سماء زيدان تكتب: ظلمنا الحب.. وظلمنا الفيس بوك

تقول الست أم كلثوم في تكرار لا يشبه بعضه بعضا: “أنا وأنت نسينا حتى نتعاتب ونتصالح، وعز عليك تسيب العند وتسامح، وعز علي أكون البادي وأصالح”سماء زيدان عن أم كلثوم 

تطربني هذه المرأة كثيرًا، وأنسى حين أسمعها أين أنا، أدندن معها وإن كنت في الشارع أو في السيارة، أقف في أي مكان إن سمعتها تغني أتمهل قبل أن أغادر، أحفظ كل كلمات أغانيها وكل ألحانها وأشعر أنها صديقتنا جميعا وأنها تعرف عنا كل شئ، ألم تغني للشوق والهجر والحب والغيرة والفقد والأمل والظنون؟ أليس هذا هو كل شئ؟، وكأنها مرت بكل التجارب وعرفت كل شئ قبلنا وكيف لا وكانت تصادق الشعراء والأدباء والأطباء وكل فئات البشر.

وقف أمامها الرؤساء ووقف خلفها الفنانون، وسمعت من الجميع آهاتهم ورأت دموعهم، فمن عادة البشر أنهم يخبئون أسرارهم في صدر من يبهرهم، وكانت هي مثل ماسة كبيرة تتلألأ، كانت تنطق الحكمة، ربما لهذا أحبها الجميع فالناس تأنس للحكيم.

ألم تقل “ده العمر هو الحب وبس”، تلك أعظم الكلمات وتمتد السنوات بالفلاسفة والأطباء حتى ينطقوا بالكلمتين متلاصقتين في سلاسة مثلها، وبعامية فصيحة عرفت لي معنى جديدًا عن اليأس وفقد الأمل الذي كان مرهونا بخيط واهن، “كلمتين اتقالوا شالوا الصبر مني “، ثم بفصيح الشعر قالت عن الشوق المهزوم ما لا نعرف له تعبيرا أدق، “استشف الوجد في صوتك آهات دفينة”، وبينما أنا أجلس في التاكسي وأسمعها تردد: “وأصبح كل يوم بينا يفوت أصعب من امبارح “، تنقبض معدتي مع حزنها وأنا لا أعرف إلى من كانت تتحدث، إن كان حبيبها يخاصمها؟ هل كانت تكلم نفسها بصوت مسموع؟.

أكاد أجزم أن مثلها لا يحب إلا مرة واحدة أو مرتين في حياته، أي حجر كان في قلبه أو فوق قلب، كيف وهي المسموعة لنا وصوتها ملىء القلوب والآذان لم يسمعها هو؟، ربما لم يتح لها زمنها أن تكتب بوست “تلقيح” وتلميح على طريقة فيسبوك وتوقع بنهايته تنويه ” موجهة أو مقصودة”، كما يفعل بعضنا الأن، ربما أغلق قلبه وأذنيه وهاتفه فاضطرت لأن تبحث عن قصائد طويلة وأغنيات خالدة فقط لتحدثه، لتخبره أنه أحمق لكنها تسامحه.

ليس هذا كل ما أردت قوله باختصار، أرجو أن تسامحيني عليه، كانت تغني بلسان كل منا وعلمتنا أن نبوح وأن نفصح ثم رحلت قبل أن ترانا نضيف ألف شخص، ونقبل ألف طلب صداقة فقط لنتحدث لشخص ما، مثلها نكتب كلمات على الملأ، نغني وتسمعنا الجماهير فقط من أجل شخص واحد هو الأهم، ولو كان هذا الشخص قريبا بما يكفي ما شغلنا أنفسنا بالحديث للغرباء عن أشياء لا تهم أحد مثل نفوق الحيتان واكتئاب الباندا.

السعداء في الحب لا وقت لديهم يهدروه في تصفح أخبار المشاهير، وأسعار العملات، وصور الأصدقاء، المحبون ممتلئون بالرضا عن سمنتهم ولون بشرتهم.

وعن الله، لا تجد محبا سعيدا في حبه يغضب من الله أو يعاتبه أو يضيع صلاة، لكن لماذا لا يستمر هذا الرضا؟، الجواب في أبيات أم كلثوم أيضا: “يا فؤادي لاتسل أين الهوى، كان صرحا من خيال فهوى”، يذهب كل شئ سريعا ويذوب ويذوب، الحب قصير العمر مثل وهم عابر هكذا علمتنا.

عجبت لها في الصورة المرفقة التي جعلتها خلفية حاسوبي، أتأملها دائما، أشعر أنها تنظر للبعيد لما وراء كل مايراه الناس، تعاتب العالم بتلك النظرة، ترتدي كل هذه الماسات وتقف أمام الجماهير بفستانها الدانتيل الأبيض الأنيق، وشعرها الأسود الممشط للخلف بعناية، وكل العيون فوقها وكل الآذان تنصت لها، تقف بثبات غصن يتمايل، تدب الأرض بحذائها دقات ترافق دقات آلة القانون، تمتلك كل هذا العجب والسطوة ثم تنظر للعالم بكل هذا العتاب، ترى ماذا كانت تقول هنا وهي تفكر بكل هذا الذي مرت به وغنته لنا، كل هذا الهجر والحب والوجد، أخمن وأكاد أسمعها تقول: “وإن كنت أقدر أحب تاني هحبك أنت”.

سماء زيدان عن أم كلثوم

سماء زيدان عن أم كلثوم

نرشح لك: سماء زيدان تكتب: كنت في باريس

شاهد: مختلفة طريفة صادمة أراء المشاهير