باستنطاق الغلابة.. كيف تهول الجزيرة مشكلات المصريين؟

رباب طلعت

عشرات الفيديوهات على مدار الأسبوع الواحد، تنشرها صفحة “الجزيرة مصر” عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لمواطنين مصريين، يشتكون سوء حالهم، سواء بسبب عسر الحال المادي، أو مشاكل أسرية أو مع مرؤوسيهم في العمل، وآخرين معترضين على بعض القرارات الحكومية وغيرها، والتي تستخدمها الشبكة القطرية لشحن متابعيها ضد الحكومة والسلطات المصرية، في غياب تام بالمقابل لتناول الإعلام المصري لتلك المناشدات.

باتت “الجزيرة” تهتم خلال الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، بالمشاكل الشخصية واستغاثات بعض المواطنين الفردية، لزيادة الاحتقان ضد الحكومة وقراراتها، وأبرزها قانون التصالح في مخالفات البناء، حيث نشرت فيديوهات لأشخاص غير قادرين على تسديد قيمة التصالح، الأمر الذي يعرضهم لفقدان منازلهم، وأبرز تلك الحالات سيدة مسنة من محدودي الدخل، كانت تتحدث لشخص مجهول يصورها بكاميرا موبايل من سيارته، وتخبره أنها لا تحصل إلا على 600 جنيه معاش لها، لا تكفي لسد قيمة التصالح، بطريقة أشبه بـ”الفضفضة”، ليعبر المتابعون عن غضبهم الشديد ضد الحكومة عبر التعليقات.

نرشح لك: محمد علي خير: الجزيرة شغالة تسخين

 

أروح ابيع الحلق

"أروح ابيع الحلق".. سيدة مسنة بمدينة الصالحية الجديدة لا يتعدى دخلها 600 جنيه شهريًا تشكو عدم قدرتها على التصالح

Geplaatst door ‎الجزيرة – مصر‎ op Maandag 28 september 2020

من الفيديوهات أيضًا التي نشرتها “الجزيرة مصر” فيديو لأم لطفلتين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا تستطيع دفع إيجار منزلها، وتهددها صاحبة العقار بطردها وابنتيها وزوجها، وبالرغم من أن السيدة تستجير بالرئيس لينقذ أسرتها من التشرد في الشارع، إلا أن الصفحة سلطت الضوء على الشكوى دون الإشارة إلى الاستغاثة بالرئيس، وهو ما حدث لاستغاثة شخص بوزارة التضامن الاجتماعي لإنقاذ طفل ينام تحت أحد الكباري في مدينة طنطا.

"هترمي في الشارع"

"هترمي في الشارع أنا وعيالي".. استغاثة سيدة من الإسكندرية بعد إجبارها على ترك مكان معيشتها رغم ضيق حالها ومعاناة بناتها من التوحد وصعوبة الحركة

Geplaatst door ‎الجزيرة – مصر‎ op Maandag 28 september 2020

طفل في الشارع

مشهد مؤثر لطفل ينام في الشارع بمدينة طنطا في الغربية

Geplaatst door ‎الجزيرة – مصر‎ op Zaterdag 26 september 2020

 

نشرت الجزيرة أيضًا فيديو لأحد المواطنين يناشد الرئيس لتخفيف الأوضاع المادية، ويستجير به، إلا أن الصفحة نشرته بصيغة “بعد أيام من مظاهرات غاضبة.. رسالة مواطن للسيسي”، وهو الذي يتنافى مع ما ظهر في الفيديو حيث إن المظاهرات المزعومة من القناة تطالب برحيل الرئيس، وليس كما ظهر من المواطن أنه يستجير به ليس أكثر!

"الشعب عايز يعيش"

بعد أيام من تظاهرات غاضبة.. رسالة مواطن للسيسي "ابنِ شعبك الأول"

Geplaatst door ‎الجزيرة – مصر‎ op Donderdag 24 september 2020

من الأمثلة أيضًا نداء عمال مصنع خضار ببني سويف لطردهم تعسفيًا، وشكوتهم من الظلم الواقع عليهم من إدارة المصنع، وهو الأمر الذي اجتمع بسببه العاملون في مقر وزارة القوى العاملة لحل الأزمة، كما أبلغت إدارة المصنع بضرورة الاجتماع معهم لبحث طرق إعالة العمال.

“هنأكل عيالنا طوب".. عمال يشكون فصلهم تعسفيًا ببني سويف

"نأكل عيالنا منين ولا نأكلهم طوب".. احتجاج عمال مصنع البصل بمدينة شرق النيل في بني سويف لفصلهم تعسفيًا بعد منحهم إجازة دون أسباب

Geplaatst door ‎الجزيرة – مصر‎ op Zondag 27 september 2020

في كافة الأمثلة المذكورة، يمكن استنباط عدة ملاحظات أهمها هو أن بعضها نداءات من مواطنين بكاميرا الموبايل الخاصة بهم، فمن الممكن أن تكون استغاثات على صفحاتهم أو مرسلة لأحد العاملين في القناة باعتبارهم صحفيين أو معدي برامج يأملون مساعدتهم، حيث إن الأكثرية صيغة شكواها استغاثية بالرئيس وليس مهاجمة له، لذا فليس من المنطقي أن يوافق أحدهم الحديث إلى قناة معروفة بعدائها له والدولة المصرية.

الثانية هي أن أغلب الشكاوى فردية، ودارجة، ما يدفعنا للتساؤل “هل يعلم أصحابها أنها ستذاع لصالح القناة القطرية؟”، وذلك ما ينطبق أيضًا على الفيديوهات مثل السيدة المسنة غير القادرة على سداد قيمة قانون التصالح وغيرها من الفيديوهات التي لا يظهر فيها صورة الشخص الذي يستنطق المواطنين ويحثهم على شرح شكواهم.

الملاحظة الأخرى، هي طريقة صياغة عناوين تلك الفيديوهات، بشكل مثير للاحتقان، استغلالًا لتلك المشاكل في خدمة سياسة الشبكة العدائية ضد مصر، والأهم هنا هو نشر الفيديوهات مجردة، دون الاتصال بالحالات في مداخلات تليفونية ببرامج القناة، أي أن الفيديوهات على الأرجح تنشر دون علم أصحابها.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن استغلال الجزيرة لمثل تلك الفيديوهات، تقع مسؤوليته على غياب الإعلام المصري عنها، حيث إنه كان الأجدر بهم أن تنقل كاميرات القنوات المحلية استغاثات ومشاكل المواطنين الفردية للبحث عن حلول لها، فعلى سبيل المثال أزمة عمال مصنع خضراوات بني سويف، فور إبلاغهم الجهات المختصة بالمحافظة عن الضرر الواقع عليهم، اجتمع موظفو القوى العاملة لنجدتهم، وفي حالات مماثلة للطفل النائم على أحد كباري مدينة طنطا، سارعت لجنة الإغاثة التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي لنجدتهم وضمهم لأحد دور الرعاية.

وبالمثل أيضًا فإن مشكلة السيدة المسنة محدودة الدخل، كان من الممكن التواصل مع أحد الجمعيات التي أعلنت تحملها نفقات التصالح عن محدودي الدخل، ومنهم حزب مستقبل وطن، الذي سدد قيمة التصالح لـ32 ألف حالة من غير القادرين، بدلًا من التهويل الواضح في المشكلات الذي تعتمده الجزيرة في نقلها، بالإضافة إلى تجاهلها التام لحالات الاستجابات الكثيرة التي هرعت لها رئاسة الجمهورية والحكومة لشكاوى إنسانية من قبل وفي حالات مماثلة، مثل المواطن العائد من الخارج ويعاني من أورام سرطانية، حيث تم استقباله وتسكينه بوحدة الرعاية المركزة بأحد مستشفيات الأورام، وعلاج السيدة التي تعاني من مرض الفيل، بالإضافة لاستجابة رئاسة الوزراء لتريند طالب طلب بائع الفريسكا وغيرهم الكثير.

نرشح لك: وزير يوناني: تقارير الجزيرة دعاية سوداء وليست صحافة

 

استنطاق الجزيرة للمواطنين، من المفترض أن يتحول لدعوى للقنوات المصرية لتجنب ذلك الخطأ الذي وقعت فيه بعدم التواجد في الشارع لمساعدة الناس في عرض مشاكلهم وإيصالها للمسؤولين، فلا بد من فتح الباب لاستقبال شكاوى المواطنين بطرق بسيطة تتناسب مع مستوياتهم الاجتماعية والثقافية المختلفة، فالبسطاء والمسنين وغيرهم لا يستطيع أكثرهم نقل شكواهم بكاميرا موبايل عبر السوشيال ميديا، أو إرسالها إلى البرامج عن طريق الواتس آب وغيرها، ولذلك يجب أن يتواجد مراسلو القنوات في الشوارع، والبحث عن مثل تلك الحالات لتأدية دور الإعلام تجاهها بشكل يليق بتاريخ الإعلام المصري العريق، ودوره تجاههم.