لافتة إلى أنه ليس من السهل أن يوصل مشاعر دون أن ينغمس بها، وروت أنها رأت مرة طفلة كانت تؤدي أحد الأدوار ورفضت أن يطلق عليها اسم غير اسمها لأنها منغمسة جدا في الشخصية وغير مدركة أن ذلك تمثيل.

نرشح لك: كيف أثر تعامل أحمد حلمي مع الأطفال على اختيار الأدوار؟


الكتابة للأطفال شائكة جدا والجزء الأكبر فيها يعتمد على موهبة الطفل

قال السينارست شريف بدر الدين، إن الكتابة لشخصية طفل لا بد أن يكون لها مقياسين، مقياس له علاقة بالخيال ومقياس له علاقة بقدرة الطفل الذي سيؤدي الدور، مضيفا أنه من الممكن رسم شخصية معينة لطفل في المسلسل أو الفيلم لكن في الحقيقة أن قدرة الطفل لا تسمح على قول جمل كثيرة، ويكون الأداء صعب عليه، موضحا أن مسألة الكتابة للأطفال مسألة شائكة جدا والجزء الأكبر فيها يعتمد على موهبة الطفل الموجودة.

ذكر أنه بالتأكيد يتم عمل تدريبات للطفل، إلا إذا كان فيه حالات عبقرية أو طفل موهوب بشكل كبير، مضيفا أن الأهم والأساسي عند أي طفل هو الاطمئنان، وروى: “كان عندي مشهد صعوبته في انفعالاته، انفعالات ما قبل البكاء، أن الطفل يتشحن بقلق أو خوف على شخصية معينة ومكنتش عايز ده يبان أنه مفتعل، في الحالات اللي زي دي بمسك أنا والمخرج فكرة المعايشة مع الطفل ونبدأ نحكي بس بنحكي حاجة حوالين الحدوتة نفسها علشان الطفل يبقى عنده حالة استحضار للي إحنا داخلين عليه”.

قال إنه لم يلاحظ أن طفل تأثر بشدة بعد المشهد بحالة الشخصية التي يؤديها، وعن التأثير السلبي للتمثيل على الأطفال، أشار إلى أن التمثيل نفسه ليس له تأثير سلبي إذا كان الطفل على قدر من الوعي والذكاء، ولكن الأطفال غير الواعيين من الممكن أن يتأثروا، مضيفا أن الطفل الواعي من الممكن أن يتأثر فقط بسبب ظروف العمل الصعبة من مواعيد وسهر، موضحا: “الطفل بيصحى الساعة 5 صباحا علشان عنده شغل وده شيء غير آدمي لكن بنبقى مضطرين له، فدي الحاجات اللي ممكن تبقى سلبية”، تابع أن معايير العمل مع الأطفال بالخارج مختلفة عن هنا، مضيفا: “ساعات العمل برة مفيش كده، تعامل نتفليكس مع الأطفال في مسلسل “ما وراء الطبيعة” مكنش فيها النوع ده من الضغط العنيف على الولاد، لا كان فيه محافظة على آدميتهم وسنهم”.

أشار إلى أن هناك شخصيات أطفال يكون بها أشياء مرعبة، مشيرا إلى أنه إذا كان هناك شخص واعي يستطيع أن يوجه الطفل ويأخذ منه ما يريد دون الوصول لمستويات أذى كبيرة، استكمل: “استخدامنا للأطفال هنا مبيبقاش استخدام حاد قوي كده، وريم أيام ما كانت بتصور (ما وراء الطبيعة) كانت بتصور معايا (شبر ميه) ولم تشعر برعب إطلاقا، وكانت بتستمتع جدا”.

مشاهد بكاء ريم عبد القادر في “أول السطر”.. محمود كامل: كانت بتتأثر جدا وبتتعب جدا

قال المخرج محمود كامل، إن الأطفال في حكاية “أول السطر” ضمن مسلسل “إلا أنا”، كانوا محترفين جدا وهذا وما يبحث عنه في أي ممثل أيا كان عمره ومكانته، مضيفا: “عملنا بروفات لكن ماخدناش وقت قوي لأن كان مطلوب أن الحكاية تقفل السيزون وتتعرض بسرعة جدا”.

وعن دور الطفلة ريم عبد القادر، التي كانت تلعب دور “حبيبة” التي فقدت والدها ووالدتها، ذكر أنه كان يتحدث طوال الوقت مع الأطفال ويعطي “ريم” مساحة لتخبره عما تشعر وماذا ترى، وعن كيفية توصيل معلومة وفاة الوالدين لريم، قال إنه يركز على الإحساس أكثر من المعلومة حتى تشعر بفكرة الفقد، مضيفا أنها لديها قدر كبير من الذكاء بالإضافة للموهبة، قائلا: “هى كمان سابقة سنها ومحترفة وفاهمة وبتسألني وبجاوبها، وأنا دايما بقولهم يسألوني وأن لازم يبقى فيه بينا حوار”.


وعن مشاهد البكاء التي أدتها ريم خلال المسلسل، قال: “طبعا كانت بتتأثر جدا وكانت بتتعب جدا، وبتحس بالموضوع وفعلا كانت في الحالة طول الوقت”وعن قدرة الأطفال على الفصل بين التمثيل والحقيقة، أشار إلى أن الموضوع نسبي لكن الأطفال في “أول السطر” كانوا محترفين ويعرفون كيف يفرقون، وقال: “وبيفهموا على طول وبيطلعوا برة الحالة بسرعة”، مؤكدا أن الشيء الأساسي الذي يحرص عليه بالنسبة للأطفال تحديدا، هو المجهود لأن التصوير يستمر لساعات طويلة وهم يشعرون بالتعب وينامون، مضيفا أنه يحاول ألا يجعلهم مجهدين.