هل يمتلك طفلك هواية حل ألغاز جرائم القتل؟.. "Home Before Dark" يجيب

سارة فوزي

قد تستيقظ في يوم من الأيام لتجد ابنك يطالبك بحاسوب شخصي أو لوحي. وقد تستيقظ لتجده يرسم على الحائط أو يغني أو يعزف على آلة موسيقية أو يهتم بألعاب الفيديو أو منشغلا بتقليد الأبطال الخارقين وأفلامهم.

لكن أن تستيقظ لتجد ابنتك البالغة تسع سنوات عاقدة العزم على حل جريمة قتل معقدة وتقديمها إعلاميا هو أمر قد تجده خياليا يصلح لمسلسل درامي أمريكي بعنوان ( Home Before Dark) أنتجته منصة Apple TV+ وهو مكون من 10 حلقات.

الصدمة الكبرى حينما تشاهد المسلسل وتجد في تتره النهائي أنه مبني على قصة حقيقية لفتاة أمريكية تُدعى هيلدي كيت ليزياك، وهى فعليا أصغر صحافية استقصائية احترافية بالعالم.

مسلسلنا يتم سرده من منظور الطفلة “هيلدي” والتي تؤدي دورها ببراعة الطفلة الأمريكية المذهلة بروكلين برينس، وسواء كنا نتحدث عن “هيلدي” الحقيقية أو الشخصية الدرامية فهما يمتلكان قاسما مشتركا وهو الوعي أو الإدراك الذاتي المبكر لدى الأطفال.

وقد بحثت في هذا المصطلح وهو باختصار أن طفلك قد ينضج عقليا بصورة أسرع من بلوغه الجسماني وقد تتطور لديه المهارات المعرفية والإدراكية قبل التحاقه بالمدرسة أحيانا وتبدأ ملامح هذه الظاهرة

“هيلدي” الطفلة بالمسلسل تضطر للرحيل مع أسرتها إلى بلدة أبيها لتقيم مع والدها الصحفي السابق، ووالدتها المحامية السابقة، وشقيقتيها الصغرى والكبرى بمنزل جدها النائي بإحدى البلدات المنعزلة، ليبدأ حسها الصحفي في اكتشاف وحل لغز أحد جرائم القتل لصديقة أبيها وتبدأ “هيلدي” في البحث كمحققة وكصحفية هدفها الأول نشر الحقائق ومحاربة الجريمة والفساد وكشف المستور بهذه البلدة.

يتصاعد الأمر حينما تكتشف “هيلدي” أن والدها وأهل هذه المدينة يخفون الكثير مما يُظهِرون، ومن بين ما يخفيه والدها الصحفي غموض اختطاف ومقتل صديقه المقرب حينما كان طفلا فتبدأ “هيلدي” رحلة اكتشاف لغز مقتل هذا الصديق في محاولة لمساعدة أبيها لتخطي صدمته في وفاة صديقه وهو طفل.

غامرت منصة Apple TV+، بإنتاج هذا المسلسل الموجه لفئة الأطفال والعائلة فجنَبت أي ألفاظ خارجة أو إيحاءات أو مشاهد جنسية وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت مغامرة دقيقة ومتميزة وجريئة لهذه المنصة التي جددت المسلسل لموسم ثانِ بعد النجاح الكبير لدى المشاهدين.

مسلسل “Home Before Dark” دراما جريمة عائلية تعالج بذكاء كيفية احتواء طموح الأطفال وتنمية مهاراتهم ودعمهم النفسي من أبويهم، وتنأى عما هو تقليدي دراميا فيما يتعلق بالتصارع مع الأطفال للتخلي عن طموحاتهم بدعوى الخوف عليهم من المستقبل أو الرغبة في رسم مسار حياتهم بما يتوافق مع طموح الآباء لا الأبناء.

مسلسل قدَم باقتدار علاقة سوية وطبيعية بين أب داعم لبناته الثلاث، يحترم طموحاتهن ورغباتهن في تحدي الأنماط المجتمعية الخاطئة ومحاربة التنمر والأحكام المسبقة ومواجهة السخرية من اختلافهن وإصرارهن على إثبات الذات، علاقة أسرية قائمة على الدعم بكل أشكاله بين الزوجين وبين الأبناء وبعضهم البعض وبين هذين الأبوين وبناتهن.

المسلسل لم يغفل عنصر التشويق والإثارة المرتبطة بالجريمة، فوضع عددا كبيرا من الحبكات الملتويةPlot Twists واعتمد على تقنية Red Herring بوضع بعض المعلومات الخاطئة دون علمك لتضليلك عن الجاني الفعلي ومرتكب الجريمة مع الاحتفاظ بإنهاء كل حلقة بنهاية خاطفة Cliffhanger تدفعك لمتابعة الحلقة التالية بكل إثارة كذلك الاعتماد على Flashbacks لسرد بعض الأحداث الماضية وربطها بالحاضر.

من أكثر ما يلفت الانتباه هو توظيف الرسوم المتحركة Animation داخل هذا العمل حينما تبدأ الصحفية الصغيرة “هيلدي” بربط الأحداث والجرائم والأشخاص لجذب انتباه الأطفال الموجه إليهم هذا المسلسل.

المسلسل مقدم بكافة العناصر البصرية المبهرة من تصوير وإخراج وإضاءة تجعلك لا تشعر بأنه موجه لطفل بل لا يقل نهائيا عن مسلسلات الجريمة المقدمة للكبار كما يأسرك في قصته ومعالجته المتميزة.

من أكثر الأمور اللافتة للنظر بهذا المسلسل هو الحوارات الطفولية الكوميدية بين البطلة وأبيها أثناء رحلتهم لاكتشاف الغموض المحاط بعالم صحافة الجريمة، والأهم هو كافة المشاهدات والأبعاد الدرامية المتتابعة التي تُظهر شخصية “هيلدي” الصلبة من الخارج التي تدافع عن حقها كصحفية ينبغي أن تظهر الحقيقة للمواطنين وتلتزم أيضا بمواثيق الشرف الصحفية التي يوجهها إليها والدها الصحفي السابق. فالمسلسل يقدم للمشاهدين سلسلة من القوانين وأخلاقيات العمل الصحفي بطريقة مبسطة وموظفة على مدار أحداث المسلسل.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: راكيل.. المرأة تختار الحب ولو كانت أشهر المفاوضين.. نساء نتفليكس (1)

“هيلدي” القوية التي لا تخشى شيئا في رحلتها للوصول إلى الحقيقة، لا تنسى طفولتها ولا تنسى أصدقاءها والأهم أنها هشة ورقيقة لأنها طفلة قد تبكي بسبب ما كتبه البعض على صفحة جريدتها الإلكترونية من التعليقات المسيئة كنوع من التنمر الإلكتروني لكن والدها يشجعها لاستكمال الرحلة ومواجهة المتنمرين.

استكمالا لعناصر التميز بالمسلسل نجد أداء كافة الممثلين وفي مقدمتهم Jim Sturgess الذي يؤدي شخصية “ماثيو ليسكو”، والد “هيلدي” الداعم المصاب بصدمة يحاول تخطيها، وبالطبع الأداء العبقري للممثلة الصغيرة “بروكلين برينس” التي تخطف قلبك ببراءتها وضحكتها وبلا شك سوف تحصل على جوائز عديدة قريبا.

والحقيقة لا بد أن نحيي صناع هذا المسلسل الذين افسحوا مجالا للأطفال في التمثيل وقدموا فرصة لصناعة دراما ممتعة للطفل والأسرة، دراما بطلها الأطفال في أدوار رئيسية بالكامل لها مساحتها الدرامية الكافية، دراما أغلب مشاهدها أطفال لا يقلون أبدا في براعتهم عن نظائرهم الكبار الذين يقدمون أدوار الشخصيات المساندة، فهذا المسلسل ليس مجرد دراما للكبار يقحمون بها الأطفال بصورة خاطئة ومسيئة بل مسلسل ينتصر لتمكين الطفل في الدراما العالمية.

بالطبع قد تجد أحيانا بعض المبالغات الدرامية في أن يسمح أبوين لطفلتهما أن تذهب ليلا لتغطية وحل أحداث إحدى الجرائم دون أن تتعرض للعقاب أو أن تتحدى رجال الشرطة أحيانا لكن المدهش هو أن قصة الطفلة “هيلدي” الحقيقية قد حدثت بها تلك الواقعة بالفعل حينما هددها رئيس البلدة بإيقافها وحبسها وصورت ذلك عبر فيديو نشرته على صفحتها على “فيسبوك” و”يوتيوب” وأدت إلى إقالة المارشال “جوزيف باترسون” بتهمة إعاقة حق المعرفة والنشر بالولايات المتحدة.

نهاية ذكية وغير متوقعة تفتح الباب لموسم ثانِ لا يقل إثارة عن الأول، فإجمالا هو مسلسل عائلي ممتع يبحث عن الحقيقة، يحل الجريمة، يُقدر دور الصحافة والأهم يضع الأطفال بصدارة الدراما ويحتوي طموحاتهم ويحثنا على ألا نحبس أحلامهم، فهل نستطيع أيضا أن نحتوي عقول أطفالنا الطامحين ولا نتجاهل مخيلتهم؟.

نرشح لك: فاطمة خير تكتب: ألينور..فرصة ثانية للنجاة في العالم الآخر فهل تنجح؟ نساء نتفليكس(2)