جمال فهمي: الصحافة عندما تشم «الكُلَّة»

«فشلت العناية الإلهية فى إنقاذ (كذا)..»، و«.. كان الإرهابى (فلان الفلانى) اعتاد تفجير نفسه»..!!

ما فات ليس مقتطفات من هرتلة مجانين، لكنها مجرد عيّنة وغيض من فيض ما ينشر الآن فى المواقع الخبرية الإلكترونية.. كأننا كنا فى حاجة إلى المزيد من الخيبة والبؤس المهنيين اللذين ضربا مهنة الصحافة فى قلبها على مدى سنوات عجاف وطوال، حتى تأتينا الست «إلكترونية» وتكمل على الباقى.

أستطيع أن أرصد أربع مظاهر وأعراض أساسية (هناك أعراض فرعية لا تُحصى) للعلة التى تأكل فى بدن مهنتنا الرائعة السامية، أولها استسهالها والتعامل معها باعتبارها شغلانة لمن لا شغلة له ولا حرفة ولا مهارة أو تعليم من أى نوع (مجرد أميين لا يقرؤون ولا يكتبون)، وثانيها قيام بعض الصِّيَّع والهاربين من وجه العدالة باختراع وسائل إعلام تشبه مطواة «قرن الغزال» بحيث يتم شهرها فى وجوه خلق الله للابتزاز أو «نشل محفظة» أو سرقة حبل غسيل.

وأما المظهر الثالث، فهو إلغاء كل فرق بين اللغة والمفردات المستخدمة على أرصفة الشوارع وتحت الكبارى، حيث يلوذ الغلابة «شمامين الكلة»، وبين اللغة التى تليق بالصحف ووسائل الإعلام عمومًا.. ويتمثَّل المظهر الرابع فى قيام هؤلاء الشمامين بإجراء عملية «تغيير جنس» للخبر وتحويله من «نبأ» يفترض فيه الصدق أساسًا لكنه يحتمل الخطأ، إلى مجرد «تحشيشة» لا أساس لها، ولا قيمة ولا تستطيع أن تستقر لحظة واحدة فى عقل طفل غرير صغير.

وأعود إلى حكاية «فشل العناية الإلهية» كنموذج مثالى غارق فى الفجاجة يشى بالبؤس والغلب والانحطاط، ذلك الذى لم يوفّر مواقع صحفية إلكترونية فخمة جدًّا، وتتمتع بإمكانيات ضخمة وحملات دعاية إغراقية جعلت بعضها يكتسب «شهرة الفضيحة» على الأقل، ولدواعى الترويج فإن القائمين عليها يجتهدون ويعافرون طول الوقت لجعلها شيئًا أشبه بـ«معلم سياحى» (ينافس أهرامات الجيزة) يقصده يوميًّا تقريبًا تشكيلة من الزوار من كل نوع، حيث يتم تصويرهم وهم يخطرون ويتسكعون فى مقر «الموقع» وباحاته المكدسة بشاشات الكمبيوتر، وفورًا تبث الصور التى يظهر فيها الأستاذ الزائر (أو الأستاذة) وقد رسم على سحنته ابتسامة صفراء أو بلهاء، فضلًا عن علامات انبهار عبيطة قوى جدًّا خالص.

إذن، هذا الذى «تعوَّد على تفجير نفسه»، لم يفجّرها أو يدمّرها وحدها، لكنه يُخرب ويسحق مهنتنا ويمرغ سمعتها ومصداقيتها فى مستنقعات الوحل كل دقيقة، ويمد القوى المعادية للحرية عمومًا وحرية الإعلام والصحافة خصوصًا بترسانة حجج وتعلات وأسلحة فتاكة كفيلة بكتم أفواهنا وقطع ألسنتنا وإخراسنا تمامًا إلى ما شاء الله.

كما ترى حضرتك، المساحة تآكلت ولم يعد هناك متسع لشرح الأسباب المعقدة التى تقف خلف تلك الظواهر المخجلة، لهذا أكتفى بإشارة سريعة إلى «التشوهات» الخطيرة التى لحقت بالمنتج الإعلامى والصحفى فى بلادنا كنتيجة مباشرة لعقود طويلة من التدخلات الأمنية الفظة فى الشأن الإعلامى والخلط المتعمد بين «مخبر المباحث» و«المخبر الصحفى»، وتراجع هذا الأخير أمام الأول تراجعًا واضحًا، ويخزق عين الأعمى، إذ يستطيع بمنتهى السهولة أن يلمس ويلحظ كيف أن قطيع المتخرجين من أقبية مباحث التموين صاروا يتصدرون المشهد ويملؤون المسرح، ويسبحون فى نعيم الثروة والجاه.. وصباح الخير.

 

شاركنا الرأي حول المسلسل الذي يتصدر قائمة اهتماماتك في رمضان المقبل بالضغط هنا

اقـرأ أيضـاً:

رؤساء تحرير يقررون تسويد بعض الصفحات احتجاجا على انتهاك حرية الصحفيين

مرتضى منصور: موسي بيعمل بالفضائيات لتوفير مصاريف علاجه

حنان مفيد فوزى: والدى فى حالة صحية حرجة

“بدون مكياج” جديد طونى خليفة فى رمضان

السبكي فى المستشفى

“آية قرآنية” تثير التساؤل في “حارة اليهود”

 بسمة وهبة باكية من داخل القبر: واقع أليم  

عكاشة يكشف مخطط ضرب السيسي في جنوب أفريقيا

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا