"المظلوم" حسين الجسمي

رغم حالة الغضب والحزن الشديد التي تعم أرجاء الوطن العربي، بسبب ما تعرضت له بيروت بالأمس، من انفجار ضخم أودى بحياة المئات وإصابة الآلاف حتى الآن، كان لبعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي شأن آخر لا يقل سفها وظلما من هذا الحادث، ألا وهو السخرية من المطرب حسين الجسمي بسبب تغريدة له عن لبنان قبل الحادث بيومين.

نرشح لك: عن التباعد الاجتماعي.. حسين الجسمي يغني في إعلان “أورانج”

 

المطرب الإماراتي المحب لكل الدول العربية، أعرب عن حبه للبنان في تدوينة بسيطة بدون مقدمات أو أسباب، لكن هذه اللفتة الطيبة لم تكن إلا مادة للسخرية، وبابًا يدخل منه السفهاء لانتهاك حرمة الجسمي، ووصفه بأوصاف لا يرضاها الله ولا أصحاب المروءة والبصيرة من خلقه، بأنه نحس وشؤم وأنه ما كتب أو غنّى لبلد إلا ونكب أهلها.

حسنا فلنأتي للغة الأرقام والمنطق ما دامت لغة الأخلاق والدين والحرمات لن تجدي نفعا؛ لمّا كتب الجسمي عن الإمارات وحبه لدبي في ديسمبر 2016، ثم اندلع حريق ليلة احتفالات السنة الجديدة في فندق العنوان قرب “برج خليفة” بدبي، تم التهكم عليه والتندر بأنه السبب في ذلك، رغم أنه في نفس الشهر كتب كثير من نجوم الوطن العربي عن الإمارات بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني، من بينهم أصالة ونوال الزغبي وعاصي الحلاني ونيشان ونيكول سابا و…. إلخ، أي أنه لم يكتب وحده، ولو كان الأمر بسبب النحس والشؤم لماذا لم يتهموا باقي الفنانين؟ لكن لأن التهمة جاهزة لإلصاقها به كان الجدل والسخرية حوله فقط.

في عام 2014، عندما قدّم لمصر أغنية “بشرة خير”، لتشجيع الشعب على المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وحققت الأغنية نجاحا كبيرًا، وكانت سببا في إقبال البعض على المشاركة بالفعل، قيل إننا لم نشهد أي خير من وقت أن بشّرنا به، ووالله قد كذبوا، لأنه سواء اختفلت أم اتفقت مع النظام الحالي لن تجد أي مبرر منطقي لوضع الجسمي في هذه المعادلة السياسية البحتة، فإن كنت ترى أن الحكومة خلال السنوات الست الماضية قد حققت إنجازات كبيرة وجاءت بالخير فعلا للشعب، ما علاقة الجسمي بذلك؟ هل كان يعمل معها؟ وعلى الجهة المقابلة، ما ذنبه إن كنت تراها سنوات عجاف لا خير فيها ولا راحة؟.. في كلا الحالتين لا مبرر لاعتباره سببا في شيء، فهو مطرب قدم أغنية لاقت نجاحا كبيرا وانتهى الأمر، ولو شئنا الإنصاف، لم يهاجمه أحد بسبب هذه الأغنية إلا من هم ضد النظام الحالي أيا كانت انتماءاتهم، أي أن الأمر شأن سياسي بين حكومة ومعارضة، لا علاقة للجسمي وأغنيته به.

في عام 2012، قدم أغنية لفريق برشلونة تحمل اسم “حبيبي برشلوني”، وعندما خسر النادي في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام تشليسي الإنجليزي، قال بعضهم إنه بسبب نحس الجسمي، حسنا أين كان هذا النحس عندما حقق النادي في العام ذاته موسما مميزا في تاريخه، حيث بدأ بتحقيق لقب كأس السوبر الإسباني ثم كأس السوبر الأوروبي، وقبل نهاية عام 2011 حصد لقب كأس العالم للأندية، وأنهى الموسم بالتتويج بكأس ملك إسبانيا، فيما حقق وصافة الدوري الإسباني ووصل إلى الدور نصف النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا.

في النصر ننسى الجسمي وفي الخسارة نتذكره؟! وأصلا هل يعني ذلك أن كل فريق يخسر بطولة أو مباراة أو لقب لا بد أن هناك سببا قهريا أدّى لذلك بعيدا مستوى أداء اللاعبين؟.. لماذا سخرنا إذن مما يقوله رئيس الزمالك بأن النادي مسحور واللاعبين بيتعملهم أعمال؟!! كلاهما جهل وخرافة.

أيضا قالوا إنه عندما غنى “محبوبتي” لدولة اليمن، تم اغتيال محافظ عدن، وشهدت المدينة اضطرابات أمنية كبيرة، هذا باعتبار اليمن ليست ساحة معارك واضطربات وأزمات منذ عشرات السنوات، لا سيما بعد ثورات الربيع العربي.. المهم أن نترك كل هذه الأسباب السياسية والأمنية ونؤمن أن أغنية الجسمي هي السبب في اغتيال المحافظ.

انفجار بيروت لم يكن بسبب تغريدة الجسمي، بل كان انفجار لفساد وصراعات وطمع يغلي به لبنان طوال تاريخه، ولم يهدأ له بال منذ الاستقلال، انفجار بيروت ليس بسبب تغريدة مطرب، بل فساد مسؤول وطائفية أحزاب ضد المطالبين بإنهاء هذا الانقسام والتوحد تحت راية واحدة اسمها لبنان للجميع.

ما كان حسين الجسمي سوى شماعة يعلقون عليها اختلافاتهم، وفشل الحكام وسيطرة الأعداء من الداخل والخارج.. وكأنه يعاني من ضد الصفة التي يشهّرون به بسببها، فهو ليس نحسا على غيره، بل “منحوس” بسبب تكرار هذه التهمة ضده رغم براءته منها.

يذكرني ذلك بقصة رواها أحدهم، بأنه لم يعثر على فأسه، فاشتبه بأن جاره قد سرقها منه، فبدأ يراقبه عن كثب، كانت مشيته مشية سارق فأس، وكلامه كلام سارق فأس، حتى حركاته وإشارات يده توحي أن لا أحد غيره قد سرقَها.

يقول: “أمضيتُ تلك الليلة حزيناً ولم أعرف كيف أنام وأنا أفكر بأي طريقة أواجهه، ولكني في الصباح الباكر عثرتُ على فأسي، كان ابني الصغير قد وضع كومة من القش فوقه.

نظرتُ إلى جاري في اليوم التالي، فلم أجد فيه شيئاً يشبه سارق فأس، لا مشيته ولا كلامه ولا إشارات يديه، كان كالأبرياء تماماً ! فأدركتُ وقتها بأني أنا من كان اللص، لقد سرقتُ من جاري أمانته وذمته، وسرقتُ من عمري ليلة كاملة أمضيتها ساهراً أفكِّر كيف أواجه بالتهمة رجلاً … بريئاً منها !”.

وهذا ما حدث بالضبط مع حسين الجسمي، يدفع ثمن تهمة يبرئه الله منها في كل مرة، لكن يصر السفهاء على التندر والسخرية بها لجمع أكبر عدد من اللايكات والتعليقات عبر حساباتهم، وكأنهم لا يعلمون إن إلقاء التهم جزافا سيكون نذير شؤم ونحس لهم حقا في وقت لا ينفع فيه الندم.. ولكن كلٌ له أجل وحين.