صلصال امرأتين.. الهروب من الموت إلى الموت!

طاهر عبد الرحمن

أي إنسان، مهما كانت ثقافته ووطنه ودينه، يحاول دائما الحصول على الأمان والاستقرار بمفهومهما العام والخاص، ولذلك فهو طول الوقت في بحث وقلق مستمر، بين رغبته وما يلاقيه في حياته سواء في تحقيق طموحه أو في إخفاقاته.

وفي بلد مثل العراق، وقد شهد الكثير من الحروب والمغامرات غير المحسوبة لقادته وصلت به في النهاية إلى الاحتلال العسكري، فإن معاني الأمان والاستقرار تأخذ شكلا مختلفا بعض الشيء، فهي بشكل ما تعني – أولا – الهروب من الجحيم بأية طريقة حتى ولو كانت هروبا منه إليه، فالمحاولة – حتى لو كانت خاسرة – تستحق، فلا شيء يمكن خسارته أو فقده بأكثر مما في السابق.

بهذا المعنى كتبت الروائية العراقية، ميسلون فاخر، روايتها الجديدة “صلصال امرأتين”، الصادرة حديثا عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد، حيث قدمت لنا مأساة أسرة عراقية من الطبقة الوسطى حطمتها السلطة والحرب، فهرب أفرادها من الموت إلى الموت.

رياض وراوية، عراقيان يعشقان فن النحت، يتقابلان في باريس حيث يدرسا في أكاديمية الفنون، أحلامهما بلا حدود، ولا نعرف عن انتماءاتهما السياسية والدينية والأيدلوجية أي شيء (خصوصا فترة منتصف الستينيات في المنطقة العربية بكل ما كانت تموج به من تيارات وأفكار) وهو ما بدا مقصودا من المؤلفة، فنحن في النهاية أمام بشر، قبل أي شيء وبعد أي شيء.

الفنانان الشابان يقعان في غرام نحّاتة فرنسية اسمها “كاميل كلوديل”، حياتها كانت مأساوية بشكل كبير، حيث رفضها الرجل الوحيد الذي أحبته بصدق، وتآمر عليها أخوها وأمها وأودعاها مشفى للأمراض العقلية قضت فيه سنوات طويلة حتى رحيلها.

وربما حماسا – أو تعاطفا – معها، يطلقان اسمها على ابنتهم الوحيدة، التي ورثت كل شيء من طبائع وأحوال وأحزان تلك الفنانة الفرنسية، وكأن الاسم في حد ذاته يحمل “لعنة” غامضة. فهل هي لعنة “الموهبة”؟

يعود رياض وراوية للعراق، لكن التسامح النسبي الذي عاشته بلاد الرافدين في الستينات وحتى منتصف السبعينات كان قد انتهى بصعود ‘الزعيم”، الذي كانت فترة حكمه الطويلة سلسلة من المغامرات التي دفع الشعب العراقي ثمنها غاليا وباهظا.

نرشح لك: صدور “مي زيادة.. معشوقة الأدباء” لـ خالد ناجح

وهنا يأتي الحديث عن الحرب وويلاته، حيث يذهب رياض، رغم تفوقه كفنان، إلى الحرب مجبرا ويُفقد ولا أحد يعرف عنه شيئا، وراوية الفنانة المرهفة تضطر للزواج من رئيسها ولن تفهم إلا متأخرا أنه لم يردها بل أراد ابنتها! وفي النهاية تجد “كامي” نفسها وحيدة وتقرر الهجرة.

هذا هو الفصل الأول من المأساة، أما الفصل الثاني يمكن تخيله: فتاة جميلة وفنانة كان من الممكن أن يكون لها مستقبل أفضل، تهاجر من وطنها، هربا من عدم الأمان إلى “مجهول” لا يمكن – بأية حال – توقعه.

من بغداد إلى عمّان إلى موسكو وفي النهاية إلى السويد.. ولكن الرحلة – بأحداثها وليس فقط بأيامها – كانت فوق أي تصور أو تخيل، صحيح وصلت “كامي” إلى “بلد أوروبي” لكنها وصلت شبه ميتة ووحيدة، فماذا يتبقى لها؟

في الحقيقة لا شيء، خصوصا وأن الجناة أكثر من أن يحصوا..

نرشح لك: صدور “قصور مصر” لـ سهير عبد الحميد